علامات خلق الله في علم التعدين

1981

علامات خلق الله في علم التعدين

علامات خلق الله موجودة في كل العناصر التي شكَّلت التكنولوجيا. أحد هذه العناصر هو التعدين، أو بمعنى آخر، إنتاج ومعالجة المعادن.

التعدين هو نقطة الانطلاق بالنسبة للتكنولوجيا الحديثة. وجود المعادن المناسبة والطُرق التي تمكن بها الإنسان من صهر المعادن وتشكيلها يعد سببًا رئيسيًا فيها.

أول هذه الوسائل هي النار. فبفضل النار تمكَّن الإنسان من صهر المعادن. وتمثل المعادن الموصِّلات الطبيعية الوحيدة للكهرباء. لذا يمكننا القول بأن للنار فضلا كبيراً في الوصول إلى التكنولوجيا الحالية. يشرح لنا مايكل دينتون في كتابه الآتي:

إن الاستفادة التي حققناها من النار لا يمكن الاستهانة بها مطلقًا، فقد كانت هي السبيل الوحيد للتقدم التكنولوجي الذي وصلنا له. من النار أتى التعدين وأتت الأدوات المعدنية وأيضًا التطور الكيميائي. (مايكل دينتون – كتاب قدر الطبيعة – صفحة 242).

تبدأ النار في الاشتعال عن طريق المواد التي لها قابلية الاحتراق. الكربون يعد عنصرًا رئيسيا لعملية الاحتراق. عندما يتفاعل كلّ من الكربون والأكسجين تنطلق كمية كبيرة من الطاقة الحرارية والتي نشعر بها في صورة لهب.

مقدم البرنامج: على الرغم من ذلك، فإنّ هناك نقطة من المثير معرفتها هنا:  20% من الغلاف الجوي للأرض يتكون من الأكسجين، الكربون موجود في كل الكائنات الحية بما في ذلك أجسادنا. بمعنى آخر فإنّ مكونات النار موجودة جنبًا إلى جنب في كل مكان في هذا العالم.

إذًا يمكننا أن نسأل لماذا لا يتفاعلا معًا فورًا؟ لماذا لا تحترق أجسادنا وأجسام الكائنات الحية الأخرى وتتحول إلى لهب؟ الإجابة تكمن في التكوين والخصائص المذهلة للنار.

الخواص الكيميائية لكل من الأكسجين والكربون تم وضعها بعناية لكي يمكنهم التفاعل معًا وتكوين اللهب في درجات حرارة عالية جدًا فقط. لهذا السبب فإن بدء عملية الاحتراق يحتاج إلى درجة حرارة عالية جدًا.

عندما يحاول أحدهم إشعال النار بواسطة فرك قطعتين معدنيتين فإنها إحدى وسائل إحداث درجة حرارة عالية عن طريق الاحتكاك.

عندما تحاول إشعال أعواد الثقاب فإنك تقوم بإحداث حرارة عالية عن طريق احتكاك رأس عود الثقاب بالسطح الخشن.

لو كانت عملية تفاعل الكربون والأكسجين لا تحتاج إلى هذه الظروف للتفاعل معًا لأصبح اشتعال الأشجار بل والناس والحيوانات أمرًا ممكنًا عندما ترتفع درجة الحرارة قليلاً، كان ذلك ليصبح أمرًا عاديًا.

على سبيل المثال، ذلك النبات الذي ينبت في الصحراء كان من الممكن أن يتحول سريعًا إلى لهب وكأنها أشبه ببرميل للبارود عندما تزداد درجة الحرارة بشكل ملحوظ في منتصف النهار.

بهذا الشكل، كان من المستحيل أن نتحدث عن إمكانية استمرار الحياة على الأرض بشكل عام.

حتى وإن تطلب تفاعل الكربون والأكسجين درجة حرارة أعلى مما يتطلبها في الواقع لحدوث الاشتعال، لم يكن الناس ليتمكنوا من إشعال النار.

كانت النار لتصبح نوعًا خياليًا من الطاقة لا يراه الناس إلا عندما يضرب البرق أحد الغابات مثلًا.

مقدم البرنامج: باختصار، فإن خواص كلّ من الأكسجين والكربون قد خُلقت بشكل دقيق جدا لتحقق الاتزان ولتصبح في أفضل صورة ممكنة لاستخدامها وبقائها تحت سيطرة الإنسان.

ما يسميه الإنسان "اكتشاف النار" هو تطويع الله للنار ليتم استخدامها بواسطة الإنسان. لفت الله انتباهنا لهذه الحقيقة في القرآن الكريم وإلى أنّ النار قد خلقت بشكل دقيق.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، "الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُون" صدق الله العظيم (سورة يس – الآية 80).

