وجهة نظر : العنصريّة في أوروبّا
أهلا ومرحبا بكم في برنامج وجهة نظر…
من المعلوم أن الحديث قد دار من جديد عن العنصرية والقومية المتطرفة في انتخابات البرلمان الأوروبّي، ولا جَرَم أنّ نجاح الأحزاب المعروفة بآرائها العنصرية القومية المتطرفة كان له صدى واسع في جميع أنحاء العالم.
فبعد ظهور المنظمات الإرهابية العرقيّة في أوروبا ظهر تأييد كتل عريضة من الشّعب للأحزاب العنصرية في مجال السياسة؛ وهذا الأمر يرسم صورة مرعبة إلى حدّ ما. فما هي الأسباب الكامنة وراء ظهور تيّار العنصرية والقومية المتطرفة في أوروبا؟ وما هي النشاطات العنصريّة التى يتمّ القيام بها؟ وما نتيجة هذه النّشاطات والفعاليّات؟
سنبحث عن إجابة لهذه الأسئلة في برنامج وجهة نظر الذي يفتح ملف العنصرية في أوروبا..
وملخص برنامجنا اليوم سيكون على النحو التالي، المقدمة وفيها سنعرّف ببعض الأحزاب والجماعات والمنظمات العرقية والقومية المتطرّفة، وفي المسار الزمني سوف نتناول بالبحث ظهور العنصرية في أوروبان ونلقي نظرة على الأحداث المتولدة من زيادة الحركة العنصرية والقومية المتطرفة في أوربا والهجمات التى وجهتها الجماعات القومية المتطرفة للمسلمين في أوروبا. وفي تقرير الوضع الراهن سنقيّم نتائج الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوربي، كما سنتحدث عن قضية المنظمة الاشتراكية الوطنية السّرية. وفي النّهاية في ما وراء الستار سنتحدث عن العوامل التى أدّت إلى ظهور دعم مادي ومعنوي يغذّي فكر الجماعات العنصرية والقوميّة المتطرفة.
ملخص البرنامج:
· المقدمة
· المسار الزمني
· تقرير الوضع الراهن
· ما وراء الستار
في البداية، لنتعرّف باختصار في قسم المقدمة على الأحزاب العنصرية والقومية المتطرّفة في أوروبّا.
المقدمة:
ولنبداء بـ"حزب البديل من أجل ألمانيا" في ألمانيا. إن الهدف الأساسي لهذا الحزب هو خروج ألمانيا من الاتّحاد الأوروبي، ويدافع عن فكرة أنّ اليورو العملة الموحدة للاتحاد الأوربي تضرّ بمصالح ألمانيا، ويستخدم عبارات قوميّة مغالية، ويعارض عضويّة تركيا الدّائمة في الاتّحاد الأوروبي.
ومن الأحزاب الأخرى في ألمانيا "الحزب الديموقراطي الوطني" وهو حزب يمينى متطرّف، كما أنّه قوميّ راديكاليّ، وصاحب مواقف سياسيّة اِشتراكيّة، وبرنامج هذا الحزب يشبه برنامج حزب العمال الاشتراكي الوطني الألماني الذي كان يرأسه أدولف هتلر، خاصة أنّه من المسلم به أنّ "الحزب الديموقراطي الوطني" هو الذي كونّ النازية الجديدة. فهو حزب يعارض المهاجرين ويريد إخراج المواطنين المهاجرين الذين يشكل الأتراك أغلبيتهم من ألمانيا، ويدافع الحزب الديموقراطي الوطني عن انفصال ألمانيا القوية اقتصاديّا عن الاتّحاد الأوروبي والعودة إلى المارك الألماني.
ومن المعروف أن "حزب استقلال المملكة المتحدة" الموجود مقرّه في انجلترا هو حزب يمينيّ متطرّف، يعارض أوروبا والاتحاد الأوربي، ويدافع بشدة عن فكرة ضرورة التحكم في الهجرة وضرورة عدم التوحّد السّياسي مع أوروبا أكثر من ذلك.
عند النظر إلى فرنسا نجد "الجبهة الوطنية"، والجبهة الوطنية حزب سياسي قومي متطرّف، معروف بعداوته للمهاجرين والاتّحاد الأوربي. ويعتبر الحزب أنّ أكبر مشاكل فرنسا هي البطالة والأمن، ويزعم أن سبب المشكلتين هو المهاجرون، ويوضح أن اليورو هو سبب العديد من الأزمات الاقتصادية التي تحدث في أوروبا.
