مقتطفات من مقابلة للسيد عدنان أوكتار في بث حي على قناة A9TV بتاريخ 3 مايو
عدنان أوكتار: وفقا للتقويم الهجري، تصادف هذه الليلة، ليلة 27 من شهر رجب، ليلة المعراج، التي تعني استقبال الله سبحانه عز وجل نبيه محمد (عليه الصلاة والسلام) مباشرة، أمام الحضرة الإلهية. وكما تعلمون، عُرِج برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في تلك الرحلة الفريدة، التي التقى خلالها نبينا (صلى الله عليه وسلم) بجميع الأنبياء، وقد مر نبينا بالسموات السبعة واجتمع شخصيا بالمسيح عيسى عليه السلام والنبي موسى والنبي إبراهيم وبقية الأنبياء عليهم جميعا السلام، وقد رآهم في أشكالهم المادية، والتقى أيضا بحضرة المهدي (عليه السلام)، وعند رؤيته سأل نبينا المصطفى اللهَ عز وجل قائلا "يا رب، من يكون هذا الشخص؟" فأجابه الله "إنه المهدي، أحبه حبا كبيرا، وعليك أن تحبه أيضا".
سيميه مريج: هناك حديث لنبينا (صلى الله عليه وسلم)، "كان المهدي مثل النجم المشرق بينهم".
عدنان أوكتار: نعم، بعد أن تم تقديمه إلى كل نبي، يقول رسولنا (صلى الله عليه وسلم): "أوحى إلي الله تعالى، قائلا "يا محمد، هل تريد أن تراهم؟" رد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "أود ذلك، يا ربي" فأمر ربي وقال "فلتقترب قليلا"، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) فبدأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتقدم قليلا، ثم قال "بعد أن سرت لبعض الوقت رأيت الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وجعفر الموسوي وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد وحسن بن علي والحجة القائم محمد المهدي (عليه السلام)"، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) "كان حضرة المهدي كالنجم المشرق بينهم".
انظر، حضرة المهدي (عليه السلام) كان مشرقا بين الأنبياء الآخرين. سألت: "يا رب، من هؤلاء الناس؟"، ورسولنا (صلى الله عليه وسلم) يسأل لأنه يريد أن يسمع من الله عز وجل ليخبره من هم، فقال له الله سبحانه عز وجل "هؤلاء أئمة، وهذا هو القائم المهدي".
سيُحِل ما أحل الله ويُحرم ما حرم الله، أي بعبارة أخرى، سيطبق ما جاء في القرآن الكريم، وسوف ينتقم من أعدائي"، سينتقم من الذين لا يؤمنون بالله، ولا بكتبه ومن الذين لا دين ولا إيمان لهم، أولئك الذين يهاجمون الإسلام والقرآن.
وذلك دون سفك دماء، يقول الله إن المهدي (عليه السلام) لن يسفك أي دماء، وسينتقم من خلال الحب والمعرفة، وأخبر الله سبحانه عز وجل نبيه قائلا "يا محمد، إنني أحبه حبا كبيرا، عليك أن تحبه، وأحب أيضا من يحبونه". وبعبارة أخرى، يقول الله إنه يحب أولئك الذين يتبعون طريق المهدي، وهذا يعني أن الله سوف يدمر الذين يقاتلون حركة المهدي. كما ترون، كل من يفعل ذلك، ويتعرض للمهدي وحركته، سيهلكون حقا. (الغيبة النعماني، تأليف الشيخ محمد بن إبراهيم نعماني، صفحة 97).
المسيح عيسى عليه السلام صحابي، كيف ذلك؟ لأنه التقى بنبينا (صلى الله عليه وسلم) خلال معراجه، ولأنه التقى بنبينا (صلى الله عليه وسلم)، فقد أصبح من خلال ذلك اللقاء أحد أصحابه، وهذا ينطبق أيضا على حضرة المهدي (عليه السلام)، ويخبرنا الله بالتفصيل، عندما يقول إنه "سيُحل ما أحل الله ويُحرم ما حرم الله".
صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء أثناء رحلة المعراج في ليلة 27 من شهر رجب، تقول زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، خديجة رضي الله عنها، إنها عندما استيقظت في الليل، رأت فراش النبي صلى الله عليه وسلم فارغا لكن لا يزال دافئا، وهذا معناه أنه ترك فراشه قبل فترة قصيرة جدا، واعتقدت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج للنزهة في الحديقة، لاحظ كيف أن الله لا يسلب عباده إرادتهم الحرة، وعندما عادت خديجة رضي الله عنها، رأت النبي (صلى الله عليه وسلم) نائما، ونلاحظ من جديد كيف أن الله لا يلغي إرادة عباده الحرة.
تُقدر المسافة بين القدس ومكة المكرمة بـ 1235 كيلومترا، 1235 كيلومترا مسافة هائلة، فظن المشركون أنهم أمام فرصة عظيمة للبرهنة على صحة رفضهم لنبوته، فطلبوا منه أن يحدثهم عن رحلته إلى القدس وكيف سافر إلى هناك. وبطبيعة الحال، لم يكن يعرف عندئذ كيف حدث ذلك، وكيف يواجههم بذلك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "فجأة، رأيت صورة القدس بارزة أمام عيني"، وكان يجيب بنفس الرد كلما سئِل عن الموضوع.
يصف بأدق التفاصيل الطرق التي سلكها في رحلته، والبوابات التي مر بها، لكن مع ذلك، لم يكن كافيا لإقناع المشركين، رغم ما أفادهم به النبي (صلى الله عليه وسلم) من معلومات دقيقة لا لبس فيها، وهم يعتقدون أن الأمر لا يعدو كونه معلومات سمعها وتعلمها من شخص آخر، وهنا أيضا تجدر الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يسلب مكذبي رسوله إرادتهم الحرة، قد يقول البعض "لو شهدت معجزة، لأصبحتُ أنا أيضا مؤمنا"، لكن الأمور في الواقع لا تسير على هذا النحو، ولا يوجد شيء من هذا القبيل.
هل لاحظتم كيف أنهم لم يتخلوا عن طرقهم المعتادة وشركهم ولم يتحولوا إلى مؤمنين بعد إحاطتهم علما بإسراء الرسول ومعراجه، لأنه لم يحدث أي شيء من شأنه أن ينتزع منهم إرادتهم الحرة، وحتى إرادة النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه لم تنتزع منه، لأنه كان في حالة يقظة خلال رحلته، في وضع وسط بين النوم واليقظة، وكان مستيقظا تماما رغم أنه كان يشعر وكأنه يخلد في نومه، كان إذا بين النوم واليقظة.
بخلاف ذلك، لو أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم مباشرة إلى القدس، لكان قد سلبت منه إرادته الحرة، مثل هذه الأمور تحدث دائما في حالة يكون فيها المرء بين النوم واليقظة، فعلى سبيل المثال، قد أوحى جبريل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو في هذه الحالة، وقد انتقل نبينا (صلى الله عليه وسلم) من وضعه ككائن بشري إلى كائن لا يخضع لقوانين البشر، تاركا وراءه شكله المادي، ليلج عالم ومحيط جبريل عليه السلام، وهذا يحدث عندما يكون النبي (صلى الله عليه وسلم) في حالة يقظة.
وبدأ يتصبب عرقا ويتغير لونه ليصير أحمر داكنا رغم برودة جو محيطه، وذلك كله لأنه ينتقل من بُعْد بشري إلى بعد أعلى مختلف تماما، وفور انتهاء نزول الوحي عليه، يعود إلى وضعه السابق ومحيطه المعتاد الخاص به، ويبدأ بالشعور بالراحة بعد ما شعر به من ثقل الوحي، أما عندما تتلاقى أبعاد جبرائيل (عليه السلام) والنبي (صلى الله عليه وسلم)، وتتداخل، يشعر كل منهما في هذا المحيط المندمج، بثقل شديد، أعتقد أنه يحدث تحول في قوى الجاذبية، والله أعلم. ونظرا للاختلاف بين البعدين، يقول الصحابة إنهم يشعرون بثقل شديد وكأن شيئا ما يسحبهم إلى الأسفل.
