حياة واحدة .. نفس واحد

966

والآن خذ نفسًا عميقًا، من يدري؟ ربما يكون النفس الأخير الذي تأخذه في هذا العالم.

لأنك لن تعرف أبدًا متى يأتيك الموت، الذي حتمًا سيأتي الجميع.

ولكن هل قمت بعمل أية استعدادات لهذا الحدث الذي سيأتي فجأة - ربما في أكثر الأوقات التي لا تتوقعها - والذي لا عودة منه بكل تأكيد؟

أنت تُحضّر للاستيقاظ في وقت معين في الصباح، وتقوم بضبط ساعة المنبه وتنام مبكرًا تلك الليلة.

إنك تستعد حتى للخروج من المنزل.

وتحضر نفسك بطرق مختلفة، سواء لمقابلة عمل في النهار أو حتى للعشاء في المساء.

وأحيانًا قد تقضي أيامًا أو أسابيع تحضر لمشروع عمل أو لامتحان.

وتقوم بحساب كل تفصيل واحتمال صغير.

ولكن ما نوع التحضير الذي تقوم به لحياتك الحقيقية التي ستستمر للأبد في الآخرة؟

ما نوع الخطط المفصلة التي تضعها؟

حياة البشر قصيرة جدًا، بمتوسط 60 إلى 70 سنة فقط.

وهذه الفترة تقصر مع كل يوم يمر، مثل الرمال في الساعة الرملية.

يتجه الجميع خلال عد تنازلي بشكل ثابت إلى الآخرة.

وهذا العالم هو امتحان للتمييز بين هؤلاء الذين يخافون الله تعالى وبين هؤلاء الكافرين به.

ويتم اختبار الناس بشتى الطرق من أجل اختبار إيمانهم.

وسيتميز هؤلاء الذين يعرفون الله تعالى ويقدرونه من هؤلاء الذين يكفرون به، وسينالون السعادة.

الحياة قصيرة جدًا، ولكن بإذن الله تعالى ستعيش الروح إلى الأبد.

ومقارنة بالخلود، فستون أو سبعون سنة هي مدة تافهة.

ومع ذلك فإجمالي تلك الأوقات خلال هذه الـ 60 أو 70 سنة التي يستطيع فيها الإنسان أن يقول "أنا حي" أقصر.

بلى، هذا صحيح. حياتنا كلها في الحقيقة هي مجرد أعوام قصيرة، كيف يعقل ذلك؟

يقضي الناس غالبًا 18 ساعة من الـ 24 في اليوم مستيقظين، والباقي - على الأقل 6 ساعات - يقضونها في حالة من فقدان الوعي، نائمين.

وهذا يعني أننا نقضي على الأقل 15 سنة أو ربع الـ 60 سنة التي تمثل متوسط العمر، غائبين عن الوعي.

ومن 5 إلى 10 سنوات من الـ 40 أو 45 سنة المتبقية نقضيها أيضًا في حالة غير واعية ترجع إلى مرحلة الرضاعة ثم الطفولة.

بعبارة أخرى، ربما ينقضي نصف الـ 60 عامًا في حالة من اللا وعي.

والإنسان قد يقضي أغلب الوقت المتبقي في أشياء مثل تحضير الطعام وتناوله، والاعتناء بجسمه وبالأشياء المحيطة به، ومحاولة الذهاب إلى أماكن بينما هو عالق في زحمة المرور.

والنتيجة هي أن كل ما يحصل عليه الإنسان من فترة حياته كلها ربما 4 أو 5 سنوات.

وما الأهمية التي قد تمثلها فترة قصيرة كهذه مقارنة بالحياة الأبدية؟

إضافة إلى ذلك، فهذه الفترة القصيرة مليئة أيضًا بالكثير من النقائص والعيوب والمشاكل والصعوبات.

                     

الحلي الخادعة في هذه الحياة.

أينما ينظر الإنسان يرى الكثير من الجمال في هذا العالم الذي نعيش فيه.

جسم الإنسان ببنيته المثالية، وملايين الأنواع من النباتات، والسماء التي لا نهاية لها والسحب التي تزن أطنانًا، وأشياء أخرى كثيرة خلقت بمظهر جميل يبهج الروح.