والآن لننتقل إلى الدنمارك، فـ"حزب الشّعب الدنماركي" معارض للمهاجرين ، ويعادي المسلمين رافعا شعار الدنمارك للدّنماركيين. ولقد منع حزب الشّعب الدنماركي دخول الأجانب إلى الدولة، والمقصود بالأجانب هنا هم المسلمون. ويريد الحزب تذويب المسلمين الموجودين في البلاد، ويعتقد أنه يجب نقد الأنظمة الإسلامية بأسلوب حادّ. وعند الحديث عن السياسية الخارجية فهو معارض شرس لليورو، كما أنّه معارض لعضوية تركيا إلى الاتّحاد الأوربي .
وعند الانتقال إلى إيطاليا نجد "حزب الاتحاد الشمالي"، وهو حزب معروف بأطروحاته العنصريّة. وهو يتبنى "رفض المهاجرين واليورو والإسلام"، كما يتبنى من الناحية الاقتصادية فكرة "انفصال الجزء الشمالي الغني عن الجزء الجنوبيّ".
وهناك حزب عنصريّ آخر، وهو "حزب الحرية النمساوي" الذي ظهر في النمسا، واستخدم الحزب في انتخابات فيينا الأخيرة شعارات عنصرية مثل "يجب ألا تكون فيينا مثل استانبول"، وفي انتخابات 2010 استخدم في الدّعاية الانتخابية لعبة اسمها "مع السلامة أيّها الجامع"، وهدفه حشد تأييد النمساويين ضدّ الجوامع والمؤذّنين.
ولنلقي نظرة على المجر ، فإن " حركة من أجل مجر أفضل " يعني (Yobbik) تعطي صور تشبه صور الحزب النازي ، ويوضح أنه ليس فاشي عنصري ولكنه " محب للوطن "، ولكنه رفع شعار " المجر للمجريين " في الانتخابات، ولا جرم أن اختياره عبارة عنصرية كهذه أمر يظهر حقيقته.
ثم نلقي الآن نظرة على جارتنا اليونان، فحزب "الشفق الذهبي" مؤيد للنازية الجديدة، وأعضاء مجلس الشّعب والتابعون لحزب الشفق الذهبي لديهم أفكار متطرفة تحمل كراهية للمهاجرين وعداوة للسياسيين وتشجع على التفرقة العنصرية تجاه الأقليات. والمؤيدون لهذا الحزب لهم سجل حافل بأعمال العنف والترهيب ضدّ الأتراك وخاصة الأتراك الذين يعيشون في قبرص.
أريد الحديث قليلا عن الجماعات والمنظمات العنصرية في أوروبا، وعلى سبيل المثال فـ" المنظمة الاشتراكية الوطنية السّرية تمثل النازيين الجدد الذين يدافعون عن فلسفة النازية الجديدة. الاشتراكية الوطنية تعني الاشتراكية القومية، والحزب جمع بين الاشتراكية والقومية العرقية، وهو فكر عنصري ، وهو حزب تأثر بتيار بالفاشية المؤسسة تحت قيادة بينتو موسولينى. وأول مرة يظهر في ألمانيا، ولقد وضعت مبادؤه الأساسية من قبل أدولف هتلر. وإن دُفن قادة فاشيون مثل هتلر وموسولينى في أعماق التاريخ فهذا لا يعنى القضاء على أفكارهم التى دافعوا عنها.
واليوم يوجد في العديد من الدّول الأوروبية الكثير من المنظمات التي تتخذ من أفكارهم نموذجًا يُحتذي به، وخاصة في السنوات الأخيرة حدثت نهضة جديدة للحركات العنصرية والفاشية في العديد من الدول الأوروبية. وتأتي على رأس هذه الحركات حركة النازية الجديدة في ألمانيا. والنازية الجديدة اسم مشترك يطلق على كلّ الحركات والأفكار السّياسية التى تدافع عن الاشتراكية الوطنيّة. والفلسفة السياسية للنازيّة الجديدة مثل تعاليم هتلر، أي أنها حركة قومية راديكالية جديدة تعتمد على الاشتراكية ومعادية للسّامية وعنصرية وقوميّة وشوفينيّة، أي وطنيّة متطرّفة.
والنازيون الجدد في ألمانيا مرتبطون بالأفكار الرّاديكاليّة القومية الألمانية والأفكار العنصرية، وهم ضد المواطنين المهاجرين الذين يشكل الأتراك أغلبيّتهم، ويريدون إخراجهم من ألمانيا، وهم أيضا معروفون بمعاداة اليهود، وفي الكثير من الأحيان يلجؤون إلى العنف .
إذا كنتم تذكرون فقد حدثت مذبحة في 29 مايو عام 1993م من قبل النازيّين الجدد، فقد أحرقوا منزل عائلة تركيّة وأدى هذا الأمر إلى وفاة خمسة أتراك.
