مرحباً، نحن معكم مرة ثانية بوجهة نظر جديدة تماماً. فكما تعلمون توجد حرب قوية ومستمّرة منذ بدايات الاستعمار حتى يومنا هذا. وهذه الحرب المستعرة مرتبطة بصفة خاصة بتقسيم الأرض الغنية بمصادر الطاقة. ولذا فإن الدّول القوية وكذلك الجماعات الإرهابية تتبع إستراتيجية تجعل الطاقة بؤرة اهتمامها. وإذا نظرنا من وراء الكواليس في النّزاعات القائمة والمشاكل السياسية الدولية فإنّه يظهر لنا عامل الطّاقة واضحاً فيها.
ونحن أيضاً في هذا الأسبوع، سوف نتحدث عن مصادر الطاقة في العالم وعن حروب الطاقة تشتعل بسبب هذه المصادر.
* يبدأ برنامج وجهة نظر: ملفّ الطاقة ...
وموجز برنامجنا على هذا النحو: سوف نتحدث في قسم المقدمة عن أكثر مصادر الطاقة استخداماً في العالم. وسوف نقدم معلومات إحصائية بخصوص الكميات الاحتياطية لهذه المصادر. كما أننا سوف نقوم برحلة قصيرة في التاريخ عبر المسار الزمني بخصوص الفترات الأولى للحركة الاستعماريّة. وسوف نتحدث عن صراع الدول الكبرى للسيطرة على الأراضي الغنية بمصادر الطاقة. كما أننا سوف نتعرض للدول التي استُعمرت وعن الجوع والفقر والقهر والظلم الذي يتعرض له سكان هذه المناطق. أما في تقرير الوضع الراهن فإنّنا سوف نسوق نماذج على حروب الطاقة المستعرة حدّ إلى الآن. وسوف نسلط الضوء على المشكلة الواقعة بين أوكرانيا وروسيا، وعلى وضع الاتّحاد الأوروبي والأوضاع الحالية في الشرق الأوسط. وأخيراً سوف نتحدث عن الأسباب الحقيقيّة وراء كلّ حروب الطاقة هذه وسبل الحلّ.
ملخص البرنامج:
* المُقدّمة
* المسار الزّمني
* تقرير الوضع الراهن
* ما وراء السّتار
نعم لنبدأ الآن بالموضوع.
الموضوع:
بداية يجب علينا أن نتعرف على أكثر مصادر الطاقة استخداماً في العالم.
تنقسم مصادر الطّاقة في الغالب إلى مجموعتين إحداهما متجدّدة والأخرى غير متجدّدة. والطّاقة المتجدّدة يفترض أنّها على المستوى العملي غير محدّدة. وتُستخدم بشكل متكرر ومستمر. وهذه مثل الشّمس والرّياح والطاقة الهيدروكهربائية... أمّا الطاقة غير المتجدّدة فإنّها عندما تستخدم لا تتجدّد ثانية خلال فترة وجيزة. وهذه هي المحروقات التي يتم الحصول عليها نتيجة تحلّل النباتات والحيوانات على مدى ملايين السّنين مثل البترول والغاز الطبيعي والفحم. وعند إنتاج الطّاقة فإنّ هذه الطاقة هي التي تُستخدم في الدرجة الأولي. أما أكثرها استخداما فهو البترول. ويأتي في المرتبة الثّانية الفحم الذي تناقص استخدامه تدريجيًّا. أمّا مصدر الطاقة الذي يأتي في المرتبة الثالثة فهو الغاز الطبيعي الذي تزداد وتيرة إنتاجه واستهلاكه.
وبعد هذه التعريفات المرتبطة بمصادر الطاقة فإنّني أودّ ذكر بعض المَعلومات الإحصائيّة، إذ يبلغ معدّل استخدام محروقات الأحافير، يعني البترول والغاز الطبيعي والفحم في وقتنا الحاضر نحو 87% . أمّا استخدام مصادر الطّاقة المتجدّدة مثل الطاقة الشّمسيّة والرّياح فإنّه لا يزال في مستوى متدنّ إلى حدّ ما.
ونحن نرى في هذا الجدول الذي معنا تقييمات نهاية عام 2013م لاحتياطيات محروقات الأحافير (يعني البترول والغاز الطبيعي والفحم) في العالم. فالدّول صاحبة النصيب الأكبر من احتياطيات البترول والغاز في العالم تقع في الشّرق الأوسط. أما احتياطيات الفحم فإنّ أكثرها يقع في دول أوروبا و أوراسيا.
ويجدر بنا أن نركّز قليلاً على التّوزيع الإقليمي لاحتياطيات البترول والغاز في العالم، لأنّ البترول والغاز هما أهم مصادر الطّاقة.
وتوزيع احتياطيات الغاز والبترول وفقاً لبيانات نهاية عام 2013م يكون على هذا النحو: الاحتياطي الأكبر في الشرق الأوسط بنسبة 48% ، ويلي الشّرق الأوسط منطقة وسط جنوب أمريكا بنسبة 19%.
وإذا نظرنا إلى بعض الدّول فإنّ " فنزويلا " تأتي في المرتبة الأولي بمعدل 298,3 مليار برميل، وتليها المملكة العربية السعودية بنسبة 265,9 مليار برميل، ثم كندا بنسبة 174,3 برميل. وفي الرّسم البياني الموجود بجانب هذا الجدول نرى فيه التقييمات المئويّة لاحتياطيات الدّول في جميع أنحاء العالم.