وبالإضافة إلى ما يرونه، فالناس أيضًا يستمتعون بالتفاصيل الأخرى التي يدركونها بحواسهم الأخرى.

مثل رائحة عطرة، أو طعم لذيذ، أو موسيقى إيقاعية.

الفواكه المتدلية من الأشجار تسر الجميع برائحتها وطعمها الجميل.

ومثلها، فنقوش الأزهار التي تتكون من ألوان وأشكال مختلفة، مبهجة للغاية.

أو بيت جميل، أو ربما أحدث أنواع السيارات.

فالجميع يحب ويتمنى أن يمتلك الكثير من الأشياء خلال فترة حياته.

ولكن بعد فترة، عندما ينظر الإنسان لكل هذه الأشياء يدرك أن كل هذا الجمال الموجود في هذا العالم هو جمال مؤقت.

ومهما بلغ جمال المكان، قد يصبح صعب التمييز في غضون سنوات قليلة فقط، أو ربما حتى في فصل واحد من السنة.

على سبيل المثال، تبدأ الفاكهة بالفساد بعد وقت قليل من انتزاعها من الشجرة وتفقد رائحتها الذكية، ثم تبدأ بالتعفن وتصبح رائحتها كريهة.

يأخذ الناس الأزهار ذات الألوان المبهجة والرائحة العطرة التي تعجبهم ويضعونها في مزهريات في منازلهم، ولكن بعد أيام قليلة تبهت هذه الألوان وتذبل الأزهار وتموت، وبعد فترة تصبح سوداء وتتعفن.

إذا رأيت شخصًا يملك أكثر الوجوه حسنًا في العالم، بعد مرور 60 سنة، ستجد الأمر صعبًا أن تقوم حتى بالتعرف عليه.

هذا الشخص الجميل قد أصبح عجوزًا، ووجهه صار مليئًا بالتجاعيد وأصبح شعره أبيض اللون.

يميل كل شيء في هذا العالم سواء كان حيًا أو غير حي، إلى الذبول مع مرور الوقت.

ويعتقد معظم الناس أن هذا أمر طبيعي.

ولكن هناك في الحقيقة معنى عميقًا يختبئ داخله.

إنه يعطينا رسالة غاية في الأهمية أن كل شيء حولنا بشكل ثابت يذبل ويهرم ويتحلل.

وهذه هي حقيقة أن هذا العالم حلم مؤقت وخادع.

ومن أجل حث الناس على التفكير، يذكر الله تعالى في القرآن الكريم أمثلة كثيرة كيف أن الناس يتم تضليلهم بالمظاهر الخادعة في هذا العالم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

"إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (سورة يونس 24).

وحقيقة كونها جعلت مُزينة وجذابة هو السر في الاختبار.

لقد جعل الله تعالى جميع الأشياء التي يرينا إياها في هذا العالم في غاية الجمال والروعة.

ولكن ليكون الناس قادرين على مقارنة الفرق، فقد خلقت هذه الأشياء بعيوب في بعض الجوانب، مثل كونها مؤقتة وقصيرة العمر.

وسر الاختبار مخبأ في هذه النقطة.

وكما يليق بجلال الله تعالى، فالحياة في هذا العالم جميلة للغاية وزاهية ورائعة.

الحياة في هذا العالم والتمتع بنعم الله تعالى هو نعمة وشيء نطلبه من الله.

ولكن لا يمكن أبدًا أن يكون أهم من رضاه تعالى ومن الآخرة.

ولهذا السبب، فكما يستخدم الناس تلك النعم عليهم ألا ينسوا أبدًا هدفهم الحقيقي، والله تعالى ينذر الناس من هذا الأمر في القرآن الكريم:

"وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" سورة القصص 60.

كما هو مبين في الآية، فكل الأشياء الجميلة في هذا العالم ستفقد جمالها ذات يوم، بل ستزول حتى من الوجود.

من يدرك هذه الحقائق سيقوم بأخذ استعداداته لمأواه الحقيقي في الآخرة، وسيبحث عن طرق ليقضي حياته فيما يتمنى أن ينال رضى الله تعالى.