إن المنظمة الاشتراكية الوطنية السّرية منظمة مسلحة تابعة للنّازية الجديدة، ولديها أفكار يمينيّة متطرّفة وعنصرية وتقوم بنشاطها في ألمانيا. ومن المعروف أنّ أتباع هذه المنظمة يقومون بهجمات على المهاجرين الموجودين في ألمانيا. هذا بالإضافة إلى الهجمات بالقنابل واقتحام البنوك وسرقتها. وفي كل مكان في العالم توجد تقريبا حركة نازية جديدة، ففي أوروبا وأمريكا تحمل النّازية الجديدة اعتقادًا يقوم على تفوق الجنس الأبيض.
أما في الشّرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، وفي كل مكان في العالم فالنّازيون الجدد يصنعون قوميات الشعوب، وفي روسيا يقومون بعمليات إرهابية وأعمال إجرامية بين حين وآخر، وحزب صوماقا في إيران والحزب الاشتراكي القومي في سوريا يعدّان من الأحزاب النازية الجديدة في الشّرق الأوسط.
والآن تحت عنوان "المسار الزمني" نلقي نظرة على كيفيّة نشأة القومية المتطرّفة والعنصرية في أوروبا وتطوّرهما، ولنتحدث عن الأحداث المنبثقة من الحركات القوميّة المُتطرفة والعنصريّة التي تطورت في أوروبا وسلوك الجماعات المتطرّفة تجاه المُسلمين.
المسار الزّمني:
إن مستوى معيشة الأوربيين قد تحسنت كثيرًا بفضل الثّروات التى حصلوا عليها من المستعمرات في القرنين الثّامن عشر والتّاسع عشر، ولكنهم في الوقت نفسه بدأوا يحتقرون من ليس منهم. وفي تلك الفترة بدأ بعض الفلاسفة الأوروبّيين مثل دارون وبعض رجال العلم في الدّفاع عن فكرة تفوّق بعض الأجناس والأعراق البشرية على غيرها من الأجناس والأعراق الأخرى. كما أنّ التنافس العسكري والاقتصادي بين الدول الأوروبية جلب معه القوميّة المتطرفة التى تطوّرت في أوروبا، فأدّى ذلك إلى اندلاع الحرب العالميّة الأولى التي أودت بحياة ملايين البشر، وتسبّبت في حدوث كوارث كبرى، ولكنهم لم يأخذوا عبرة من المصائب التى عاشوها بسبب القومية المتطرّفة.
بل على العكس زادت القومية المتطرفة مع مرور الوقت، وظهرت فكرة العرق الصّافي، وظهر موسولينى في إيطاليا وهتلر في ألمانيا. وكانت الأنظمة العنصريّة سببا في الحرب العالمية الثّانية التى قُتل فيها سبعون مليون إنسان. وإلى جانب كل هذا فقد شهد العالم الإبادة العرقية لليهود والغجر من قبل النظام النّازي العنصريّ.
ولقد استفادت أوروبا من هذا الدّرس، وسعَت للتوحّد والاتفاق حتى لا تتكرر هذه المصائب مرّة أخرى. ولقد تأسس الاتّحاد الأوربي بناء على اتفاقية الاتحاد الأوربي التى دخلت حيّز التنفيذ في 1 نوفمبر عام 1993م. وسعت هذه الدول لكي تكون مفاهيم الحرّية والديموقراطية ودولة القانون وحقوق الانسان هي المتحكمة في هذه الدّول. ولكنّ الأوروبّيين الذين يعتقدون أنّهم أعلى قدرًا من الأعراق الأخرى أرادوا هذه الميزات لأنفسهم من دون الآخرين. وبالتدريج ظهر هذا الفكر في أوروبا، وزادت بسرعة أعداد العنصريّين والجماعات القومية المتطرفة.
وبدأ صوت الأحزاب والتّيارات المتطرفة في دول الاتحاد الأوربي يعلو يوما بعد يوم. وقد اتخذت من مسألة المهاجرين القادمين من الدول الإسلامية هدفًا معلنًا في البرلمانات الوطنيّة. فمُعاداة الإسلام التي تفاقمت في دول أوروبّا كانت بالنسبة لهؤلاء مصدر قوة لم يتم اكتشافه إلا حديثًا. وقد خرج هؤلاء بشعارات معادية للإسلام بزعم الدّفاع عن القيم الأوروبية، وغفلوا عن أنّ من بين هذه القيم الأوروبية حرّية الدّين والعقيدة، فبسبب نظرتهم العنصرية يعتقدون أنّ من ليس منهم فليس له الحقّ في الحرّية .