الجمال تركع، وهذا يحدث أمام أعين مئات الناس، ويدركون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تلقى الوحي عندما ينظرون إلى الحيوانات وهي تركع، وتصرخ بصوت عال، غير قادرة على فهم ما يحدث لها من شدة وطأة الوحي، ومباشرة بعد انتهاء نزول الوحي على الرسول (صلى الله عليه وسلم) يشعر الجميع براحة وهدوء أكثر.
لهذه الظاهرة، التي يندمج فيها البعدين، تفسير علمي. إن البعد الرئيسي هو بالطبع بُعد جبريل (عليه السلام)، وجبريل لا يلج البعد الإنساني، بينما الإنسان يدخل في بعد جبريل، ويقع الفضاء كله -حيث تحدث الظاهرة- ضمن بُعد جبريل (عليه السلام) وعندما تلقى نبينا (صلى الله عليه وسلم) الوحي لأول مرة، تحول إلى كائن في بعده السامي، مغمض العينين، مع احمرار وجهه الشريف، وخفقان أوردة جبهته، قبل أن يتلفظ بالآيات التي أوحيت إليه.
وعندما انتهى نزول الوحي عليه، حاول نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) تكرار الآيات التي نزلت عليه ليتمكن من حفظها، فأشار إليه المولى عز وجل بألا يفعل ذلك مرة أخرى أبدا، لأن الله سيتكفل بذلك ويجعله يحفظها دائما، يقول الله "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، بعض الآيات طويلة جدا، فعلى سبيل المثال، من المستحيل حفظ آية الكرسي [الآية 255 من سورة البقرة]، كيف يمكن للمرء أن يحفظ مثل هذه الآية الطويلة في وقت واحد؟ إنه أمر مستحيل، ويمكن للمرء أن يختلط عليه أمر حفظها.
لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك، لكن النبي (صلى الله عليه وسلم) يحفظها عن ظهر قلب، نجد آيات القرآن الكريم مخطوطة على عظام الإبل وجلود الغنم، وهناك العديد من نسخ القرآن الكريم كتبت في لفات من الرِق (المخطوطات) ولا زلنا نكتشف من حين لآخر مخطوطات القرآن القديمة مثلما نجد نسخا من التوراة، وتوجد هذه النسخ من القرآن مكتوبة في مخطوطات طويلة جدا تم لصق أجزائها ببعضها البعض مثل مخطوطات التوراة. ومثلما تعلمون، يقول الله في آية 3 من سورة الطور "وكِتاب مسطور في رقٍ منْشور"، هذه آية من القرآن الكريم.
لماذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) في حالة يقظة؟ السبب هو حتى لا تُسلبْ منه إرادته الحرة، وهي حالة تشبه حالة الحلم، حالة وسط بين النوم واليقظة، الله دائما يضعه في مثل هذا الوضع لكي لا يحرمه من إرادته الحرة.
هناك أيضا سر لا يعلمه سوى الله، وهو أن في مثل هذه الحالات لا يشعر المرء بأي نوع من الخوف، مثلما الناس لا يشعرون بأي خوف شديد -يشعرون بالخوف ولكن ليس دائما- حتى في أشد الظروف، أليس كذلك؟ الشعور بالخوف لا يحدث خلال حالة وسط بين النوم واليقظة، أما في غير هذه الحالة، فنبينا (صلى الله عليه وسلم) مثله مثل باقي البشر، إنسان قبل كل شيء، وله مشاعره كأي إنسان آخر.
على سبيل المثال، في المرة الأولى التي قابل فيها نبينا (صلى الله عليه وسلم) جبريل (عليه السلام) في السماء، تردد لدى رؤيته معتقدا أنه يهذي (وحاشا لنبينا (صلى الله عليه وسلم) أن يكون كذلك أو يصاب بمثل تلك الأفكار)، كما يقول الله سبحانه في الآية 8 و9 من سورة النجم "... دَنَا فَتَدَلَّىٰ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ"، في هذا اللقاء الأول، أغمي على نبينا (صلى الله عليه وسلم)، كونه إنسانا قبل كل شيء، فمن الطبيعي أن يشعر بالخوف.