وإلا سيعاقب في هذه الدنيا وفي الآخرة.

قد يكون الشخص غنيًا ولكنه غير سعيد.

أنا مشهور ولكني مكتئب

الاكتئاب لا يحترم الظروف

جسيكا مصابة بالاكتئاب

ليلي إلين مصابة بالاكتئاب

هوليوود مصابة بالاكتئاب

قد يكنّ جميلات ولكن هذا الجمال يؤدي إلى مشاكل لهن. 

ونحن نرى قصصًا مثل هذه كل يوم في الصحف وفي التلفاز.

المشاهير الذين يبتسمون وهم يستلمون جائزة ولكن يقولون بعد ذلك بأيام قليلة إنهم غير سعداء، ونجوم السينما الذين لا يرضيهم أي شيء في الحياة.

من المستحيل على أي شخص أن يمتلك "الأفضل" في كل شيء في هذا العالم.

أيًا كانت المرحلة التي يستمتع بها الإنسان، هناك دائمًا مرحلة أفضل وأكثر جاذبية، وبالتالي فهذا العالم هو بالتأكيد ليس مكانًا تجد فيه النفس البشرية السلام والسعادة الحقيقية.

 

لقد خلق البشر ضعفاء.

إننا نرى الكثير من الناس في المنزل وفي الشوارع وفي العمل أو المدرسة في حياتنا اليومية.

والكثير من هؤلاء الناس يكونون متأنقين ويرتدون ملابس جميلة وشعرهم مصفف وملابسهم نظيفة وتم كيها.

ولكن هناك شيء آخر خلف كل هذه الصور.

ما هو الوقت الذي يجب أن يمضيه كل هؤلاء ليظهروا بهذا الحسن؟

يمضي الجميع وقتًا معقولًا من اليوم ينظفون ويهندمون أنفسهم.

ولكن مهما قضوا من الوقت يغتسلون ويتأنقون، يكون ذلك مؤقتًا.

الشخص الذي يغسل أسنانه قد يبدو بعد مرور ساعة واحدة فقط وكأنه لم يقم بعمل ذلك في حياته.

تحديدًا في الصيف، قد يحتاج الشخص الذي اغتسل لتوه إلى الاغتسال مرة أخرى بعد مرور بضع ساعات.

والرجل الذي يمضي وقتًا طويلًا في الحلاقة سيحتاج إلى أن يكرر الأمر كله في صباح اليوم التالي.

هل تساءلت من قبل لم يحتاج جسمنا إلى هذا الكم من العناية والاهتمام؟

لماذا علينا أن نقضي كل هذا الوقت في تنظيف أجسامنا؟

ولماذا تستطيع البكتيريا أو الفيروسات - الصغيرة جدًا لأن تُرى بالعين المجردة - أن تسبب الأذى الشديد للجسم؟

ولماذا يهلك جسم الإنسان ويشيخ بالتدريج؟

بلا استثناء.

تنطبق هذه الحقيقة على الأشخاص الأغنى والأكثر جمالًا في العالم، وعلى جميع الملوك، وعلى الأباطرة والحكام الذين وجدوا من قبل، وعلى كل المشاهير في هذه الأيام.

سيكون من المستحيل التعرف عليهم جميعًا إذا توقفوا عن الاعتناء بأنفسهم لأيام قليلة، فالتغييرات التي تظهر مع التقدم في العمر تنطبق عليهم أيضًا.

نعم، يحتاج جسم الإنسان إلى أن يُعتنى به وأن تتم حمايته على جميع النواحي.

لا أحد يدري ماذا قد يحدث في ظل الظروف الموجودة في هذا العالم.

قد يعيش الإنسان في أكثر مدن العالم تقدمًا أو في قرية جبلية بلا كهرباء أو مياه جارية، ومع ذلك قد يواجه الخطر في أقل الأوقات توقعًا.

قد يصاب الناس بأمراض مميتة أو يصبحون معاقين.