وعند النظر إلى ما بعد سنة 1990م نجد أنّه تم تنفيذ أعمال عنف لم يحدث مثلها من قبل، وخاصة ضدّ الأتراك. وفي الأعوام الخمسة عشر الأخيرة فقد 150 مهاجرًا حياتهم في أعمال عنف في ألمانيا. وأغلب هؤلاء القتلى من الأتراك، ولقد أعلنت ألمانيا أن هجمات العنصريّين وأعداء الأجانب في ألمانيا في سنة 2000 ارتفعت إلى 15 ألف و951 حالة، وأوضحت أنه يوجد حوالى ثمانية آلاف عنصر من عناصر النازية الجديدة متأهبون للتحرّك.
وقد أصدرت لجنة مراقبة حقوق الإنسان في مجلس الأمة التّركي الكبير تقريرًا بعنوان "الأعمال العنصرية وعداوة الأجانب الموجهة ضد ذوي الأصول التركية في أوربّا"، وطبقا لهذا التقرير فإن المساجد كانت الهدف الأول للأعمال العنصريّة وعداوة الأجانب. وفي السنة الماضية تم الهجوم على ثلاثين مسجدًا، وعلى عشرين شخصًا وعلى عشرة منازل،
وقد تم كذلك:
· كسر زجاج المساجد والمنازل وإحراقها.
· تخريب مقابر المسلمين.
· وضع خطابات تحتقر الدّين والقومية في صناديق بريد الجوامع والمنازل.
· التهديد بالقتل
· الاعتداء بالضّرب
إن هذه العنصرية المتزايدة في أوروبا قد انعكست في انتخابات البرلمان الأوربي الأخيرة، وفي العنوان التالي "تقرير الوضع الحالي" سنتحدث عن نتائج الانتخابات، وعقب ذلك سنتحدث عن القضيّة التي ما زالت تنظره في أطوارها المحكمة الخاصة بالمنظمة الاشتراكية الوطنية السّرية العنصريّة.
تقرير الوضع الرّاهن:
كما هو معروف يوجد في الاتحاد الأوربي 28 دولة ، وقد تم الذهاب للاقتراع المباشر ثمان مرات من أجل شغل 751 مقعدا في البرلمان الأوروبي، وغلب على الانتخابات صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة ومعارضو الاتحاد. ولقد تضاعف عدد مقاعد هذه الأحزاب في البرلمان إلى الضّعف.
إن هذه الزيادة وهذا الارتفاع دليل على زيادة أعداد أصحاب الفكر القومى المتطرف والعنصري، ويرون أنّ النتائج كانت اعتراضا على الأزمة الاقتصادية وسياسات التقشّف وزيادة نسبة البِطالة .
نعم عرفنا في بداية البرناج بالاحزاب القومية المتطرفة والآن فلنلخص نتائجهم في الانتخابات :
فاز حزب استقلال المملكة المتحدة في انجلترا وحصل على نسبة 26.77 %، وتبعا لذلك حصل على أربعة وعشرين مقعدًا في برلمان الاتّحاد الأوروبي من حصة انجلترا التى تبلع ثلاثة وسبعين مقعدًا، وبهذا انتقل 24 % من الادارة السّياسية الانجليزية إلى السّياسيين التابعين لليمين المتطرّف .
كما أصبح حزب الجبهة الوطنيّة في فرنسا الحزب الأول في البلاد بفوزه في الانتخابات بنسبة 24.95% وأرسل إلى برلمان الاتّحاد الأوربي 24 عضوًا.
وفي ألمانيا حصل حزب البديل من أجل ألمانيا على نسبة 7.00% ويمثله في البرلمان الأوربي سبعة أعضاء.
كما فاز الحزب الديموقراطي الوطنى من ألمانيا أيضا لأول مرة بمقعد في البرلمان.
في الدنمارك أيضا فاز حزب الشّعب الدنماركي، وبلغت نسبته 26.60 % وأصبح له في البرلمان الأوربي 4 مقاعد.
وفي ايطاليا فاز اتحاد الشّمال بنسبة 6.15% وبخمسة مقاعد في البرلمان الأوربي .
وعند النظر إلى النمسا نجد أن حزب الحرية النّمساوي قد حصل على نسبة 19.70%، وحاز على 4 مقاعد في البرلمان الأوربي
وفي المجر حصل حزب "حركة من أجل مجر أفضل" (Yobbik) على المرتبة الثانية في الانتخابات بنسبة 14.67%، وبتلك النتيجة سيمثله في برلمان الاتّحاد الأوربي ثلاثة أعضاء.