شعر بالخوف، لكن لم يكن الأمر كذلك في لقائه الثاني؛ ومثال على ذلك أن رد فعله اتسم بالهدوء خلال معراجه عبر السماوات، ولكن في لقائه الأول، عند اجتماعه بجبريل (عليه السلام) بشكله المادي، لا شك أن اللقاء كان صعبا بالنسبة له، والسبب أن جبريل (عليه السلام) أمسكه بإحكام وأمره بقوله "اقرأ".
فأجاب: "ما أنا بقارئ"، لكن كرر عليه جبريل الأمر "اقرأ"، وهو يمسكه بشدة، وبعد ذلك، عاد النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى زوجته، بعد أن ترك جبل حراء حيث يتلقى الوحي، وأخبر خديجة رضي الله عنها وهو يرتجف، وجد متأثر بما حدث له في الغار، وطلب منها تغطيته من شدة ما كان يشعر به من برد، وكونها إنسانة فريدة من نوعها، هدأت من روعه وقالت له "أنت نبي"، وكانت أول من يقول له أنه رسول من الله، إنها امرأة، وأول إنسان سمع أول وحي هي امرأة.
وقد أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي امرأة، ما قاله له جبريل (عليه السلام)، إنها امرأة من سمعت الوحي الأول وآمنت بنبوته، واعترفت له بالنبوة منذ ذلك الحين إلى يوم وفاتها، "كلا لن يخذلك ربك، إنك نبي"، هذا ما قالت خديجة للنبي (صلى الله عليه وسلم)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تردد لحظة، وراودته شكوك حول صحة ما قالته له زوجته خديجة.
ثم قالت زوجته: "شكرا لله، أنت نبي الله"، وقد آمنت به لأنه كان صادقا حقا، وكان شخصا تقيا ورعا لم يسبق له أن كذب ولو مرة واحدة في حياته، لم يكذب مرة واحدة طوال حياته، لماذا إذا سيكذب الآن؟ وكان يقول الحقيقة دائما، كان مشهورا لصدقه، حتى بين المشركين الذين كانوا يعتبرون صدقه مذهلا، كان صادقا بشكل قاطع ولم يسبق له أن كذب ولو مرة واحدة في حياته.
غوكالب بارلان: كانوا يطلقون على النبي (صلى الله عليه وسلم) اسم "الأمين".
عدنان أوكتار: نعم، كانوا يسمونه "الأمين"، وهذا يعني أنه جدير بالثقة، وكان المشركون هم من أطلقوا هذا الاسم على النبي (صلى الله عليه وسلم).
كما تعلمون جسيمات الجاذبية (الجرافيتونات) هي الجسيمات التي تقوم بدور الوسيط بالنسبة لقوة الجاذبية، وتوجد هذه الجسيمات بأعداد أعلى في الأبعاد العليا، وعندما يتصل كيان من بعد علوي، ببُعدنا الأدنى، تنجرف هذه الجسيمات نحو بُعدنا. وبعبارة أخرى، تتجه هذه الجسيمات نحو بُعدنا، يحمل مصطلح "الانجراف" الوارد في هذا السياق معنى تقنيا، وعند النقطة التي يتصل فيها جبريل (عليه السلام) ببعدنا الأدنى، تتعاظم قوة الجاذبية إلى حد كبير.
وبالمثل، الذين يتواصلون مع عالم الجن، يشعرون بهذا التحول في الجاذبية، وإن كان بدرجة أقل، فيشعرون بالإرهاق. على سبيل المثال، عندما يتصل الجن ويلامس ذراعهم، يشعر الذراع بثقل كبير، وكل من يتواصل مع عالم الجن يعرف هذا الشعور، ويشعرون بثقل ذراعهم إلى حد الألم، فيلجؤون إلى التدليك للتخفيف من حد الوجع، ويشعرون بالكثير من الألم، يشعرون بثقل ذراعهم بشكل لا يصدق، وكل من يتواصل مع عالم الجن على دراية تامة بهذا النظام.
