حذر النبي المسلمين من المنافقين حيث قال الآتي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ". (صحيح البُخاري - كتاب الأدب - باب ما جاء في ذي الوجهين).
الخداع والرياء هما أبرز صفتان تُميزان المنافقين عن غيرهم، كما يستخدم المنافقون ذكاءهم في الشر، فهم سادة في أن يتقمصوا دور أي شخص يرغبون في أن يكونوه. لديهم ذكاء الشر، وقوة الإرادة على التظاهر بتغيير شخصياتهم وقتما يُريدون إلى النقيض تمامًا من شخصياتهم الحقيقية. يمكنهم لعب دور العديد من الشخصيات المختلفة وفقًا للبيئة المتواجدين بها، أو وفقًا للأشخاص الذين حولهم، فيمكنهم التحدث مع الملحدين بنفس طريقتهم، ثم مع من يُظهرون صفات المشركين بنفس الصفات، ومع المنافقين بلغة المنافقين. وقد أخبرنا الله عن هذا الفجور من المنافقين في قوله تعالى:
"وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" سورة البقرة - آية 14-15.
بفضل ذكائهم في الشر، يُمكن للمنافقين مراقبة المسلمين، وتقليدهم كذلك. ونتيجة لذلك، فكلما اقتضت الظروف وأرادوا ترك انطباع بخلوهم من الغدر، وعندما يريدون التغطية على أنشطتهم الخبيثة واصطناع البراءة، فيمكنهم أن يقلدوا المسلمين الأتقياء. في الواقع، وقد يكون من الصعب حقًا رؤية وجوههم الحقيقية لأول وهلة، فستجدها تبدو مثل الشرفاء والمخلصين وحسني النوايا الذين يصطفون مع المسلمين، والذين يسعون جاهدين في سبيل الله، مع مراعاتهم لأدق التفاصيل لدرجة مثالية يكاد يستحيل معها أن تجد أية أدلة ضدهم، بينما المنافق في الحقيقة خبيث جدًا، ومغرور، ومتكبر، ومُدع، ودومًا ما يكذب ويفتري على غيره، ويفتعل المشاكل باستمرار، ويُحاول أن ينشر الاضطراب في صفوف المسلمين ويُثبطهم، وذلك حتى يستطيع عرقلة أنشطتهم الحسنة أو ليُضيع أوقاتهم، ويُمكن للمنافقين فعل كل ما سبق إذا ما اقتضت مصالحهم ذلك، وربما يُظهرون للناس شخصيتهم على أنها متواضعة، وطيبة، وودودة، ومتعاطفة، وغيورة، وكريمة، كما لو أنهم يفوقون أخلاقيًا المسلمين المخلصين من حولهم.
يُخبرنا الله في القرآن الكريم إن المنافقين سوف يسعون لإظهار أنفسهم على أنهم أشخاص طاهرون وأخيار:
"فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ..." سورة النساء - آية 62-63.
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" سورة البقرة - آية 11.
ورغم كل ذلك، فالمسلمون المخلصون لديهم الحكمة العميقة والفهم، ويُمكنهم بسهولة أن يفهوا خططهم الخبيثة، ولا ينخدعون لمثل هذه الخطط الشيطانية، فلا يهم مدى قدرة المنافقين على التظاهر بأنهم ذوو شخصيات مختلفة، مهما كانت مقدرتهم على ذلك، فعلى المسلمين دومًا أن يكونوا مستيقظين ومستعدين، وبالإضافة إلى ذلك فيجب أن يتصرفوا بحكمة وبصيرة ورحمة، وذلك تماشيًا مع القرآن. باتباع هذه الأخلاق الحسنة من المسلمين، فأولئك الذين يضلون الطريق ويقومون ببعض الأفعال المشابهة للمنافقين يُمكنهم أن يتخلصوا من أخطائهم ويتطهروا ويعودوا لطريق الصواب مرة أخرى. ومن ناحية أخرى، فإن عقوبة المنافقين الحقيقيين تزداد أكثر وأكثر عند الله.