ويجب أيضاً أن نلقي نظرة علي توزيع احتياطيات الغاز الطبيعي، حيث يوجد أكبر احتياطي للغاز في الشرق الأوسط بنسبة 43,2%، وتأتي بعد ذلك منطقة أوروبا و أوراسيا بنسبة 30,5%.
وتحتل إيران المرتبة الأولي في قائمة الدول بنسبة 33,8 ترليون متر مكعب، وتأتي بعدها روسيا بنسبة 31,3 ترليون متر مكعب، ثم بعد ذلك تأتي قطر بنسبة 24,7 تريليون متر مكعب. ونرى في الرسم البياني أيضاً حصص الاحتياطيات الموجودة في جميع أنحاء العالم.
وأخيرا نود أن نتطرق إلى أهمّية تركيا من زاوية مصادر الطّاقة.
يقع حوالي72 % من احتياطيات البترول والغاز المنتج في العالم في منطقتنا الجغرافيّة. وتُركيا بحسب موقعها الجيوسياسي تحتل موقعاً مهمًّا للغاية. فهي في موقع " ممرّ الطاقة " بين دول بحر الخزر الغنيّ بالطاقة ودول وسط آسيا والشّرق الأوسط والأسواق المستهلكة الموجودة في أوروبا. فلدى تركيا أقدم خط أنابيب بترول، وهو خط أنابيب البترول الخام بين العراق وتركيا. وهو ينقل بترُول كركوك الواقعة شمال العراق إلى الغرب. وبلغ مقدار البترول الخام الذي نقله الخط 1,2 مليون برميل يومياً عام 2009م.
وكانت الطاقة على مدى التاريخ سبباً في فتح الدّول ووقوع الحروب وتسلّل الاستعمار، وإلى الآن لا تزال كذلك. ويجب أن نلقي أولاً نظرة على تاريخ حروب الطاقة، ثم نعبر بعد ذلك بحديثنا إلى وقتنا الحاضر. وعنواننا الآن هو "المسار الزّمني ".
* المسار الزّمني:
بدأ عصر الصناعة في إنجلترا في النصف الثاني من القرن الـ18م ومنها انتقل إلى أوروبا وأمريكا.
وأظهرت جميع التطورات في العالم أنّ الطاقة عنصر لا يُمكن الاستغناء عنه من أجل استمرار الحضارات. وقد تشكلت قناعة مفادها أنّ طريق أي دولة قوية لا بدّ وأن يمر عبر حلّ مشكلة الطّاقة. فكل دولة تتمكّن من حلّ مشكلة الطاقة تكون قد حقّقت قوّة مّا من الناحية الاقتصادية. فالدول القوية من النّاحية الاقتصادية هي الدول التي تشكّل عالم السّياسة.
لقد تغيّرت موازين القوى في العالم مع أول بئر بترول تم اكتشافه في عام 1859م في أمريكا وبنسلفانيا، وبذلك اتضحت أهمّية مصادر الطّاقة، وبدأت تتشكّل استراتيجيات مختلفة للحصول على مصادر الطّاقة. فمثلاً الألمان الذين لا يوجد في أراضيهم بترول ماذا فعلوا ؟ بالطبع حوّلوا أنظارهم إلى منطقة بلاد ما بين النّهرين يعني الأراضي العراقيّة اليوم.
أما في عام 1908م فقد اكتشف الانجليز أوّل بئر بترول في إيران. وبعد هذا مباشرة أُسّست واحدة من أكبر شركات البترول في العالم. وخلال هذه الفترة كان تشرشل على رأس السّلطة في إنجلترا. وقد استبدل محروقات الأسطول حيث شرع في استخدام البترول بدلاً من الفحم كي يتمكن من منازلة الأسطول الألماني. وكان هذا قراراً هاماً؛ لأنّه كان لا يوجد بترول في أراضيهم. وفي واقع الأمر فإنّ ترك الفحم مكانه للبترول يُذكر كفترة مُؤلمة في تاريخ العالم. وعلى هذا فإنّ الانتقال من الفحم إلى البترول هو في حقيقة الأمر واحدٌ من أسباب الحرب العالمية الأولي والثّانية.
أما بعد الحرب العالميّة الثّانية فإنّ الدّول الأوروبّية أدركت جيداً أهمّية الطّاقة، وبدأت في التحرّك بشكل جماعيّ.
ففي عام 1951م عُقد اتفاق باريس الذي شكل أُسس الاتحاد الأوروبي. وشُكل تجمع الفحم والفولاذ الأوروبي بستّ دول أعضاء كنتيجة لبيان "شومان ". وكانت هذه الدول الأعضاء تشمل: بلجيكا، وألمانيا الفدرالية، ولكسمبورج، وفرنسا، وإيطاليا وهولندا. وبهذه الصورة أصبح الفولاذ والفحم ـــــ اللّذان كانا المواد الخام للحرب ـــــــ السبب في انطلاق أوروبا في مشروع الاتّحاد.
ولكي نتمكن من فهم علاقة الاحتلال بمصادر الطاقة فإنّه من الضروري أن ننظر بشيء من التّفصيل إلى تاريخ الاستعمار.