غوكالب بارلان: يشعرون بهذا الثقل أيضا على مستوى أعناقهم.
عدنان أوكتار: نعم، عندما يأتي الجن، يسبب لهم شعورا بثقل كبير على الرقبة أيضا، وكما لو أنه يتم إفراغهم عن طريق مكنسة كهربائية، تبدأ جسيمات الغرافيتون تتدفق نحو بُعدنا. وبعبارة أخرى، يتم امتصاصها باتجاهنا، وكما أن الملك جبريل (عليه السلام) يأتي من بُعد علوي، فإنه يُسبب مثل هذا النوع من التحول في نسيج المادة، بحيث يشعر به الجميع، لكن مثل هذا الأمر يعرفه أكثر، المتصلون بعالم الجن، وهناك الآلاف منهم وكلهم يعرفون ذلك جيدا.
يصبح الجسم ثقيلا مثل الرصاص، النساء اللواتي يتواصلن مع الجن وخاصة اللواتي يتنبأن بحظوظ الناس ومستقبلهم عن طريق أصابعهم، يشعرن بألم هائل، ويعانين الكثير، وتصير أذرعهن ثقيلة كالرصاص، بحيث يساعدهم آخرون على حمل أذرعهن، يشعرن بالمشقة والضيق، ويشعر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بنفس الإحساس، المتمثل في ثقل هائل، لكنه يشعر بالارتياح فور انتهاء هذا الإحساس.
وإلى جانب ذلك، يغطون وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) بإزار حتى لا يحدق فيه من حوله، وفي كل مرة يتلقى النبي (صلى الله عليه وسلم) الوحي، يدرك أصحابه ذلك على الفور، من خلال ملاحظة العرق على جبينه واحمرار وجهه وإغلاق عينيه، فيقومون بسرعة بتغطيته برداء، ويلتزم الجميع الصمت ولا ينظرون إلى نبينا (صلى الله عليه وسلم)، فيستمعون فقط وهو يكرر ما نزل عليه من وحي. في بعض الأحيان، يستمر نزول الوحي فترة طويلة جدا، ويكرره عليهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بلغة عربية بليغة للغاية، إنه فن بليغ مذهل، من نوع رائع لم يتكرر مثله إلى يومنا هذا.
يصله الوحي في شكل أنيق، إعجاز أدبي فني غير مسبوق، وعندما يتوقف الوحي، يقرأه النبي (صلى الله عليه وسلم) على أصحابه عن ظهر قلب، وهو أمر يعتبر معجزة كبيرة في حد ذاته، إنها معجزة منفصلة. وأثناء تلقيه الوحي لفترات طويلة جدا، كان أصحابه يقومون بتدوينه على كل ما يقع بين أيديهم من وسائل، مثل العظام، علما بأن ذلك الزمن كان يتميز بالفقر ولم تكن فيه جلود الغنم متوفرة أو مستعملة على نطاق واسع. كان الوحي ينزل أحيانا على حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بشكل متتال، بحيث يبدو وجهه شاحبا من جديد، فيقومون بتغطيته من جديد.
ينزل عليه الوحي أحيانا دون انقطاع، وأحيانا على فترات، ولما وقعت ركبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على إحدى ركبتي صحابي، شعر ذلك الصحابي بثقل ركبة النبي على غير عادتها، وقال إن ركبة النبي (صلى الله عليه وسلم) أحدثت ضغطا شديدا على ركبته بحيث كادت تسحقها، من قال ذلك؟ إنه زيد بن ثابت الذي روى الحادثة قائلا "شعر نبينا (صلى الله عليه وسلم) يوما بالوهن، نتيجة إرهاق ثقل الوحي، وقال لي أن أكتب الوحي، وهو ما فعلته على الفور، على عظم كتف".
