الخطر المشؤوم الذي يُهدد عالمنا: ثقافة الانغماس في الملذات
هارون يحيى
عالمنا اليوم مكان مضطربٌ للغاية، ووتيرة حياته سريعة مقارنةً بقرنٍ مضى، وهذا ليس بالضرورة أمرًا جيدًا. لا توجد منطقة في العالم حاليًا، لم تتأثر بطريقة أو بأخرى بصراعٍ، أو قتالٍ، أو اعتداءٍ من نوع ما.
يشهد عالمنا آلامًا، وحروبًا، وصراعات مستمرة، بشكلٍ يومي في كل مكان في العالم تقريبًا. الأمر المثير للصدمة أنَّ مشاهد مثل الاشتباكات الدامية، والصور المروعة، والأطفال والنساء وهم يتعرضون للإيذاء، أصبحت خبرًا معتادًا.
والأسوأ من هذا، أنَّ أغلب سكان العالم، يفشلون في إظهار الحساسية المطلوبة والكرامة التي يتوقعها الفرد في المعتاد من البشر. وبينما تضرب الحروب، والقنابل، والاشتباكات، والموت أناسًا أبرياء، وتتمزق عائلات، وتتأذى نساء، وأطفال، وشيوخ، إلا أنَّ سلوكًا صادمًا من الانغماس في الملذات يزداد بشكل مطرد.
هذا الشكل من السلوك الموجود في الثقافة الشعبية الذي يؤثر في الغالب على الشباب مبني على أنَّه لا داعي للقلق حيال أي شيء، وأنَّ مشاكل الآخرين تُعنيهم فقط. هذا التفكير المسموم لا يحثُّ على الفرقة فحسب، وإنما يشجع الناس في ذات الوقت على التواكل بشدة، بالسعي وراء أقصى قدر من الإشباع بأقل مجهود ممكن، وأن يكونوا استغلاليين لتحقيق المنفعة من الآخرين، وعلاوة على هذا يعملون على نشر شرورهم في كل مكان. من الإنترنت إلى التلفزيون، ومن المدارس إلى الحياة العملية، بدأ أسلوب الحياة هذا في السيطرة على حياة الشباب.
بعبارة أخرى، يروق الجانب المسموم من الطبيعة البشرية الذي يسعى باستمرار للإشباع بدون مسؤولية، للناس بأسلوب شديد الخطورة بسبب إشارة خادعة بأنَّه لا توجد أي عواقب. تصل العقول الشابة بشكل خاطيء إلى الاعتقاد بأنَّ مثل هذه الشخصية والسلوكيات يُمكن أن تجلب النفع، بدون التفكير ثانية حيال آثارها المدمرة، بسبب تلك الرسائل المحيطة بهم.
ولا يُثير الدهشة أنَّ الشباب يضلون بسبب السحر الخادع المحيط بأسلوب الحياة هذا، فيفقدون صلتهم بإمكانياتهم في مقتبل حياتهم، ويُغلقون عقولهم أمام كل شيء يدور من حولهم، عدا شهواتهم الخاصة الراغبين في إشباعها. ثقافة الملذات، والأنانية، والاعتمادية تمنعهم من استغلال قدراتهم وتدفعهم بدلًا من هذا إلى حلقة مفرغة. وعلاوة على هذا، يُلقي غياب الانضباط الذاتي بظلاله - بطبيعة الحال - ويجعل العديدين عاجزين عن إيقاف أنفسهم من الانجرار إلى عالم الكحوليات، والمخدرات، رغبةً في التخلص من الاكتئاب الناتج عن كل هذا.
يبدو أنَّ ثقافة الكراهية السائدة على الإنترنت تُحير الكثيرين، إلَّا إنِّها أيضًا نتيجة لهذه الظاهرة. يَعتبر الشباب المغمورين في الملذات ممن لا يريدون تحمل مسؤولية أفعالهم، أنَّ الرد بكراهية، وإهانات لأي شيء لا يُحبونه أمرًا طبيعيًا. يُطلقون كمية صادمة من الكراهية و العداء على كل شخص وكل شيء، ويختبئون في المعتاد وراء هويات مزيفة.
نتيجة أخرى مهمة لهذه الثقافة الخطرة هي حقيقة أنَّ مثل هذا الشباب لا يريد أن يكون لديه وظيفة تتضمن بذل جهد للإنتاج أو المساهمة بشيء إيجابي للمجتمع. يفضلون في الغالب ما يبدوا كأنَّه أسهل طريق للنجاح، والشهرة، واللهو.
لا يتطلع أغلب الشباب لأن يكونوا مهندسين، وأطباء، ومعماريين، أو فنانين بعد الآن، ولا يبدو أنَّ لديهم أحلام، أو مثل عليا تجعلهم يقدمون مساهمتهم الخاصة بهم إلى العالم. من المؤسف أنَّ الإعلام يعزز والمجتمع يدعم هذه الطريقة في الحياة. فمثلًا، كثيرًا ما تنشر الجرائد والمواقع الالكترونية تقارير تُشير إلى الوظائف ذات الرواتب الأعلى التي تتطلب قدرًا ضئيلًا من الجهد من الشباب.
تسود تلك الثقافة غالبًا في الولايات المتحدة، وأوروبا، وتنتشر كالنار في الهشيم لباقي أنحاء العالم. يتم تمجيد شخصيات مبتذلة، وعدوانية، ومنغمسة في الملذات كقدوة في عروض التلفزيون والأفلام، بينما القيم الأخلاقية الجيدة التي تُبقى على المجتمع حيًا، مثل الحب، والرحمة، والإيثار، والإخلاص، يُقلَّل منها وتتناقص.
لكن لو أن الجميع يستهلك ويعتمد على الآخرين، من الذي سيُنتج ويَبني؟
الشباب بشر مهمُّون وذوو قيمة كبيرة، ولديهم قدرة كبيرة على العطاء، والإنتاج، ومساعدة الناس من حولهم. من المهم أن نُدرك كيف أن سلوكهم مُحرج لهم وخطير لمستقبل عالمنا. بعد عقدين من الآن سيكون العالم ملكهم ليُديرونه، لكن عالمٌ مليء بأناس أنانيين، ومغرورين، ومستغلين، ومستهلكين سوف يستهلك الجميع فيه.
تحتاج هذه المشكلة إلى إنتباهٍ عاجلٍ. الوقت يمر بسرعة، والضرر يتسع أثره. ومع ذلك الحلول ممكنة، ويمكن للمدارس أن تكون نقطة بداية جيدة. والدورات التدريبية لنشر الوعي الوطني، والخدمة العامة لجعل الشباب أكثر انخراطًا وأقل استقلالية فردية، وسيكون للتشجيع العام على القيم السامية مثل الرحمة، والحب، والتعاون، والإيثار، من خلال التلفزيون والجرائد، بكل تأكيد، أثر طويل المدى، ونأمل أن يُبقي الشباب بعيدًا عن مثل تلك الصفات الشخصية.
يُمكن للسياسيِّين، وقادة الرأي البدء في دعم حملات على نطاق واسع للحفاظ على هذا التطور، وضمان مشاركة الشباب من جميع الاتجاهات، بمساعدة الإعلام.
كبح جماح هذه الظاهرة، وجعل شبابنا أكثر مسؤولية، وإيثارًا، ورحمة، وحبًا أمرٌ ضروري لمستقبل عالمنا، وحضارتنا.