كل الأشياء التي تحدث تنهك القوة الجسدية للجسم، وهو الشيء الذي لا نتخيل أبدًا أن نفقده، أو الجمال أو أية صفة أخرى تشعرنا بالفخر.

قد يصبح الإنسان غير قادر على تذكر أصدقائه أو أحبابه بسبب مرض معين أو قد تتسبب كارثة طبيعية بدمار مدينة كاملة يعيش فيها.

من خلال تلك الأمثلة، يبين الله تعالى لنا الطبيعة الفانية لهذا العالم، وأن الموت يمكن أن يأتي في أية لحظة.

يشبه ربط أنفسنا بهذا العالم أن تحبس نفسك في مبنى على وشك السقوط، وهو خطأ لا يقوم به إنسان عاقل.

"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا" سورة الكهف 45.

لقد كان كريستوفر رييف يمثل سوبر مان لملايين الناس عندما لعب دور بطل الرسوم المتحركة في الفيلم.

اعتبره الجميع شخصية قوية للغاية، وقد كان مشهورًا جدًا، ولكن

ذات يوم تغير كل شيء، فقد وقع من على ظهر حصان.

لقد كسر عظامًا كثيرة في جسده بما فيها رقبته، وأصيب بالشلل ولم يكن يستطيع التنفس سوى بمساعدة الآلات الميكانيكية.

لم يتبق شيء من قوته السابقة.

لم يكن يستطيع التحرك إلا بمساعدة الآخرين.

وقد عاش بهذا الشكل لتسع سنوات قبل أن يموت في 2004.

لقد كان لديه محبيه خلال فترة حياته.

وكان لديه المال والخطط للمستقبل.

 

كريستوفر رييف يموت في عمر الثانية والخمسين.

 

نهاية سوبر مان

ربما يكون قد أخطأ بالتفكير بأنه حظي بحياة رائعة في هذا العالم.

مثله مثل المشاهير الآخرين الذين ماتوا منذ أعوام.

ولكنه مثل أي شخص آخر، دفن في التراب وحده تمامًا.

"وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ" سورة الأنعام 94.

يزن جسم الإنسان، وهو كتلة من اللحم والعظم، ما بين 70 و80 كيلوجرام ويغطى بطبقة رقيقة من الجلد.

وبالطبع فهذا الجلد الرقيق يمكن أن يتأذى بسهولة أو يتقطع أو يصاب بالكدمات من أقل ضربة.

ولا يمكنه البقاء طويلًا تحت أشعة الشمس.

إذا بقي مدة طويلة تحت الشمس فهو يبدأ أولًا بالاحمرار ثم بالتورم ثم يمتلئ بالماء.

وبالمثل فهو لا يمكنه أن يتحمل الماء لفترة طويلة.

لقد خلق الله تعالى البشر في أحسن صورة وأمدهم بأنظمة مثالية.

ولكن لإظهار الطبيعة المؤقتة لهذا العالم ولمنع الناس من التعلق برغباتهم الأرضية، فقد خلق الله تعالى أجسامهم من أشياء مثل اللحم والدهون التي تتأذى بسهولة.

إحدى نقاط ضعف البشر الأساسية هي كون "مادتهم الخام" معرضة للتحلل بشدة.

وأحيانًا يشعر الناس بضعف أجسامهم كتذكير لهم بالله تعالى.

ليس هناك ما يُسمى بالجمال المثالي، أو وجه دائم الشباب، أو جسد خال من الأمراض في هذا العالم.

ولأن هذا العالم هو مكان نعيش فيه في حالة مؤقتة ليتم اختبارنا، فمكاننا الحقيقي هو في الآخرة.

فلنأخذ مثالًا آخر، فتأثير الجو البارد على جسم الإنسان يظهر ضعفه بوضوح شديد.

يقوم الجو البارد بالتدريج بإصابة الوظائف الدفاعية في جسم الإنسان بالشلل.

في البداية ترتفع ضربات القلب وتنقبض الأوعية الدموية ويرتفع ضغط الدم.

ويبدأ الجسم بالارتجاف ليقوم بتدفئة نفسه.

عندما تنخفض حرارة الجسم إلى 35 درجة مئوية يكون هناك خطر حقيقي.