كانت تلك هي ظروف زمنهم، لم تكن لديهم الوسائل وأفضل ما كان بوسعهم العثور عليه، مثل عظام الكتف. "اجتاح شعور السكون والوهن، رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى"، وكان يأتيه الوحي بطريقة متتالية، "وقعت ركبة رسول الله فوق ركبتي"، يقول زيد بينما كان جالسا بجانب النبي (صلى الله عليه وسلم)، "فشعرت بثقل ركبته على غير عادتها، كانت أشد ثقلا من ذي قبل، بحيث كادت تسحق ركبتي"، بعبارة أخرى يقول زيد إن ركبة النبي (صلى الله عليه وسلم) أثرت بشدة على ركبته، مما تسبب له في إحساس بالسحق والحرق.
عندما كان الوحي ينزل عليه، كان أصحابه يطأطئون رؤوسهم احتراما له وتبجيلا، وهذا ما تدعو إليه الأخلاق والأدب في واقع الأمر، لأنه من غير اللائق الجلوس في حضرة نبينا (صلى الله عليه وسلم) والتحديق في وجهه، بينما هو في حالة وهن نتيجة تلقي الوحي، ومع ذلك، يقومون احتراما وتقديرا له، على الفور، بتغطية وجهه الكريم برداء، في حال وقع نظر أحدهم على وجه نبينا (صلى الله عليه وسلم) عن غير قصد، ويستخدمون في ذلك إزارا رقيقا لعدم إزعاجه، لأن من شأن الغطاء السميك أن يضايقه ويجعل تنفسه أصعب، فلهذا السبب يستخدمون إزارا رقيقا يضعونه على وجهه.
فيبدأ يتنفس بكثافة، وعلى حد علمي، يعود سبب تنفسه الكثيف لارتفاع الضغط على جسده وسرعة دقات قلبه كما لو أنه يركض، من شدة ثقل الوحي، ثم تسقط من جبينه قطرات من العرق الصافية كما لو أنها حبات لؤلؤ، طيلة تلقيه الوحي. يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "أولا، أسمع صوتا مشابها للصرير".
صوت مماثل لصوت الحشرجة، وهو يشبه صوت حشرجة أو شيئا مشابها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عندما أسمع هذا الصوت، أدرك أنه سينزل علي الوحي"، ثم يأتي الشعور بالضعف بعد الصوت، وما يقوله الله تعالى في آية من القرآن يفيد بهذا المعنى، يقول الله سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مخاطبا نبيه محمد "إنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا" انظروا، كيف أن الله سبحانه وتعالى يشير إلى هذا الشعور بكلمة "ثقيلا"، فإنه يسبب شعورا بثقل مرهق.
الذين يتواصلون مع عالم الجن يعرفون هم أيضا مثل هذا الشعور بشكل جيد، هناك الملايين من الناس حول العالم الذين يتواصلون مع الجن، وأعتقد أن كلهم على دراية بهذا الشعور من الثقل. وبعبارة أخرى، هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على نبينا (صلى الله عليه وسلم)، إذ تحدث نفس الظاهرة في عالم الجن، لأن هذا العالم موجود في بعد علوي، وإذا كان البعد الذي نعيش فيه نحن البشر هو البعد الثالث، فإن الجن يعيشون إذا في البعد الرابع، وهذا الفارق بين البعدين هو سبب نشوء هذه الظاهرة.
سأل المشركون رسول الله "هل يمكن أن تصف لنا المسجد الأقصى؟"، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "بدأت أصف المسجد الأقصى، وبينما أخذت أصف بعض أقسامه، شعرت ببعض الريب، وكأني لم أستطع أن أتذكرها بالضبط، عندئذ برز أمامي المسجد الأقصى أمام بيت عكيب في أكابيا"، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) إنه رأى رؤية، ونفس الرؤية تظهر عندما يتم استدعاء الجن، إنها رؤية كبيرة مستطيلة الشكل.