بدأت الدّول الأوروبّية في القرن الخامس عشر والسّادس عشر في التوسع في القارّات الأخرى بواسطة التّكنولوجيا العسكريّة التي حصلت عليها. وبدأت هذه الدول في احتلال تلك المناطق بالمعني الحقيقي للكلمة. وكان البرتغاليون والأسبان هم الاستعمارّيون الأُول، فهاتان الدّولتان ظهرتا على ساحة التّاريخ كأوّل الإمبراطوريات الاستعمارية في العالم الحديث. فقد استعمرتا جنوب قارّة أمريكا خلال فترة وجيزة. وسارت الدّول الأوروبية الأخرى على نهج كلّ من أسبانيا والبُرتغال. ففي القرن السابع عشر الميلادي انضمت هولندا إلى المنافسة كدولة استعمارية قويّة، ثم تبعتها انجلترا وهولندا. وهاتان القُوّتان الاستعماريتان الجديدتان استولتا على قارّة أمريكا والشّرق الأقصى. وأصبحت إنجلترا في القرن الثّامن عشر أكبر إمبراطورية استعماريّة في العالم. وقبل مرور الكثير من الوقت انضمت فرنسا وبلجيكا إلى المُنافسة. وفي القرن التّاسع عشر كان القسم الأكبر من قارة أمريكا وغالبيّة أفريقيا وكثير من دول الشّرق الأقصى تحت الاحتلال.
وكانت القوة الاقتصادية في واقع الأمر هي العامل الأوّل الذي دفع أوروبا للاستعمار اعتباراً من تسعينيات القرن التّاسع عشر. وأفرز التطوّر الصناعي بعض المشاكل المهمة، وزاد الإنتاج الصناعي تدريجيّاً. وكلما زاد الإنتاج لا يكون بوسع سكان تلك الدّول الصّناعية استهلاك هذا الإنتاج. وبدأت تظهر مُشكلة تضخّم الإنتاج داخل المُجتمعات الصّناعية. وذلك شرعت هذه الدول في البحث عن مجالات جديدة تُوزع فيها فائض الإنتاج هذا. ومن ناحية أخرى أيضاً، كان من الطّبيعي ظهور مشكلة المواد الخام اللاّزمة للصناعة. وهذا أدى بدوره إلى ضرورة الحُصول على أراضي جديدة توفّر المواد الخام.
وقد اعتبرت الدّول الأوروبّية الشّعوب الأفريقية " جنسًا بدائيا لم يتطوّر بعد". ومارس المُستعمرُون اِدّعاء "داروين" الذي لم يكن قائما على سندٍ علمّي، حتى يوفّروا المشروعية لهذا الاستعمار. وكان الأوروبّيون وفقاً لمنطق "داروين" ـــــ البعيد كل البعد عن العقل ــــــ متقدّمين عن الأجناس البشريّة الأخرى من النّاحية البدنيّة والذهنيّة. وكان داروين قد ذكر في كتابه المعروف باسم " نشأة الإنسان "، ماذا يجب أن يتم تجاه " الأجناس المتخلّفة " على هذا النحو:
" ربما في المستقبل القريب الذي لن يدوم قروناً سوف تمحو الأجناسُ البشريّة المتحضّرة الأجناس المتخلّفة من على سطح الأرض تماماً، وسوف تحلّ محلّها. ومن ناحية أخرى فإنه سوف تبادُ تماماً القرود التي تشبه الإنسان". (تشارلز داروين، نشأة الإنسان، ط2، نيويورك، أ.ل. بورت كو؛ 1874، ص178).
ولاقت هذه الادعاءات غير العلميّة دعماً كبيراً من قبل الاستعماريّين الذين يفضّلون الأوروبّيين على سائر البشر. ورأى هؤلاء الاستعماريّون تحت شعار " الدّاروينيّة الاجتماعية " أنّ لهم الحقّ في استعمار الأرض التّابعة لهذه الأجناس. وهذا ما أوقع الأهالي المحلّيين في المناطق الغنيّة بمصادر الطّاقة في جوعٍ وفقرٍ. وبصفة خاصّة وقع ظلمٌ مجحف على المسلمين. واستمرّ هذا الظّلم بشكل واضح منذ القرن الخامس عشر وحتى القرن التّاسع عشر، ثم تواصل بشكل سرّيّ اِعتباراً من القرن العِشرين.
فعلي سبيل المثال الجزائر.... حيث قامت فرنسا بضم الجزائر الغنية بالبترول والغاز إلى أراضيها عام 1830م . وظلت الجزائر مستعمرة فرنسية على مدى 132 عامًا. وقام في الجزائر نظامٌ اعتمد على القمع والقهر، وكان الهدف هو تحقيق الاِنصهار الثقافي. وفي بداية الأمر تمّ منع التّحدث باللّغة العربية ومُنع التّعليم. واعتبرت اللغة الفرنسية فقط هي اللغة الرّسمية في الحديث. وحتى إعلان الجزائر استقلالها، حُرقت قرى كثيرة من طرف الفرنسيين. وهُدّمت المدارس والجوامع. ولحقت أضرار فادحة بالزّروع والمواشي التابعة للشّعب الجزائري. وأصبح الاحتلال الفرنسي مالك رقاب عشرات الآلاف من البشر.
وقارة أفريقيا، كما هو معلوم غنيّة بمصادرها الباطنيّة، وفي ذات الوقت تُوجد بها مصادر للطاقة تمكّنها من أن تعيش في رفاهية من العيش. ولكن بسبب ما أصابها من احتلال لم تتمكّن شعوبها من استغلال هذه المصادر الطبيعيّة التي توجد في هذه القارة. ولهذا لم تستطع الدّول الأفريقية أن تتحول إلى دول صناعيّة. وقد رُسمت حدود معظم الدّول الأفريقيّة على موائد الدّول الاستعمارية. وكان هذا الوضع سبباً في اندلال الحُروب على الحُدود والنّزاعات الداخلية التي استمرت لسنوات في أفريقيا. وهذا أيضاً زاد من الجُوع والفقر الموجود في أفريقيا.