تبدأ ضربات القلب بالتباطؤ، وينخفض ضغط الدم، وتبدأ الأوعية الدموية في اليدين والرجلين وخاصة في الأصابع بالانكماش.

يبدأ الشخص الذي تنخفض درجة حرارته إلى 35 درجة بإظهار الاضطراب والنوم وفقدان التركيز.

وتتباطأ عملياته العقلية.

بلا أي شك فأكثر النقاط أهمية هنا هو كيف أن انخفاض درجة حرارة الجسم بمقدار درجة ونصف فقط يمكن أن يؤدي إلى مثل تلك العواقب الكبيرة.

إذا ظل الإنسان معرضًا للبرد لفترة طويلة وانخفضت درجة حرارته إلى 33 درجة، يلي ذلك فقدان في الوعي وفي الذاكرة.

وعندما تنخفض درجة حرارة الجسم إلى 24 درجة يتوقف التنفس، ويتوقف نشاط الدماغ عند 20 درجة مئوية، وعند 19 درجة يتوقف القلب، ثم يلي ذلك الموت.

من المهم للغاية فهم السبب في الضعف الجسدي للبشر،

لأن هذا الضعف يثبت لنا أن كل شيء في هذا العالم مهما نفعل، ناقص ومؤقت.

وأن السبب وراء خلق كل تلك الأشياء هو أن ندرك عجزنا أمام الله تعالى خالقنا، وأن هذا العالم مكان مؤقت.

سيتطلع الإنسان الذي يدرك ذلك إلى مثواه الحقيقي، وهو الجنة، وسيتذكر أن عليه ألا يتمسك بصورة عمياء بهذا العالم، لأننا وُعدنا بحياة خالدة في الجنة.

وفي الجنة لا توجد عيوب أو نقائص أو ضعف جسدي.

هناك سيحصل الإنسان على كل رغباته الأرضية وسيكون للأبد خاليًا من تلك العيوب الجسدية مثل الإرهاق والتقدم في العمر والعطش والجوع والمرض.

            

أسوأ مرحلة في الحياة: الشيخوخة

 

تبلغ هذه المرأة 70 عامًا تقريبًا.

التحقت بالمدرسة أولًا، ثم جلست إلى مكتبها في العمل، ثم قضت وقتًا تلعب مع أطفالها في الحديقة، ثم مع أحفادها بعد بضعة عقود، دون أن تحصي مرور السنين.

ولكن هذا الجسم الذي كان جيدًا جدًا في الرياضة وفي الجري أصبح ضعيفًا حتى على الوقوف.

أصبحت عينها الحادة مغشاة، وأصحبت بشرتها المتألقة أحاج ذات خطوط عميقة.

وصارت تستطيع عندما تنظر إلى الصور القديمة أن ترى بوضوح التغيرات التي صنعتها الأعوام.

مهما أرادت أن تجري وتلعب وتسرع الخطى وتمتع نفسها فلن يسمح لها جسدها بذلك.

وهي ربما لا تدري كيف انقضت تلك الـ 70 أو 80 سنة.

وإذا سُألت سيكون ردها "لقد انقضت كطرفة عين".

ربما لم تتخيل في أوائل العشرينات أنها ستكبر يومًا ما.

ولكنها الآن تتألق مع واقع الشيخوخة.

إذا طلبت منها أن تكتب أو أن تتكلم عن كل ما فعلته في حياتها، ربما يمكنها أن تملأ دفترًا واحدًا على الأكثر أو أن تتكلم لخمس أو ست ساعات.

ستجد من الصعوبة أن تتذكر الأشياء الجيدة أو السيئة التي وقعت لها في طفولتها وفي شبابها، والقرارات الهامة التي اتخذتها، ورغباتها، والأهداف التي قضت سنوات تحاول تحقيقها. لقد أصبحت الأشياء التي اعتادت أن تعتبرها مهمة جدًا مجرد ذكريات.

هذا المجموع الكلي لسنوات عمرها السبعين.

ولكن التأثير المدمر للوقت يظهر في أي مكان.

يشهد الناس في أجسامهم أسوأ التغيرات.