الأرض التي نعيش عليها هي مناخ مهيأ تمامًا لاشتعال النار. وهذه الطبيعة التي خُلقت بشكل خاص كانت نقطة الانطلاق للتكنولوجيا والتقدم الذي وصلنا إليه في هذه الأيام. يشير دينتون إلى العوامل البيئية أيضًا التي أسهمت في استخدام النار:

إن استخدام الإنسان للنار بالتأكيد يعود إلى عدة عوامل بيئية إضافية، على سبيل المثال توفر الخشب في الطبيعة ووجوده في صورة جافة. لو لم توجد تلك العوامل التي كان لها فضل كبير أيضًا، وأيضًا بفضل القوة العقلية والبدنية التي جعلت من الإنسان قادرًا على أن يسكن هذه الأرض، لم تكن لتتوفر كل من النار ولا علوم التعدين والكيمياء ولا كل هذا التقدم العلمي الذي وصلنا له. (مايكل دينتون – كتاب قدر الطبيعة – صفحة 245).

بكل تأكيد، فإن التكوين الجسماني للبشر، أي أنّ لهم أيدٍ وأذرع وقدرتهم على التنقل والرؤية هو أمر مثالي ليكونوا قادرين على استخدام النار. لقد خلق الله الجسم البشري بشكل مثالي يسمح له بأداء كل ما يحتاجه. وهب الله تعالى الإنسان العقل أيضًا، وبالتبعية الذكاء والمهارة التي مكَّنته من استخدام النار.

بدلًا من ذلك، كان من الممكن أن نأتي الى العالم بلا ذراعين. في هذه الحالة، سيكون من المستحيل بالنسبة لنا أن نشعل النار وبالتالي لكان من المستحيل أيضًا أن نشكل المعادن، التي قادتنا في النهاية إلى التطور التكنولوجي الذي وصلنا له.

أو ربما لو كان أيضًا مستوى ذكائنا منخفضًا عن الوضع الحالي، لكنا نعاني من نقص المعرفة والوعي ولكان من المستحيل أن نحدث التغيير في العالم من حولنا. في هذا الحالة، كنا سنكون غير قادرين حتى على وصف ما نحتاج إليه من تطور.

ولكن الله منحنا العقل الذي نفكر به، وخمسة حواس مذهلة تمكننا من اكتشاف العالم، وكذلك الجسم الذي يمكِّننا من تحقيق ما نرغب فيه من احتياجات بأفضل طريقة ممكنة. لهذه الأسباب فنحن قادرون على الاستفادة من نعم الله علينا، وبناء الحضارة وتطوير التكنولوجيا.

كل هذه النعم هي من عند الله. يذكرنا الله بكل هذه النعم التي لا حصر لها في تلك الآية من القرآن.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" صدق الله العظيم (سورة النحل - الآية 18).

بالإضافة إلى حقيقة أنّ النار يمكن إشعالها والسيطرة عليها في هذا العالم، هناك ميزة أخرى دعمَت علم التعدين:

كل المعادن الموجودة في العالم وخصوصًا الحديد تنصهر وتتحول إلى صورة سائلة عند درجة حرارة معينه تصل إليها النار.

على سبيل المثال، فإن الحديد يحتاج إلى درجة حرارة تبلغ 1530 درجة مئوية لكي ينصهر، هذه الحرارة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال احتراق هائل.

على الرغم من ذلك، يتطلب الحديد أحيانًا درجات حرارة أعلى من ذلك ليصل إلى درجة الانصهار، لو لم يوجد وقود في العالم يمكِّننا من الوصول إلى هذه الدرجات، لَفَشل علم التعدين أيضًا في الوصول إلى أيّ شيء.

في هذه الحالة بالتأكيد لم يكن ليصبح هناك أيّ تكنولوجيا أو تقدُّم ولم نكن لنتمكن من بناء الحضارة.

بعد تلخيص التطور العلمي الذي وصل إليه الإنسان، يضيف دينتون التعليق التالي:

على الرغم من كون الرحلة طويلة جدا، فإن النتيجة التي وصلنا لها بما لا يدع مجالا للشك هي أننا نسير في طريق قد رُسِم بالفعل لنا من قبل، وأنّ كل ذلك ليس وليد الصدفة، لقد سرنا في طريق محدد لنا منذ اكتشاف النار وصولًا إلى ظهور العلم وحتى كوننا أمرًا محوريَّا في تشكيل هذه الطبيعة. (مايكل دينتون – كتاب قدر الطبيعة – صفحة 395).

مقدم البرنامج: تلك الحقيقة التي شرحها عالم الكيمياء الحيوية مايكل دينتون بمصطلحات علمية قد تعلمناها بالفعل من القرآن ويَعلَمها كل المؤمنين: خلق الله الكون وجعله صالحًا لحياة الإنسان، وجعل كل ما خلق على الأرض مسخرًا لخدمة الإنسان ومدَّه بالكثير من النعم. كما تقول الآية الكريمة في القرآن:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ (32) وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)" صدق الله العظيم (سورة إبراهيم)

ما نسميه الآن بـ "الانبهار التكنولوجي" ما هو إلا نعمة من نعم الله علينا. كل تلك الأجهزة المتطورة أنعم الله بها علينا وقد صُنعت من مواد قد سخرها الله لنا. يستخدم البشر هذه المواد ويشكلونها بمساعدة أجسادهم وحواسهم وقدراتهم الإبداعية التي قد أعطاها الله لهم من قبل.


 


يشارك
logo
logo
logo
logo
logo
التحميلات