ووفقاً لتصريح منظّمة الأغذية العالمية فإنّ 38 مليون إنسان في أفريقيا معرّضون لخطر المجاعة. ولم يحدث الاستثمار بالقدر الكافي في مجال الصّحة في أفريقيا، فقد ظلّ اقتصادها متخلّفًا. وانتشرت في المنطقة بدرجة كبيرة الأمراض الوبائية وعلى رأسها مرض الإيدز. ففي عام 2002م فقد 499 ألف إنسان حياتهم بسبب الإيدز فقط.
وصرحت الأمم المتّحدة بأنّه خلال عشرين عاماً يُعتقد أن ثمانية ملاين أفريقي سوف يفقدون حياتهم بسبب الإيدز أيضاً.
ورغم أن أفريقيا ليست فقيرة من ناحية مصادر المياه إلاّ أنّه توجد مشكلة مياه في القارة بشكل فعليّ. وتوجد في تلافيف الصّحراء الكُبرى واحدة من أوسع طبقات المياه في العالم وأنسبها استخداماً. ولكن العجز الاقتصادي يقف حائلاً دون استخراج هذه المياه إلى السّطح. وبسبب ذلك يعيش النّاس محرومين من مياه الشّرب النظيفة. وهذا أيضاً صار سبباً لانتشار بعض الأمراض وعلى رأسها الدزينتاريا. وكلّ عام يفقد عشرات الآلاف من الأفارقة حياتهم نتيجة لهذه الأمراض.
والآن لنلق نظرةً نظرة على الوضع الموجود في كلّ من دولة " أنجُولا " و" نيجيريا " و"سيراليون " وهي من الدّول الأفريقيّة.
ـــــــــ أنجُولا بعد نيجيريا:
* ثاني أكبر دولة في استخراج البترول في قارة أفريقيا.
* 37% من السّكان عند خط الفقر.
* يحاول النّاس العيش بـ 1,75 دولارا في اليوم.
* من يتمتّعون بالخدمات الصّحية 30% فقط من النّاس.
* معدل من يتناولون الماء النظيف حوالي 42%.
ـــــــ أمّا نيجيريا فهي أكبر دولة في أفريقيا من حيث تعداد السّكان.
* أكبر مُنتج للبترول في أفريقيا بمعدل 2 مليون برميل يومياً.
* يتوفّر 80% من دخل الدّولة من البترول. ولكن دخل البِترول يتجمّع في يد مقاطعة صغيرة جداً. وهذا أيضاً هو السّبب وراء تزايد الخَلل الاجتماعي الموجود في الدّولة مع مرور كل يوم .
* 25% من الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن خمس سنوات في لا يتلقون غذاء جيّدًا. كما أن كل 154 طفلا من بين 1000 طفل يفقدُون حياتهم قبل بلوغ عُمر الخامسة.
* بسبب ارتباط اقتصاد الدّولة بالبترول فإنّ مجال الزّراعة والصّناعة يسير نحو التخلف باستمرار. والدولة كانت تمتلك زراعةً " تحقّق لها الاكتفاء" في الفترات الماضية، اليوم تضطر إلى استيراد بعض المواد الغذائيّة.
ــــــــــ سيراليون: يُعدّ اليوم القسم الأكبر من سكانها مسلمون، وهي أيضاً دولة أفريقيّة.
* رَزحت تحت الاستعمار البريطانيّ أعواماً طويلةً.
* يوجد في هذه البلاد أثمن معادن المَاسْ في العالم. ويُستخرج منها أيضاً الذّهب والتيتانيوم. ولكن رغم هذا الثّراء الذي تتمتع به سيراليون إلاّ أنّها تعاني من الفقر الشّديد.
* ووفق مصادر الأمم المتّحدة فإنّ مستويات الحياة فيها تعدّ أقلّ مُستوى في العالم، كما أنّها من أفقر دول العالم.
وتستمر حُروب الطاقة في وقتنا الحاضر أيضاً. فالأحداث التي تجري في الشّرق الأوسط، وحضور الاتّحاد الأوروبي في خضم هذه الأحداث، والأزمة الأوكرانية الرّوسيّة التي شغلت مساحات واسعةً في أخبار العالم في الفترات الأخيرة، كلّ هذه التطورات تعد من نتائج حروب الطّاقة. وننتقل الآن لنتطرق إلى هذه الموضوعات ضمن قسم "تقرير الوضع الرّاهن " وهو عنواننا التالي:
تقرير الوضع الراهن:
إنّ أكبر قوّة اِقتصاديّة موجودة في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية. وهي تبذل مساعي جبّارة لكي تحافظ على مكانتها هذه. ولهذا فإنّها تتدخل في مناطق مختلفة من العالم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتعتبر منطقة الشّرق الأوسط من أهم مصادر الطّاقة، وكما تعلمون فإن قسماً كبيراً من هذه المصادر موجود في هذه المنطقة، وأنّ ثلثي احتياط البترول في العالم أيضاً يوجد في هذه المنطقة. ولهذا السّبب فهي منطقة تُعدّ محور اهتمام جميع القوى في العالم.
وقد زادت الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً من سيطرتها على المنطقة في حرب الخليج. فمثلاً امتلكت حرّية التّصرف بالقدر الذي يجعلها قادرة على تحديد المجال الجوي لدول المنطقة، والتدخل في هياكلها الاقتصادية وحتى التّحكم في مساعدات أيّ دولة من دول المنطقة. ودعونا نلق الآن نظرةً على الدّول الموجودة في الشّرق الأوسط.