بمرور السنين، تعاني الأجسام - وهي الأكثر أهمية للناس - أضرارًا لا يمكن إصلاحها.

وهذه الأضرار التي يعانيها الناس مع مرور السنين مُبينة في القرآن الكريم كما يلي:

"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" سورة الروم 54.

تُوصف الشيخوخة في الطب بأنها "الطفولة الثانية"،

لأن الضعف الذي يحدث لجسم الإنسان يترك الناس في حاجة إلى الرعاية والاهتمام مثل الأطفال.

يبدأ الناس الحياة كأطفال، وينهونها بالعودة مرة أخرى إلى الطفولة بعد فترة معينة من الوقت.

وهذه العملية بالتأكيد ليست أمرًا عشوائيًا، فالله تعالى يمكن أن يُبقي الناس في سن الشباب إلى أن يموتوا إذا أراد ذلك، وكان يمكن أن يخلق الجسم خاليًا من الأمراض ومن النقائص.

ولكنه بخلق النقائص الجسدية الكثيرة في الشيخوخة، يذكرنا تعالى مرة أخرى بأن هذا العالم مجرد مكان مؤقت.

تُبين هذه الآية طبيعة هذا العالم المؤقتة وأن الناس سيصلون إلى الشيخوخة بعد أن ينالوا قدرًا معينًا من الحكمة.

"وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" سورة النحل 70.

 

تعتبر البشرة أحد أكثر العناصر أهمية لجمال البشر.

ولكن إذا أزيلت هذه الأنسجة، وسمكها ملليمتر واحد فقط، ستكون النتيجة قبيحة للغاية.

في الحقيقة، ستكون مريعة جدًا لأن تنظر إليها.

ومن ثم، فما يشعر الناس بفخر شديد به ويستعرضونه للناس هو في الحقيقة 2 كيلوجرام من البشرة تغطي الجسم كله.

والشيء الصادم مع ذلك هو أن البشرة هي المكان الذي يحدث فيه الضرر بوضوح مع التقدم في العمر.

 الأشخاص الذين عُرفوا ذات يوم بجمالهم، والذين حصلوا على الشهرة والقوة، وكانوا أذكياء وأصحاء للغاية، لن يكونوا مختلفين عما تراه الآن على الشاشة.

كل مستحضرات التجميل التي يستخدمها الناس، والمبلغ الضخم الذي ينفقه الناس عليها، وكل أنواع عمليات التجميل المختلفة، قد تؤخر هذه العملية بضع سنوات، ولكنها لا تستطيع تغيير النتيجة التي لا بد منها.

الحقيقة الواضحة هنا هي أن الحياة في هذا العالم لا تساوي شيئًا بالمقارنة بالحياة في الآخرة، وأن الإيمان بالله هو فقط ما يمكن أن يقودنا للسعادة الخالدة في الآخرة.

 

سوف تختفي الثروة والنفوذ الموجودين في هذا العالم.

يرتكب الكثير من الناس ذلك الخطأ بالتفكير بأن بإمكانهم عيش حياة مثالية في هذه الدنيا.

ولكن الحقيقة هي أنه لا يمكن لأحد ينسى الله عز وجل وينسى الآخرة أن يعيش الحياة التي يتمناها ويحلم بها.

لأنهم بمجرد حصولهم على شيء، يتمنون فورًا شيئًا آخر أو أفضل منه.

عندما يكون لديهم المال، يطلبون ويحاولون كسب المزيد.

يشترون منزلًا ولكنه لا يعجبهم، فيرون واحدًا يعجبهم أكثر ويحاولون امتلاكه.

وحيث أن أذواقهم تتبدل كل عام، فقد أصبح ديكور المنزل لا يعجبهم، أو دولاب ملابسهم، وهم يحلمون دائمًا بالحصول على أثاث أو ملابس أفضل.

بالطبع من المعقول جدًا ومن الرائع أن يطلب المؤمن من الله أن يعطيه من النعم ليشكره تعالى وليتذكر الجنة أكثر.

ومع ذلك، تختلف حالة هؤلاء الناس تمامًا عن غير المؤمنين الذين ينسون الله تعالى وينسون الآخرة ويسعون إلى الحصول على تلك النعم لمتعتهم الدنيوية.