أما في اليونان فقد جاء حزب الشفق الذّهبي في المرتبة الثالثة بنسبة 9.38% وسوف يمثله في البرلمان الأوربي ثلاثة أعضاء.
إن الصفة المشتركة بين كل هذه الأحزاب هي أنها أحزاب عنصرية وقومية متطرفة، وصعود هذه الأحزاب العنصرية التى تسمّي نفسها اليمين المتطرف والتى تعادي الأتراك والمسلمين تحت شعار عداوة الأجانب في أوروبا وعلى رأسها ألمانيا، قد احتل حيزا كبيرًا في الإعلام العالمي تحت عنوان صعود العنصرية في أوروبّا.
وقبل الانتقال إلى "ما وراء الستار" أريد الحديث عن قضية المنظمة الاشتراكية الوطنيّة السّرية.
لقد قتلت المنظمة الاشتراكية الوطنية السرية عشرة أشخاص في 13 سنة، وقامت بهجومين بالقنابل، وسرقت 14 بنكًا، وجميع ضحايا هذه المنظمة من الأتراك.
وما زالت لجنة التحقيق التابعة للمجلس الألماني تحقق في جرائم النّازيين الجدد الخاصة بقتل عشرة أشخاص منهم ثمانية أتراك في ألمانيا. ومن النقاط المهمة التي تمت مناقشتها بعمق هي عدم ظهور علاقة بين جرائم اليمين المتطرف والارهاب طوال هذه السّنوات.
ولقد صرح عضو المنظمة الاشتراكية الوطنية السّرية والمتهم في أحداث صولنجان عن كيفية تحويله ثلاثة من الشبان إلى إرهابيين، وكيف جعلهم يرتكبون جرائم دون علم أحد، وبهذا يكون قد كشف طرف الخيط في العلاقة بين النازيّة والإرهاب.
والأكثر من ذلك، فإنّ هذا الأمر يعطى انطباعا عن كيفيّة وصولهم إلى هناك بعلم تشكيلات الأمن والمخابرات أو بدون علمهم وكيفيّة تعاميهم عنهم، وإنّ تصريح أحد أعضاء اللجنة عن المشتبه به ملفت للنّظر:
"إن هولاء المشتبة بهم لم يولدُوا إرهابيّين أو يمينيّين متطرّفين، ولقد تبنّوا هذه الآراء في بيئة راديكاليّة أصوليّة معيّنة، خاصة أنه في التّسعينات في شرق ألمانيا كان يتم تجاهل موضوع اليمين المتطرّف، وظلت تلك المشكلة مستورة في تلك البيئة، وقد انتحر اثنان من المتّهمين أمّا الثالث فقد تم القبضُ عليه".
وهناك الكثير من الأسئلة التى لم تتم الإجابة عليها في هذه القضيّة، والحقيقة أنه عند النظر إلى "ما خلف ستار" الأعمال العنصرية فلن يكون الجواب على هذه الأسئلة أمرًا صعبًا، فعلى أي شيء يعتمد فكر الجماعات العنصرية والجماعات القومية المتطرفة؟ وكيف صعدوا في انتخابات البرلمان الأوربي ؟ وما هي أسباب الدّعم الكبير الذي يتلقّونه؟ سنجيب على هذا كله في قسم "ما وراء السّتار " فلنتابِع سويّا.
ما وراء السّتار
· الدّاروينية
· الإسلامو فوبيا
· الأزمة الاقتصادية
· رفض المهاجرين
· معارضة الاتّحاد الأوربي
قبل الحديث عن العوامل الكامنة خلف نجاح الأحزاب العنصرية والأحزاب القومية المتطرفة وفوزها في انتخابات البرلمان الأوربي علينا أن نرجع إلى أسس العنصرية ونري الأيديولوجية التى تغذي تلك العنصرية .
الداروينية:
إن العنصرية هي فلسفة العنف التى تطورت استنادا على نظرية التطور الداروينية، فدارون في كتابه "أصل الإنسان" يزعم أنّ البشر قد جاءوا من جدّ مشترك مع القرود، ويرى دارون أن هناك جنسا متطورا وهو الجنس الأوروبي، أمّا الآسيويون والهنود الحمر والأفارقة وكل الشعوب الأخرى فهي أجناس قد تأخرت في التطور.
فكما ترون ها هو دارون شخص عنصري بكل معاني الكلمة ، وكان يعتقد أن الأوربيين بمرور الوقت سيستعبدون الشعوب الأخرى ويقضون عليها. إن هذه النظرية التى تطورت بتطبيقها على الأجناس التي زعم دارون أنها متأخرة في التطور قد سمّيت الداروينية الاشتراكية، وهي أكبر داعم ومساند لهذه العنصريّة.