يوجد، إلى جانب الدّول المهمّة في المنطقة دول صغيرة تم اقتطاعها مثل الكويت والإمارات العربية المتّحدة ودولة قطر والبحرين. والسبب وراء ذلك هو تقسيم الاستعمار البريطاني لاحتياطي البترول الموجود في المنطقة.
وأهم منتج للبترول في المنطقة هي المملكة العربية السعودية باحتياطي يقدر 265,9 مليار برميل. وتأتي إيران بعد السّعودية باحتياطي قدره 157 مليار برميل، وتأتي العراق بعد إيران باحتياطي قدره 150 مليار برميل.
وتقدّر حاجة الولايات المتّحدة الأمريكية من البترول سنوياً بـ 7,5 مليار برميل. وهذا هو سبب أهمّية البترول الملحة بالنّسبة إلى أمريكا. ولهذا السّبب تسعى الولايات المتحدة الامريكية لأن تكون متحكمة في منابع البترول. ومن هذا المُنطلق يُصبح الشّرق الأوسط مسرحاً لأحداث مختلفة. فالولايات المتحدة الأمريكية احتجّت بأسباب ظاهرية من قبيل منع انتشار أسلحة الدّمار الشامل،فجهّزت حملةً عسكريّة كبيرة على العراق وأسقطت نظام صدّام حسين. بيد أن مفتّشي الأمم المتحدة كانوا قد صرّحوا بأنّه لا يوجد بالعراق أسلحة دمار شامل. وكان حشد أمريكا للقوات في الخليج من أجل الحملة على العراق من ناحية، وبالموازاة مع ذلك ارسال مفتّشي الأسلحة لهذه الدّولة هدفه خِداع الرأي العام.
هذا يعني بوضوح أنّ الحملة العسكرية كانت ستنفّذ مهما كانت النتائج. وما تدّعيه الولايات المتحدة الأمريكية من حرص على جلب الدّيمقراطية إلى الشرق الأوسط لا يعكس الحقيقة بالتأكيد. كما أنّ ربط الولايات المتحدة الأمريكية بين القاعدة والعراق بعد 11 سبتمبر لا يقوم على سند قويّ. فالسّبب الحقيقيّ للحملة التي شُنت على العراق هو البترول. والولايات المتحدة الأمريكية دولة عُظمى تتحكّم في الشّركات العملاقة البالغ عددها 200 شركة. ومعظم هذه الشركات أيضاً هي شركات سلاح وبترول. فالولايات المتحدة الأمريكية من ناحية تضاعف ربح شركات السلاح بالتدخل المُسلح في هذه الدول، ومن ناحية أخرى تفي باحتياجات شركات البترول العملاقة.
ودعونا أيْضاً نلتفت إلى أحداث سوريا القائمة بجوارنا. تدُور رحى حربٍ أحدُ طرفيها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وفي الطرف الآخر إيران ورُوسيا والصّين. والسّبب الرئيس لهذه المواجهة هو تقاسم مصادر الطّاقة. حيث أنّ المأساة الإنسانية التي يعيشها النّاس في سوريا والإبادة الجماعية التي يتعرض لها المسلمون لا تعنيهم في شيء.
وليست الدّول فقط معنية بالشّرق الأوسط ، فإنّ الجماعات الإرهابيّة أيضاً تسعى إلى السّيطرة على هذه المنطقة المحوريّة، فالمَعارك الطاحنة تدور في المناطق الغنيّة بمصادر الطاقة. فلو ألقينا مثلاً نظرة عامّة على العراق نلاحظ أنّ السّليمانية والموصل وكركوك غنيّة جدًّا بالبترول، وخصوصًا منها المُوصل. والوضع في سوريا أيضاً لا يختلف في شيء، فما يدُور في سوريا أو العراق اليوم هو حرب تشتعل من أجل مصادر الطّاقة وعلى رأسها البترول والغاز الطبيعي وكذلك من أجل التحكم في خطوط نقلها. وهذا يُعتبر السّبب الرئيسي لظهور الصّراع الموجود في سوريا وظهور تنظيم الدّولة الإسلامية.
بعض آبار البترول الموجودة في دير الزّور والمناطق الشّرقية من سوريا، ومدينة الموصل وصلاح الدّين بالعراق هي تحت سيطرة تنظيم الدّولة. وكان تنظيم الدولة قد استولى بالإضافة إلى هذا على مخازن المحروقات والبترول الخاصة بالدولة والموجودة في "حمام الخليل" الواقعة في مدينة الموصل. ويبيع تنظيم الدولة هذه المواد عن طريق التّهريب وهم بذلك يضيّقون فجوة التّمويل الخارجي. وهم يبيعون البترول بسعر رخيص للغاية حيث يبلغ سعر البرميل ما بين 25 و 60 دولارا. أمّا سعر برميل البترول في السّوق العالمية فهو 100 دولار. ويُعتقد أنّ دخل التّنظيم من البترول في السّنة يبلغ حوالي 730 مليون دولار.
ونأتي الآن للحديث عن الأزمة بين روسيا و أوكرانيا. وتعتبر أوكرانيا دولة مرتبطة بروسيا من الناحية الاقتصادية والتجارية ولا سيما في مجال الطاقة. والقسم الأكبر من صادرات أوكرانيا يُصدّر إلى رُوسيا، كما أنّ احتياجاتها المختلفة يتم تأمينها من رُوسيا.