هذه حقيقة معروفة جيدا، "تشكل المسجد أمام المنزل"، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم يواصل "وبدأت أصفه مستندا إلى تلك الرؤية"، وأكد المشركون دقة وصف النبي صلى الله عليه وسلم، لكنهم استمروا في رفضهم الإيمان به، لأنه ما دام النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطع وصف المسجد بشكل كامل من قبل، ثم قدم لهم وصفا دقيقا، اعتقدوا أنه لا بد أنه شاهده فعلا، رغم أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) لا يعرف المسجد الأقصى، لأنه لم يزر دمشق من قبل، ويعتقد المشركون أن النبي إما استقى المعلومات من أحد الأشخاص الذين يعرفون المسجد الأقصى، أو أنه زاره في وقت ما، وظل الأمر محل الشكوك، لأن الله لم يسلب الناس إرادتهم الحرة.
قد يعاني نبينا (صلى الله عليه وسلم) أيضا من زيادة ضغط الدم عندما يتلقى الوحي، ويتعرض أيضا لتسارعِ خفقان دقات القلب، وهو ما يفسر تنفسه بشكل كثيف، كون أن نزول الوحي يجعله يصارع من أجل التنفس، كان نبينا (عليه الصلاة والسلام) أعظم إنسان على وجه الأرض، وكان أكثرهم صدقا وبهاء.
كان لديه جمل وديع، وبينما كان (صلى الله عليه وسلم) في يوم من الأيام راكبا على جمله، نزل عليه الوحي، فراح الجمل يتمايل، ويتعثر، ويسقط على ساقيه الأماميتين، بشكل متكرر، ثم يستقيم واقفا، غير قادر على السيطرة على حركته، وهو يحاول الوقوف على ساقيه، يصارع تجنبا للسقوط، دون أن يستطيع مواصلة المقاومة لفترة طويلة قبل أن يسقط من جديد، من المعروف أن الإبل حيوانات قوية وصبورة، لكن جمل الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يواجه صعوبة شديدة، رغم أن الإبل تستطيع في العادة أن تحمل أثقالا كبيرة على ظهرها.
حاول جمل الرسول (صلى الله عليه وسلم) جاهدا البقاء واقفا، لكنه لم يتمكن من الاستمرار في السير كما لو أنه يشعر بحمل أثقل من طاقته، ويسقط في كل مرة يحاول فيها السير، وبعد فترة من الوقت، لم تستطع ساقيه الاستمرار في الوقوف وانهارت تماما، وظل الجمل على هذه الحالة حتى انتهاء نزول الوحي، ثم واصل الجمل سيره بكل يسر وسعادة كما لو لم يحدث شيء، وكان إيمان الصحابة قويا لأنهم شهدوا شخصيا صدق النبي (صلى الله عليه وسلم) وإخلاصه، أما نحن فنؤمن به حتى من دون أن نراه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنهم أكثر حظا، أما أنتم فقد رأيتموني، في حين أن الذين سيأتون من بعدِكم، هم إخواني وأخواتي، أنتم أصحابي، لكنهم إخواني وأخواتي" في إشارة إلى تلاميذ حضرة المهدي (عليه السلام)، "سوف ينالون أضعاف ما تنالونه من فضل"، وقد تفاجأ الصحابة من هذا الخطاب، ولهذا السبب، زاد فضولهم حول حضرة المهدي، وتلاميذه ومحيطهم، ونظرا لما كانت هذه الروايات تثير من فضولهم، فكانوا يستمعون إليها مثلما يستمعون للقصص، ويودون أن يحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها كل يوم.
وكلما رأوه يقولون له "يا رسول الله، أخبرنا عنه"، ولهذا، هناك الآلاف من الأحاديث حول المهدي، لكنها فقدت لدى أهل السنة، ولست أدري لماذا. ورغم ذلك، نجا عدد لا يحصى من هذه الأحاديث، وقد احتفظ أهل الشيعة بما استطاعوا من هذه الأحاديث، فعلى سبيل المثال، كتُب الحديث التي نشير إليها أنها قد فقدت، تم العثور عليها لاحقا في الكهوف وأماكن مختلفة، وقد وجدت كتب يعود تاريخها إلى ما قبل ألف عام، أو ألفي عام، أو سبعة قرون، مخبأة في الكهوف، وهذا معناه، أنها تعرضت لمخاطر جمة وتهديدات بالإتلاف، فشعر أهلها بضرورة إخفاء الأحاديث التي تتعلق بحضرة المهدي (عليه السلام).