"هذه (المجازر) أصبحت عبارة عن عادة، ونِدائي من هذا المنبر أن تتوقف هذه العادة. ولقد تبلّدت مشاعِرنا إزاء هذا الموضوع".
مثلما بيّن الرّئيس الأمريكي أوباما في كلماته السّابقة فإنّ المجازر التي ترتكب في المدارس تحوّلت إلى "عادة" داخل المجتمع الأمريكي. وخلال الأسبوع الماضي أسفر "هجُوم أوريغون" الذي وقع على معهد أومْبكا عن مقتل 10 أشخاص. وفي عام 2015 م وحده حدث في أمريكيا 45 هجومًا على المدارس، ووفق البيان الذي صدر عن الــ"أف بي آي" فإنه في كل هجوم يتم استهداف 4 أشخاص أو أكثر في هذه العمليّات. وحسب هذا البيان فقد تم ارتكاب 294 مجزرة جماعية في أمريكا خلال هذا العام وحده.
إنّ المسألة التي أثارها هُجوم "أوريغون" بلا شكّ هي التساهل في امتلاك السلاح في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. ويعتبر قانون امتلاك السّلاح من المواضيع التي أثارت جدلا واسعًا منذ وقت طويل بين الديمقراطيين والجمهوريّين. ووفقا للإحصائيات المتعلقة بالأسلحة النّارية يتولد السؤال البديهي"هل ينبغي تأييد الدّيمقراطيين أم الجُمهوريّين في هذا الموضوع؟". ترى هل ستنتهي هذه المجازر عندما تختفي هذه الأسلحة المرعبة من عند أصحابها؟ أم أنّ القضية، كما يقول الجُمهوريون لا تتعلّق بالأسلحة بل بالإنسان الذي يستخدمها؟
الشّخص الذي يعمد إلى قتل إنسان آخر بدون سبب لابدّ أن يكون في إحدى حالتين: إما أن يكون مصابا بمرض عقليّ، أو أن يكون محكومًا بإيديولوجيا منحرفة تدفعُه إلى القتل. عند استخدام السلاح بشكل فردي يتعين إجراء فحوص بخصوص الأمراض النّفسية، ومن المعلوم أن تسرّب هذا السّلاح إلى أيدي المرضى النفسيّين سوف ينتج عنه نتائج مأساويّة.
الحقيقة أن السّبب الرّئيس لهذه الجرائم هو الإيديولوجيات المُنحرفة، والولايات المتحدة الأمريكية أهملت هذا الموضوع. وعند النّظر إلى الجرائم الجماعية التي يتم ارتكابها في أماكن كثيرة من العالم، نلاحظ أنّ المُعتدين، بصفة عامّة مُتأثّرون بتمييز دينيّ أو عنصريّ، وأنهم ينظرون إلى من تمّ قتلهم نظرة اِحتقار عرقيّ، وأنهم خاضعُون لفكرة الفرز أو الانتقاء الطّبيعي، أو أنّهم متأثرون بنظريات الإلحاد أوالشّيوعية أو الفاشيّة.
كم هو مُؤلم عندما نرى أنّ أغلب نُظم التّعليم في دُول العالم وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكيّة تلقّن التّلاميذ تعليمًا مادّيا صرفًا، وتزرعُ في أذهانهم فكرة تقول بأن الإنسان " كائنٌ محكوم عليه بخوض الصّراع من أجل البَقاء ".
لا شك أنّ هذه الخديعة لا تنطلي على كلّ طالبٍ؛ فهناك الكثير ممّن يعتقدون أن الله تعالى هو الذي خلقهم وخلق جميع الموجودات في هذا العالم. وهؤلاء الاشخاص يتعين عليهم أن يتصرّفوا وفقا لما تُمليه عليهم ضَمائرهم، وأن يَرفضوا هذه النّظم التّعليميّة الموجودة.
لكن من الناس من يعتقد بأنّ هذا المجتمع تجسيم للنّظرية الماركسيّة، ومنهم من يتبنّى الفكر الفاشي فيرى ضرورة القضاء على الأعراق والإثنيّات الأخرى، ومنهم من يُصدّق فكرة الاصطفاء الطبيعي ويرتكب مثل هذه المجازر الجماعيّة.
وإذا رجعنا مرّة أخرى إلى السؤال الأول "هل المُشكلة في السّلاح أم في الإنسان"؟ فممّا لا شك فيه أنّ المُشكلة في الإنسان. فالمجتمع الذي يَخشى الله لن يُقدم أيّ فرد فيه على ارتكاب ولو جريمة واحدة حتّى وإن كان لديه العشرات من قطع السّلاح. فالقوّة التي تردعُ النّاس هناك، ليست القوانين التي تمنعُ امتلاك الأسلحة أو العقوبات، وإنما هي فقط خشية الله تعالى.
بالنسبة إلى أنصار امتلاك الأشخاص للسّلاح في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، عليهم أن يفكروا جيّدًا لماذا ليست المشكلة في السلاح بل في الإنسان نفسه؟ عليهم أن لا يتغافلوا عن هذه المسألة بمجرد قولهم "إن الخطأ ليس في السّلاح". عليهم أن يركّزوا على كون العقلية التي تقود النّاس إلى ارتكاب الجريمة أساسها النظام التّعليمي. وإذا أرادوا فعلا أن يؤيّدُوا فكرة حقّ الجميع في امتلاك السّلاح، وبالتّوازي مع ذلك وضع حدّ لأعمال الجريمة فمن الضّروري أن ينشؤوا أطفالهم على معاني القوة المعنويّة وليس القوة المادّية.
وبالمقابل ينبغي على رافضي فكرة اِمتلاح الأسلحة الشّخصيّة أن لا ينظروا إلى المسألة من زاوية واحدة، وأن لا يكتفوا بالقول بأنّ "السّلاح هو الجَاني". وعليهم أن لا ينسوا بأنّ ذوي العقليات المُنحرفة قادرون على الوصول إلى السلاح بأيّة طريقة كانت.
وما ينبغي عمله في هذا الشّأن، وخصوصًا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة أن يلتقي أصحاب هذين الرّأيين ويفكروا مليّا في أصل الحلّ لهذه المُشكلة. فما لم يتم تجديد النظام التّعليمي وتغيير المقاربة المادّية المتحكمة في الأذهان، وإذا لم يتم تقوية الجانب المعنوي لدى الشّباب، فإنّه مع الأسف سوف تتحول هذه الجرائم إلى عادة وروتين. وسُبل الحلّ سهلة وهي بين أيدينا، والشيء الأكيد الذي ينبغي القيام به هو عدم تجاهل السبب الحقيقي لهذه المشكلة.