وتشتري أوكرانيا – شأنها شأن الدّول الأوروبية الأخرى- الغاز الطبيعي من رُوسيا. وفي هذا الصدّد تم تدشين مشرُوعات جديدة مثل خط أنبوب الغاز الطبيعي المتّجه شمالاً والذي دخل الخدمة في عام 2012م. وهكذا يُنقل الغاز الطبيعي الرّوسي مُباشرة إلى أوروبا.
وروسيا هي الراعي للشّعب الروسي الموزع في أماكن شتي بعد انهيار الاتّحاد السوفييتي المكون من جمهوريات اشتراكيّة. وروسيا تَعتبر أنّ أوكرانيا والقرم وجُورجيا وبيلاروسيا ومولدافيا حديقة خلفيّة لها. وهي قلقة من مساعي الدّول الغربية لإقامة نشاطات في هذه الأماكن.
فروسيا ترى أنّ الثورة الورديّة في جورجيا عام 2003م، وثورة أوكرانيا البرتقالية في عام 2004م هي نتيجة هذه السّياسات الغربية.
أما السبب الآخر الذي أصاب روسيا بالقلق والارتباك فهو عضويّة كل من جورجيا وأوكرانيا في حلف النّاتو حيث اِنضمت كلاهما لهذا الحلف عام 2008م.
والعلاقات الاقتصادية المتبادلة هي من تكبح جماح الحرب القويّة بين روسيا والدول الغربية على أوكرانيا. فألمانيا وأنجلترا، بصفة خاصّة تعطيان دوراً أكبراً للدّبلوماسية من أجل الوصول إلى حلّ، ولا يتعجّلان العقوبات الاقتصادية. لأنّهما يُدركان أن اقتصادهما سوف يتأثّر جرّاء العُقوبات الاقتصاديّة.
فلو أخذنا ألمانيا مثلاً كنموذج نجد أنّ حجم التّجارة البينيّة بين ألمانيا وروسيا حوالي 77 مليار دولار. وأنّ ما يقرب من 50% من مصادر طاقة ألمانيا يتوفر من رُوسيا.
كما أنّ مُعظم دول أوروبا مرتبطة بروسيا في موضوع الطّاقة. وتستخدم روسيا هذا السّلاح بشكل جيد. ويدرك الرئيس الروسي "بُوتين" انقسام الدّول الأوروبية فيما بينها في هذا الشّأن. ولذا فحينما تحدّد روسيا أسعار الطّاقة، فإنها تبيع لكل دولة بعقد وسعر مُختلف.
ورغم كلّ هذا، فإنّ الخطر الأكبر بالنسبة إلى روسيا هو العقوبات التي سوف يشترك في تطبيقها الاتّحاد الأوروبي وحلف النّاتو ودول العالم الأخرى. فقد خسرت بورصة روسيا في أزمة أوكرانيا الأخيرة 58 مليار دُولار.
وبعد الصّراع الموجود في أوكرانيا، فإن سبب اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة البلقان أيضاً هو الطاقة، فمنطقة البلقان تلعب دوراً رئيسياً في نقل مصادر الطاقة الموجودة في مناطق وسط آسيا وبحر الخزر إلى أوروبا. والولايات المتحدة الأمريكية تريد أيضاً أن تلعب دور المتحكّم في منطقة البلقان. وبهذه الصورة تهدف إلى تقليل سيطرة روسيا على طرق الطّاقة. وقد ساعدت الفوضى الموجودة في أوكرانيا على ظهور تركيا على ساحة الأحداث.
من المعلوم أنّ تأمين احتياجات أوروبا من الطاقة بالغاز الطبيعي الرّوسي يتم عن طريق خطوط الأنابيب التي تمرّ من الأراضي الأوكرانية. واقتراب روسيا وأوكرانيا من عتبة الحَرب عرّض أمن هذا الخطّ واستمرار ضخه للنفط للخطر. وحتّى عند تراجع خطر الحرب كان هناك احتمال عدم قدرة أوكرانيا على دفع سعر الغاز الطّبيعي الذي تشتريه. وهذا أيضاً قد يؤدّي إلى أنْ تُغلق رُوسيا في كلّ لحظة حنفيّات التّحكم.
وبسبب أن المرافق العامة في أوكرانيا كانت تستوجب اِستيراد الغاز المُسال من الولايات المتّحدة الأمريكية فإنّ هناك خطة لذلك طويلة الأجل. وفي ظلّ هذه الظروف كان أفضل خيار أمام أوكرانيا هو تُركيا ذات الاستقرار الاقتصادي والبنية التحتيّة القويّة. وهي دولة قريبة لأوروبا وكذلك لروسيا. وتركيا أيضاً مثل أوروبا تماماً دولة مرتبطة بالطّاقة. ولكنّها تمثل نقطة تقاطع مصادر الطاقة، حيث تمرّ من أراضيها ثلاثة خُطوط رئيسيّة:
1ـــــ بترول العِراق: من معروف أنّ هناك مفاوضات مستمرة منذ مدّة طويلة تجريها تركيا مع منطقة أكراد العراق ذاتيّة الحُكم. ومن المُحتمل أن يكون للولايات المتّحدة الأمريكيّة تأثيرات سهّلت الحلّ على الإدارة المركزيّة في العِراق.
2ـــــ مشروع طَنَبْ (Tanap): يعني مشرُوع خط أنابيب الأناضول للغَاز الطّبيعي. ويهدف إلى نقل غاز أذربيجان إلى أورُوبا عبر الأراضي التّركيّة.
وتُركيا مُساهمة في المشروع بنسبة 30%.
وفي البِدايَة كان يَنقل 16 مليار متر مكعّب من الغاز الطّبيعي،
حيث يخصص 10 مليار متر مكعّب لأوروبا و6 مليار متر مكعب لتُركيا.