ولقد عبر دارون في الخطاب الذي كتبه إلى و .جراهام في 3 يونيو سنة 1881م عن نظرته العنصريّة للتّرك كما يلي :
"أستطيع أن أؤكد لك أنّ الصّراع المستند إلى الاصطفاء الطبيعي قد حقق وما زال يحقق النفع في تطور الحضارة أكثر مما تظن، ففكر في الخطر العظيم الذي تعرضت له الأمم الأوربية عندما احتل التّرك أوروبا قبل عدة قرون، أمّا هذا الأمر فقد أصبح اليوم فكرا عبثيا للغاية. الأجناس الحضارية المعروفة بالأعراق الأوربية قد انتصرت على بربرية التّرك في صراع الحياة، وعند النّظر إلى مستقبل العالم القريب فإنّني أرى أنّ هذه الأجناس الوضيعة سيتم القضاء على أغلبها من قبل الأجناس المتحضّرة السّامية" . فرنشيش داروين ، حياة تشارلز دارون ورسائله، ج1 ، نيويورك ، ص 285 – 286.
ها هي عبارات دارون بخصوص الأتراك التي كانت وما زالت تشكل دعما لأفكار الحركات العنصرية التى اكتسبت قوة في أوروبا. إن أفكار الداروينية تعدّ منسجمة بشكل كبير مع العنصرية النازية الجديدة في عصرنا الحالي. وفي صفحات النّازيين الجدد على الانترنت في القسم الخاص بعداوة الأتراك توجد الكثير من المزاعم التى لا يتخيلها عقل بخصوص مزاعم دارون عن الأمة التركية، وهكذا يظن النازيون الجدد أنهم قد أوجدوا توضيحا علميا ونظريا لعداوة الأتراك مثلما فعل العنصريّون في هذا العصر.
إن السّبيل الوحيد لمنع هذه الحركات والممارسات غير الإنسانية هو دحض هذه الأفكار التى تشكل أرضية لهذه الايدولوجيات وإظهار بطلانها، ذلك أنه من المحال منع الأشخاص أو الجماعات الصغيرة من القيام بمثل هذه الأعمال، خاصة أن أوروبا في هذا الوقت تعد عديمة الحيلة وفاشلة في حل الموضوع. وإذا لم يجف هذا المستنقع ستظهر هذه الأفكار المتعفنة مرة بعد أخرى. ولهذا السبب فإن هدم مفهوم الداروينية التي تعد مسندًا للعنصرية والفاشية في ضوء النّظريات العلمية ستكون نتيجته نهاية الحركات العنصرية.
ومن جانب آخر فإننا نعلم أن هناك حالة من الكراهية والعنصرية نابعة من الخوف من المسلمين وخاصة الموجودين في الدول الأوربية . حسنا ، ولكن لماذا يرفض الاتّحاد الأوربي وجود المسلمين بالذات في الدول التابعة له، لماذا كل هذه العداوة للإسلام، لماذا يخافون من الإسلام ؟ نعم فإن العامل التالي هو الاسلامو فوبيا أي الخوف من الإسلام .
الإسلامو فوبيا:
إن الدين الإسلامي سوف ينشر الأمن داخل المجتمعات الأوربية بشكل كبير، لأنه دين يحتوي على مفهوم متطور للغاية في موضوع الحريات والدّيموقراطية ، ولكن بعض الناس الذين يعيشون بالمفهوم المتعصب البعيد كل البعد عن روح الإسلام قد أظهروا الإسلام وكأنه دين القمع والاضطهاد. دين يُعارض الجمال والذّوق والفن والعلم والرّفاهية والمتعة، دين يعارض الحياة. فعندما يقال الإسلام يرد على عقل الكثير من البشر الأفعال والأعمال الإرهابية التى ارتكبتها المنظمات الإرهابية مثل القاعدة وبوكو حرام باسم الإسلام،
ولهذا السبب فإنهم يخافون من الإسلام لأنهم يعتقدون أن الإسلام أسلوب حياة يحدّ من الحريات والتطور والفن والديموقراطية. فهم يخافون من الإسلام لأنهم يعتقدون أن المسلمين سيسعون لتغييرهم وإجبارهم على الحياة مثلهم، وأن هذا الأمر سيلحق بهم الضرر في كلّ الأحوال.
