قضاء شهر رمضان في إسطنبول دائمًا ما يكون له متعة ينفرد بها. مآذن المساجد الواقعة على جانبي مضيق البسفور مزينة باللافتات. تجعل أضواء اللافتات هذه المدينة المباركة أكثر إشراقًا. تعلّق اللافتات بين مآذن بعض الجوامع حيث يقرأ عليها إما أسماء الله الحسنى أو أحاديث للنبي محمد، أو بعض العبارات مثل «أهلًا رمضان». الإضاءات -خصيصًا- على المآذن الستة للجامع الأزرق (جامع السلطان أحمد) أثناء الإفطار تقوِّي بشدّة المشاعر الروحانية التي تسيطر على هذه المدينة المقدسة.
في شهر رمضان، تنعم المدينة بوفرة أكبر. تجذب حوانيت بيع الفواكه المجففة وغذاء الإفطار والحلويات أشخاصًا أكتر من المعتاد في هذا الشهر، لأن الزيتون والجبن والمخبوزات والحلويات هي عادات قديمة في وجبات الإفطار. تشتري كل عائلة أفضل طعام يمكنها تحمل نفقته لدعوات الإفطار. تنتشر رائحة الخبز التركي -خبز مخصص لرمضان- آتية من المخابز التي يصطف عليها الناس. تعتبر الصداقات والمحادثات الجميلة التي تبنى في هذه الصفوف أثناء الانتظار فرحة ينفرد بها رمضان.
عندما تبدأ الشمس في الغروب، يتجمع الأشخاص، الذين يختبرون قوة إرادتهم في الامتناع عن الطعام والمشروبات في النهار لينالوا ثواب الله، حول مائدة الإفطار وينتظرون أذان المغرب. تراقب الأعين في هذه الأثناء الأنوار في محاريب المساجد: عندما تضاء هذه الأنوار، تكون هذه علامة على وقت الإفطار.
في المجتمعات الإسلامية، من العادة أن تفطر على زيتون، أو التمر أو بالطبع الماء. تجعل موائد الإفطار، التي تشبه موائد الأعياد الكبيرة، الناس يشكرون الله على النعم التي منحها لهم.
يعتبر الذهاب في زيارات للإفطار عرفًا رمضانيًا. يدعو -قبل أن يبدأ الإفطار- أكبر شخص على المائدة بدعاء الإفطار، ثم يبدأ كل شخص بأكل وجبته. الطعام الأساسي المتوافر على مائدة الإفطار هو طعام الإفطار العادي، والحساء وحلويات رمضان المألوفة مثل الجلاش، ينشط مثل هذا الطعام حاسة التذوق.
يشعر الشخص الذي يزور إسطنبول لأول مرة في رمضان بالحماسة عند سماع دوي مدفع خلال فترة الإفطار. هذا التقليد، الذي بدأ لأول مرة في عام 1821 خلال الحقبة العثمانية بإطلاق المدفع الموجود في قلعة الأناضول، لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا. فصوت المدفع والأذان في نفس الوقت ينذران بوقت الإفطار.
ويعد الحفاظ على هذه التقاليد حية أمرًا جميلًا يجعل الناس يشعرون بروحانية رمضان بشكلٍ أعمق.
إن روح التضامن التي يذكرنا بها هذا الشهر المبارك تظهر بوضوح في الخيام الرمضانية الضخمة التي تقام أثناء الإفطار والسحور. ويجتمع في هذه الخيام، التي تقام خاصة في الساحات الرئيسية في إسطنبول، الآلاف من المحتاجين مع بعضهم البعض أثناء الإفطار.
في الأجواء الروحية الجميلة التي يجلبها رمضان، المعروف باسم سلطان الأشهر الإحدى عشر، فإنه يذكرنا بالعديد من القضايا العميقة التي ينساها الكثيرون خلال العام: في الواقع، هذه الروحانية لها تأثيرٌ كبير، حتى على أولئك الذين لا يصومون، أو حتى غير المسلمين. كل هذه العادات الفريدة الخاصة برمضان تعزز الشعور بالحيوية الروحية وتصبح عاملًا أساسيًا في جعل الناس يصلون إلى عمق روحي عميق.