وومن الخطط أن تنتهي مرحلتُه الأولى في عام 2018م.
3ــــــ الغاز الطّبيعي إسرائيل ـــــ جنوب قبرص:
هذا الغاز الطّبيعي المَوجود في شرق البحر المتوسّط لا يُمكن أن يصل إلى أوروبا.
ففي بداية الأمر يجب حلّ مشكلة قبرص،
كما يجب عودة العلاقات الإسرائيلية التّركيّة لحالتها الطبيعيّة.
والآن، نصلُ إلى العُنوان الأخير في برنامجنا، ونطّلع جميعاً على الأحداث الجارية ما وراء كواليس حرُوب الطاقة ؟
ما وراء السّتار:
في واقع الأمر تداخلت حرب الطاقة مع سباق التسلّح. وبخصوص صناعة الأسلحة، فإنّه يتم إنتاج الأسلحة في كلّ لحظةً في مصانع الدّول العظمى. وفي نهاية الأمر تصل إنتاجية السّلاح المُصنع إلى كميات كبيرة جدّا إلى درجة أنّه لن يكون من المُمكن تخزينُها. وبالتّالي تنشأ الحاجة إلى سوق جديدة لكي يتم تفريغ المخازن المملوءة. ومن هذا المنطلق فإنّ هذه الدول المصنّعة لهذا السّلاح تبحث عن مجالات جديدة تجرّب فيها الصّواريخ والقنابل الجديدة التي تم إنتاجها.
وأخيراً تنتهجُ الولايات المتّحدة الأمريكيّة اِستراتيجية خاطئة مثل توجيه الضّربات الجويّة بالقنابل من أجل إيقاف تنظيم الدّولة. فبعد العراق، نفّذت هجمات جوية مُوجهة ضدّ أهداف لتنظيم الدّولة في سوريا، واَستخدمت في هذه الهجمات الجوية لأوّل مرّة طائرة حربية من نوع أف- 22 التّابعة للجيش الأمريكي. وقدّمت الدعم لهذا الهجوم كل من المملكة العربية السّعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر. وأعلنت منظمة تقصّي حُقوق الانسان السّورية أنّ حوالي 11 مدنياً فقدوا حياتهم في هجوم الطّائرات الحربية الأمريكيّة.
وإذا لم تَعدِلْ الولايات المتحدة الأمريكية عن هذه السّياسة الخاطئة فإنها سوف تمطر سوريا والعراق بمئات الآلاف من القنابل. والدّول الإسلامية التي تدعم هذه الهجمات لا تفكّر قطّ في نتائج هذه الهجمات، فمن تُلقى عليهم القنابل ومن يستشهدون هم كذلك مسلمُون. وما يتم تخريبه بواسطة هذه القنابل هي منازل المسلمين ومساجدهم. فالمباني التي شيّدها العِراقيون بجهود عظيمة وتكاليف باهضة يتمّ الآن تسويتها بالأرض. ولكي يُعيد العراق بناء مدنه المدمّرة مرّة أخرى فإنّه يكون مضطرا إلى بيع بتروله للدّول التي قصفته بالقَنابل.
ومن ناحية أخرى هناك دول غنيّة مثل المملكة العربية السّعودية تريد أن تؤمّن نفسها وسط هذا الصراع. وهذه الدّول أيضاً تبيع بترولها، وفي مقابل هذا تستمر في شراء الأسلحة. وبهذه الصّورة سوف تصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى بترول الشّرق الأوسط الذي تريده. كما أنّها تكون قد عوّضت أموال الطّائرات الحربية والقنابل. وبهذا سوف تستمرّ مصانعها في إنتاج السّلاح، ويظلّ المُسلمون يسقطون شهداء بواسطة هذه الأسلحة.
حسناً، لماذا تهتم أمريكا بهذه المخّططات المتعلقة بالشّرق الأوسط ؟، ولماذا تُقدِم على الإنفاق بهذا القدر؟ أجَلْ، قُلنا في مقابل أن تأخذ البترول. وقلنا لكي تجد سوقاً تبيع فيه أسلحتها. ولكن أمريكا تتعجّل اِمتلاك بترول الشّرق الأوسط بصفة خاصّة لأنّ التقديرات تفيد بأنّ احتياطيات العالم من البترول سوف تكفي مستقبلاً لمدة 53 عاماً فقط. والمشكلة الحقيقيّة هي تكدّس الاحتياطيات في بعض المناطق، بمعنى أنّ المُشكلة هي في تقاسم احتياطيات البِترول.
ولكي نفهم هذا بشكل أفضل يجبُ أن نُقارن اِحتياطيات الولايات المتحدة الأمريكية واحتياطيات الشّرق الأوسط. فعُمر بترول الولايات المتحدة الأمريكية لا يكفي سوى لـ12 سنة. وفي مقابل هذا نجد أنّ عمر بترول الشّرق الأوسط يصل إلى 78 سنة.
وهكذا تبدو المنطقة لا تقدّر بثمن بالنّسبة إلى الدّول المُرتبطة بالخارج في مجال الطّاقة. ويمكننا الاطلاع على احتياطيات البِترول في الولايات المتحدة الأمريكية والشّرق الأوسط في الأعوام الماضية بمعدّلاتها.
وكما يُلاحظ أيْضاً في الرّسم البياني، فبينما تزيد احتياطيات البترول في الشّرق الأوسط، فإن احتياطيات الولايات المتحدة الأمريكية قد تناقصت تدريجيًّا.