وقد بين القرآن الكريم حالة هؤلاء الأشخاص كما يلي:

"ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ" سورة المدثر 11-15.

تظهر هنا إحدى الحقائق المهمة للغاية.

هناك حد لعدد المنازل والسيارات الفارهة والملابس والغرف وأنواع الأطعمة والأسرّة التي يمكن أن يمتلكها الإنسان.

هل بإمكان إنسان يمتلك أعظم القصور أن يجلس في أكثر من غرفة في نفس الوقت؟

أو هل يستطيع من يملك أفضل الملابس في العالم أن يرتدي أكثر من طقم واحد في المرة؟

حتى إذا امتلك الإنسان قصورًا تحتوي عددًا كبيرًا من الغرف، فهو لا يستطيع أن يستخدمها كلها في نفس الوقت، لا يمكنه إلا أن يجلس في غرفة واحدة.

وحتى إذا امتلك دولابًا مليئًا بالثياب، لا يمكنه إلا أن يرتدي ثوبًا واحدًا كل مرة.

حتى إذا كان يمتلك آلاف الأنواع من الأغذية التي خلقها الله تعالى، فلا يمكنه إلا أن يأكل طبقين أو ثلاثة في المرة الواحدة، وإذا أكل أكثر من ذلك سيكون تعذيبًا للنفس.

وبلا شك فهناك الكثير من الأمثلة الأخرى.

مع ذلك، فالأهم من كل هذا هو حقيقة أن كل ما يتصور الإنسان أنه يمتلكه بشكل غير محدود، مثل الأشخاص والممتلكات والأملاك، هي في الحقيقة لها حدود.

إذا ما هي الثروة الحقيقية؟

الثروة الحقيقية يملكها المؤمنون الذين يؤمنون بالله تعالى، ولا يتعلقون بلا داع بما في هذا العالم، والذين يعلمون أن كل النعم هي من الله عز وجل.

لقد استبدل المؤمن حياته في هذه الدنيا بالحياة في الآخرة، وهو يريد الأموال والممتلكات لينال رضا الله ويستعملهم لهذا الغرض، وهو يشكر الله تعالى على النعم التي أنعم بها عليه وأيضًا على ما قد يبدو من النقائص في الدنيا.

ومن ثم فقد قام بأفضل صفقة ممكنة وهي اختيار الثراء الأبدي على الغنى المؤقت؟

وهذه الحقيقة مبينة في القرآن الكريم كما يلي:

"إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" سورة التوبة 111.

 

الموت قد يأتي في أية لحظة.

يملك الجميع خططًا لا حصر لها لحياتهم الخاصة.

مثل التخرج من المدرسة والذهاب إلى الجامعة والعثور على وظيفة وشراء منزل والزواج وإنجاب الأطفال وتربيتهم والتقاعد والتمتع بحياة هادئة.

ولكن ليس من المؤكد أن تتحقق أي من هذه الخطط.

قد لا تعثر أبدًا على الوظيفة التي خططت لها في طفولتك.

قد تعد شخصًا ما بأن تقابله على العشاء، ولكنك لا تذهب أبدًا.

ليس هناك حتى ما يضمن أن تشاهد هذا الفيلم لنهايته.

هناك حقيقة واحدة مؤكدة في هذا العالم.

الموت.

الأمر الوحيد الذي نستطيع أن نكون متأكدين منه في هذا العالم هو الموت.

والأهم من أي شيء، هو أن كل الحيوانات والنباتات والبشر وكل كائن حي على الأرض هو فان.

يفشل بعض الناس في إدراك أهمية هذا الأمر.

السبب هو أن هناك أشخاص وحيوانات أخرى تولد بدلًا من هذه التي تموت.

تخيل كيف كان سيبدو العالم لو لم يكن هناك ولادات جديدة ولم يكن هناك سوى الموت.

وقد أصبحت أعداد الناس والحيوانات والنباتات أقل وأقل.

يجعل التفكير في هذه الأمثلة فكرة الموت واضحة للغاية.