فالعالم الإسلامي يصارع خطر التّعصب والأصولية منذ زمن بعيد . إنّ عدد الذين يسعون لإدخال التعصب في الإسلام قليل جدًّا. وعلى أية حال هناك عدد كبير يؤمنون بهذه الأقلية ، بخلاف هذا فإن الإعلام يصور هؤلاء الأشخاص على أنّهم مسلمين، وهؤلاء الأشخاص بصورة عامة يفضلون الكراهية والسّلاح والتهديد والخوف والتهديد ويلجؤون إلى العنف، ولهذا السبب فإنهم يشكلون موضوع الحديث بصورة مستمرة. وعندما يقال مسلم ترد إلى أذهانهم تلك الوجوه القبيحة والحرب والكراهية والإرهاب والتعصب.
حسنا، ولكن كيف سنقضي على الكراهية في أوروبا ؟ فالإسلام لا يوجد فيه مكان للتعصب ولا للكراهية ولا للإرهاب، فيجب أن نظهر للجميع أن الاسلام هو دين السلام والحرية والإتقان والحداثة والجمال، ونقضي على التعصب والخرافات عندما نعيش بروح الإسلام المذكورة في القرآن. وبهذا الأمر يمكننا كسر الصورة الخاطئة الموجودة عن الإسلام في أوروبا. ولقد شاهدنا طوال البرنامج أنّ العنصرية والقومية المتطرفة قد زادت بسبب الهموم الاقتصادية التي حركتها الأزمة الاقتصادية التى استمرت في أوروبا منذ زمن طويل . والعامل الذي سوف نتناوله بعد ذلك هو الأزمة الاقتصادية.
الأزمة الاقتصادية:
إنّ الدّول الأوربية تعيش حالة من الاضطراب العام بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية المستمرة منذ عام 2007 حتى اليوم ، ولقد شعر الاتحاد الأوربي بالآثار السلبية للأزمة الاقتصادية بشكل كبير. ولقد تراجع اقتصاد منطقة اليورو في سنة 2009 بنسبة 4.1 % وعاشت أكبر ضائقة مادية، إن الأزمة الاقتصادية الدولية كانت سببا زيادة الديون بصورة خطيرة وأدت إلى عجز الميزانية بصورة كبرى في دول الاتحاد الأوربي ، كما كانت الأزمة سببا في تعرّض مالية الكثير من الدّول الأعضاء لخطر كبير، لاسيما أنّه في سنة 2006 م بلغ حجم دين حكومات الاتّحاد الأوربي 7.1 تريليون يورو، وبحقائب الدّعم والمساعدة وصل حجم الدين في نهاية 2009 م إلى 8.6 تيريليون يورو.
إنّ التّراجع الملحوظ في السنوات الأخيرة في أداء اقتصاديات دول اليورو قد أخذ شكلا واضحا مع الأزمة الاقتصادية، وبالتالي أصبح عجز اقتصاد اليورو والاتحاد المالي واضحا، وفي النهاية زاد هذا الوضع من الهموم الخاصّة بمستقبل الاتحاد الأوروبّي.
وعقب وصول اليونان التابعة لمنطقة اليورو إلى حد الإفلاس طلبت ايرلند والبرتغال المساعدات من الاتحاد الأوربي، وتم تجهيز برامج مساعدات مادية شاملة للدول المذكورة بدعم من البنك الدولي.
وفي هذا الوضع سعت كل دولة في الاتحاد الأوربي إلى المحافظة على وضعها، فالعديد من الدول لا تريد استضافة المهاجرين لأنها تعتقد أنهم سيشكلون عبئا اقتصاديّا كبيرًا عليها.
وهكذا فقد شكل مناخ الأزمة المالية واحدا من الأسباب التى أدت إلى زيادة القومية المتطرفة في أوروبا، وهذا لأنّ الدول الكبرى التى تشكل الأساس القوي للاتحاد الأوربي كانت ترفض دعم دول الاتحاد التى تراها ضعيفة وعبئا عليها.
حتّى إن التقكير كان جديا في فصلها من الاتحاد الأوربي. وعلى سبيل المثل فقد كانت انجلتر تفكر في طرح هذا الموضوع في استفتاء عام. إنّ كل هذه الخطط بنيت على القومية المتطرفة وهي بالطبع سياسات أنانية تأثرت بآراء الدّاروينيّة. ومن العوامل الأخرى التي وفرت الدعم للأحزاب اليمينية المتطرفة موقفها العدائي من المهاجرين.