ومع احتياجات الطّاقة المُتزايدة تتّجه أمريكا إلى الاعتماد على الخارج مثل الدّول الأوروبية. ولهذا السّبب، تشعر بأنّها مضطرّة إلى التّدخل في الشّرق الأوسط تحت اسم الدّيمقراطية. وفي كل خطوة تخطوها يبرُز مفهوم المُستعمر الذي تُوصف به الدّول الغربيّة منذ وقت بعيد. وعندما تكون مصالح هذه الدول هي الأمر المهمّ فإنها تتصرف بأنانيّة وبأسلوب قاسِ. وهم يعتبرون أن لا قيمة للمُسلمين، ويرون أنّه من الجائز لهم سَحقهم، ولا يتورّعون عن الإقدام على الاستيلاء على الثروات الباطنية الموجودة في أراضي المُسلمين كما لو أنها ملكٌ لهم.
ولهذا الاعتبار يجب أن يتمّ تقسيم المصادر الموجودة في العالم تقسيما عادلاً، وليس الحلّ في إعلان الحرب من أجل الاستيلاء على المصادر الموجودة أو التي ستنفد، وصرف مئات المِليارات. فالولايات المتّحدة الأمريكية تخصّص كلّ عام ميزانية تفوق الـ600 مليار دولار كمصروفات للدّفاع والحَرب. ومن الجدير أن نذكر أنّ تكلفة اليوم الواحد فقط من العمليات التي تقوم بها ضد تنظيم الدّولة تصل إلى 7,5 مليون دولار. ومن المهم أن نفهم أنّ إنتاج السّلاح وبيعه هو عملية تدخل في إطار توفير جميع هذه المَصاريف. وفي النّهاية فإنّ المسلمين وكذلك جنودهم يفقدون أرواحهم بسبب حرب الطّاقة هذه. ولو أنّ الجهد الذي تُنفقه الولايات المتحدة الأمريكية من أجل السيطرة على بترول الشّرق الأوسط تفعل مِثله للبحث عن احتياطي جديد في أراضيها فإنّ ذلك سوف يكون أنفع وأجدى. وبهذه الصّورة سوف يتوقّف نزيف الدّم من أجل البترول في الشّرق الأوسط. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ أعباء الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية سوف نخفضُ انخفاضًا كبيرًا.
ولعلكم تتساءلون كم أنفقت شركات البترول الكبيرة الموجودة في أمريكا كي تتمكن من حماية مستوى البترول المُنتج. خلال العشرين عاماً الماضية أنفقت هذه الشركات حوالي 260 مليار دولار، يعني مقدارًا أقلّ بكثير ممّا صُرف على الحملات العسكريّة والصّواريخ والقنابل التي تُلقى على الشّعوب. أما بالنسبة إلى الدّول الأوروبية فإن الوضع مختلف قليلاً. فهذه الدّول منخرطة بدورها في حرب الطاقة وبالنهج النفعي الأنانيّ نفسه لأنّه لا يوجد بترول في معظم الدّول الأوروبية. وفي ظل هذا الوضع فهي لا ترى خياراً سوى أن تكون دولا مستعمِرة، إلاّ أنّه مهما كانت احتياطيات البترول كبيرة فإنّها ستنفد يوما ما. فلماذا يتمّ إذن جلب كل هذه الآلام لشعوب الأرض بدافع الرّغبة في السّيطرة على شيء آيل إلى زَوالٍ؟
إنّ جميع الدّول لو تريد أن تعتمد على الخارج، وبالتّالي لا ترغب في أن تعيش أزمة نقص في الطّاقة، ولذا يجب عليها أن تخلق مصادرها الخاصة بها من الطاقة. وتبدو أهمّية مصادر الطاقة المتجددة أفضل في هذه النقطة. وفي هذه الحالة يمكنها إنفاق الميزانيات التي تذهب إلى حرب البترول في تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة. فمثلاً ألمانيا في هذا الموضوع تعدّ دولة رائدة، فالطاقة التي وفّرتها من الشّمس تعادل قوة 20 محطة نوويّة.
الخاتمة:
عندما تكون الحقائق واضحة فليس من الوَجاهة على الإطلاق إظهارُ كون الحلّ الوحيد هو اِحتلال أراضي الدّول الإسلامية. ففي هذا الموضوع لا بد أن تغيّر الدّول الأوروبية القناعة بكون الشّعوب الغربيّة أفضل من الشّعوب الإسلامية. وهدم المَنطق الدّارويني الذي وضع أُسس الاستعمار هو أمرٌ حيويّ. إنّ جميع البشر مهما كانت أعراقهم مُتساوون في الحقوق، وليس لأيّ جنس قط الحقّ في الاستيلاء على حقوق الأجناس الأخرى. إنّ منطق الأقوى والأفضل وفكرة البقاء للأقوى وسحق الأضعف تدخل كلّها ضمن هذيان النّظرية الدّاروينية. وبنفس الرؤية فإن عبارة التوزيع العادل هي أيضاً منطق من يُفكرون في أنفسهم فقط بدافع أنانيّ. والتّعليم شرط حاسم تجاه هذا التّيار الذي يجرّ النّاس إلى التعصب والكراهية وعدم الاكتراث بآلام الآخرين. ويجب التصرف بروح الشّفقة وليس بمنطق الدّول الغربيّة الاستعماريّ.
أجل، لقد وصلنا إلى نهاية حلقتنا من برنامجنا لهذا اليوم. ونلقاكم مرة أخرى في حلقة جديدة ... مع تحيّاتنا للجميع.