الطالب الذي يقضى أعوامًا يحاول الدخول إلى الجامعة قد يموت وهو في طريقه إلى فصله.

أو شخصًا بدأ وظيفة جديدة قد يموت وهو في طريقه إليها.

أو رجل أعمال ناجح قد يموت وهو في طريقه إلى اجتماع.

بضع ساعات، أو يوم أو سنة أو 30 أو 70 سنة

هناك حقيقة واحدة مؤكدة وهي أن كل شيء سينتهي ذات يوم.

سواء عاش الإنسان 80 أو 100 سنة، فكل يوم يمر يقربه أكثر لنهايته الحتمية.

على سبيل المثال، ما الوقت المتبقي لكل من يشاهد هذا الفيلم، وسواء كان أيامًا قليلة أو دقائق أو ساعات فهو محدد مسبقًا.

ولهذا السبب، على الجميع أن يستغل الوقت الذي منحه الله تعالى بأفضل طريقة ممكنة.

يستطيع كل من يدرك أن الموت أمر حتمي أن يرى بوضوح أنه لا الممتلكات ولا الأملاك ولا ماركات الأحذية ولا الأشخاص من حوله سيكون لهم قيمة وهو في القبر.

سيلتف الجميع في أكفان من أمتار قليلة، الغني والفقير والجميل والقبيح، وسيدفنون في التراب.

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ  ۖ  فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا" سورة فاطر 5.

ما يجب أن يفعله أي إنسان عاقل هو الكف عن تجاهل الحقائق.

لأن الموت سيأتي في جميع الاحتمالات، وفي وقت لم تكن تتخيله مطلقًا قد يأتي حتى قبل ذلك.

سيأتي وقت يكون فيه الحاضرون لهذا العزاء في نفس موقف الشخص الذي يدفنونه.

وبنفس الطريقة، سيتحلل الجسد في التراب، وسيمر هذا الجسم بجميع مراحل التحلل التي لم يكن يقدر صاحبه على تخيلها.

يجب أن يدرك الناس أنهم أتوا إلى هذا العالم عراة وسيغادرونه عراة أيضًا.

الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يصطحبه معه في الآخرة هو إيمانه أو كفره بالله عز وجل.

يصف الإمام الغزالي العالم الإسلامي الشهير الطبيعة المؤقتة لهذا العالم وحقيقة الموت كما يلي في هذه الفقرة:

"هناك الكثير من الكائنات الحية التي ماتت قبل أن تستطيع إخراج آخر أنفاسها، ولذا فكل ما تملكه هو نفس واحد، وليس يوم أو حتى ساعة واحدة. أطع الله وتُب قبل أن يخرج نفس آخر، فقد يأتيك الموت قبل أن تأخذ نفسًا ثانيًا. وذلك يعني أن كل محاولات الإنسان ليوم آخر أو ساعة أخرى أو نفس آخر هي بلا جدوى. لأنه لا يوجد ضمانات أنهم سيحققونها". (الإمام الغزالي، إلى جنة رب العالمين (العقبات السبع) منهاج العابدين ص118).

 

المأوى الحقيقي للمؤمنين هو في الجنة.

 

وصفت حياة الآخرة في القرآن الكريم أنها مكاننا الحقيقي.

وهذا المصطلح يبين أن كل شيء اعتقدنا أنه حقيقي في هذه الدنيا هو في الواقع مختلف تمامًا.

المراتب التي يقضي الناس حياتهم في اكتسابها وكل الثراء الذي يسعون للحصول عليه هو في الحقيقة زائف وغير حقيقي بالمقارنة بالآخرة.

سيرجع الجميع إلى الله تعالى في النهاية وسيلقون أصل كل هذه الأشياء في الآخرة.

لذا فعلى الناس أن يفكروا مليًا في الآخرة، التي وصفها القرآن بمسكنهم الحقيقي.

وعليهم العيش بالقيم الأخلاقية الموجودة في القرآن، وأن يشكروا الله تعالى على كل نعمه في هذه الدنيا.

"وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" سورة العنكبوت 64.


يشارك
logo
logo
logo
logo
logo
التحميلات