رفض المهاجرين:
إن المهاجرين الموجودين منذ فترة طويلة في أوروبا وضغط المهاجرين الذي زاد خاصة بعد أحداث الربيع العربي قد أدت إلى ظهور مخاوف اجتماعية في أوروبا. فأوروبا التى تدافع عن حقوق الإنسان والحرية والسلام والديموقراطية تخاف من توفير فرص للعيش الآمن والحر للمهاجرين الذين لا يجدون في بلادهم الظروف المُلائمة للحياة، وأصبحت أوروبا عديمة الاهتمام وضعيفة الإحساس بتلك المآسي الإنسانية، وأدارت ظهرها للبشر الذين أتوا إليها يصارعون من أجل حياة أفضل طالبين اللجوء إليها.
ولهذا السبب حدثت انتهاكات كبيرة في حقوق الإنسان. إن الأحزاب القومية المتطرفة تعرف جيدًا طريق الاستفادة من مخاوف الشّعوب الأوربية، وهي تنتهج سياسات عدائيّة ضدّ المهاجرين، وتدافع بكل قوة عن فكرة طرد المهاجرين من بلدانهم، هؤلاء المهاجرون الذين يشكل المسلمون أغلبهم.
إن السّبب الأهم في زيادة الخوف في أوروبا هو أن الإسلام لا يطبق كما هو على حقيقته في دول الشرق الأوسط والعديد من الدول الأخرى ، فأوروبا التى ترى نفسها رائدة للفن والديموقراطية تجد نفسها معارضة ومخالفة لمفهوم الإسلام الذي تقدمه الجماعات المتطرفة، وهذا الأمر يزيد من معارضتهم للمهاجرين، والحقيقة أن تغيير هذه الرؤية أمر بيد المُسلمين؛
فإذا عاش المسلمون طبقا لروح الإسلام بطريقة عصرية للغاية وثقاقية وتربوية واهتموا بالجمال والفن فسوف يزول الخوف الذي تشعر به أوروبا إن شاء الله. ولقد شاهدنا شيوع فكرة أنّ الاتحاد قد جلب أضرارا أكثر من المنافع في كثير من دول الاتحاد الأوربي، وهذا الرأي كان سببا في حصول الأحزاب السياسية القوميّة المتطرفة على تأييد كبير، ولننتقل الآن إلى عامل آخر وهو رفض الاتّحاد الأوروبي.
رفض الاتحاد الأوربي :
هناك خلاف في الاتحاد الأوربي بدأ بصفة خاصة منذ ظهور الأزمة الاقتصادية، فدول مثل اليونان التى تلقت ضربة قوية في الأزمة الاقتصادية وقبرص اليونانية وأسبانيا صارت تشكل عقبة ومشكلة أمام اقتصاديات الاتّحاد الأوربي القويّة؛ فالدول الغنية مثل ألمانيا وانجلترا وفرنسا قد تعبت من مواجهة المشاكل الاقتصادية الخاصة بهذه الدول، وأصبح يُنظر إلى الدول التى تحتاج دعما ماليا واقتصاديا على أنها حلقة ضعيفة في الاتحاد.
وكما شاهدنا فإن المشاكل المالية قد سببت أضررا لهذا الاتحاد الذي شيّد على أسس مادية، أمّا الاتحادات المبنية على أسس الحب والصداقة فتكون اتحادت قويّة ومستقرة، وبناء عليه فإنّ الدولة الضعيفة ماديا لا تعتبر حلقة ضعيفة ولكنها تعتبر صديقا يجب إنقاذه. وفي هذا الوقت تتقوّى الاتحادات بصورة مستمرة من النّواحي المادّية ومُستوى الرّفاهية.
الخاتمة:
إن الاتّحاد الإسلامي التّركي الذي سيتم تأسيسه إن شاء الله تعالى هو الاتّحاد الذي سيجلب للعالم أجمع السّلام والأمان والرفاهية الاقتصاديّة. فإذا اتّحد العالم الإسلامي والتّركي لن يتعرض أحد من المسلمين للظّلم، ولن يحقره أحد ولن يتعرض للاستبداد ولن يسفك دمه أحد، وليس هذا فحسب، بل لن يفكر أحد حتّى في إلحق أيّ أذى به.
فبتأسيس الاتّحاد الإسلامي التّركي ستستريج الدّول الإسلامية وأوروبا والصّين وروسيا وإسرائيل والعالم أجمع، وستنتهي مشكلة الإرهاب وسيكون هناك ضمان للوصول إلى مصادر المواد الخام، وسيتحقق النظام الاقتصادي والاجتماعي والعدالة الاجتماعية، وسيُقضى تماما على صراع الحضارات باذن الله.
أعزائي المشاهدين وصلنا إلى نهاية برنامجنا اليوم، وسوف نلتقي بإذن الله تعالي في الأسبوع القادم في حلقة جديدة من برنامجكم وجهة نظر، وإلى اللقاء.