ماذا لو لم يكن؟
ماذا لو لم يكن؟ الجزء الخامس: حديقة الحيوان
المقدم: نُكمل زيارتنا إلى حديقة حيوان دريكا، يوجد هنا العديد من فصائل الحيوانات لنراها ونتحدث عنها، يجب أن تأتوا هنا يومًا ما. في هذا الجزء، سنريكم البوم وطرق طيرانها الرائعة، والبطاريق، والدببة، والراكون والعديد من الحيوانات الأخرى. لذا دعونا نبدأ "ماذا لو لم يكن؟".
البوم
أعظم قدرة لدى البوم، هي مقدرتها على تدوير رأسها لدورة كاملة حول أكتافها تقريبًا. خلق الله هذه القدرة للبوم لأن عيونها ثابتة في محجريها ولا تتحرك، فلا تستطيع تحريك عيونها كما تفعل باقي الحيوانات الأخرى، لكنها تستطيع تدوير رأسها 270 درجة كاملة، أليست هذه مقدرة جميلة؟ بالطبع أعناقها وأوعيتها الدموية مُصممة خصيصًا لتسمح لها بتدوير رؤوسها بهذه الطريقة. على سبيل المثال: نملك نحن 7 عظام في رقابنا، بينما يوجد لدى البوم 14 عظمة، وبينما تمر شراييننا على جانب الرقبة، تمر شرايين البوم مباشرة أمام الحبل الشوكي، مما يُتيح لها الدوران 270 درجة بدون صعوبات.
لدى البوم خاصية أخرى رائعة، فهي لا يصدر عنها أي صوت خلال طيرانها، وبذا تستطيع الاقتراب من فرائسها بدون أن يسمعوها. يُغطي أجساد البوم ريش ناعم ودقيق، والذي يعمل ككاتم طبيعي للصوت، مما يعني أن أجنحة البوم لا تُصدر أي صوت خلال طيرانها، فلا يمكنك أبدًا معرفة أن هناك بومة تقترب منك إلا إذا رأيتها. والآن لنرَ كيف ألهم هذا المخلوق الرائع العلماء وساهم في التقدم التقني.
الأمان هو أحد أهم سمات القطارات اليابانية فائقة السرعة، والسمة الأخرى المهمة هي أنها متوافقة مع معايير البيئة اليابانية. إدارة سكة الحديد اليابانية هي أكثر منظمة مُدققة في العالم عندما يتعلق الأمر بالالتزام بالمعايير البيئية. تنص معايير وزارة البيئة اليابانية على أن أي قطار يمر بمنطقة سكنية في مسافة أقرب من 25 مترًا يجب ألا يُصدر ضوضاء أعلى من 75 ديسيبل. تُصدر السيارات ضوضاء أعلى من 80 ديسيبل عندما تتحرك من بعد سكونها في إشارات المرور عندما تُضيء باللون الأخضر. من الممكن أن يُعطيكم هذا فكرة جيدة عن مدى هدوء هذه القطارات السريعة والتي يُطلق عليها اسم شينكانسن.
تكون الضوضاء المنبعثة من القطار بسبب حركته على السكة الحديد حتى يبلغ سرعة معينة، لكن طالما بلغ سرعة 200 كيلومتر لكل ساعة فمصدر الضوضاء يكون إيروديناميكيًا ناتجًا من احتكاك القطار بالهواء فقط.
المسبب الأهم في الضوضاء الناتجة من حركة الهواء - الإيروديناميكية - هو ناقل الطاقة (البانتوجراف) الذي تستخدمه القطارات في نقل الكهرباء من الأسلاك المُعلقة. أدرك المهندسون أنهم لن يستطيعوا تقليل الضوضاء الناجمة من البانتوجراف العادي لأنه مستطيل الشكل، لذا بدأوا في التدبر في أشكال الحيوانات التي باستطاعتها التحرك بسرعة عالية، وبهدوء، وقد ناسبت البومة هذا الوصف تمامًا.
يُحلق البوم بهدوء أكثر من أية فصيلة أخرى من الطيور، وهذا بسبب خلق أجنحتها البديع. يتغلب البوم على الضوضاء الإيروديناميكية التي تنتج من حركة القطارات السريعة بفضل المنحنيات والنعومة الموجودة في ريشها. تنتج "الضوضاء الإيروديناميكية" من الدوامات الحادثة في تيار الهواء، وتزيد الضوضاء كلما كبرت الدوامات. الشكل المسنن لريش البوم لا يوجد ما يماثله في أنواع الطيور الأخرى، وينتج بسببه دوامات أصغر، بدلًا من الدوامات الكبيرة، وبهذه الطريقة يتمكن البوم من الطيران بهدوء جدًا.
إذًا هل تتخيلون كيف طبق العلماء شكل هيكل الجناح الخارق، الذي خلقه الله في البوم ونقلوه إلى القطارات السريعة؟ عن طريق استخدام بانتوجراف تشبه ريش البوم المسنن وغير المنتظم، ولذا فالقطارات اليابانية فائقة السرعة التي تمر خلال المناطق المزدحمة في مسافة أقل من 25 مترًا تُسبب ضوضاء أقل من حركة المرور هناك.
الدببة
أول حيوان يأتي على الذاكرة حينما نذكر البيات الشتوي هو بلا شك الدب. الدببة تدخل في البيات الشتوي لعدة شهور كل عام، وخلال هذا الوقت قلما تتحرك، ولا تفقد شيئًا يُذكر من قوة عضلاتها أو كثافة عظامها، بينما على العكس في البشر، فإذا أُجبر شخص ما على البقاء بدون حركة في السرير، فكلنا نعلم أن عضلاته سيصيبها الوهن وستصبح عظامه هشة وسهلة الكسر.
يعكف العلماء حاليًا على محاولة إيجاد حلول لهشاشة العظام، عن طريق دراسة الخصائص الفائقة للدببة.
البطاريق
هناك بطاريق تعيش في الأجواء الحارة، تمامًا مثل التي تقف خلفنا. هذه بطاريق المناخ الحار. الآن سنتعلم شيئًا ما عن البطاريق من مدير حديقة الحيوان السيد جوكمن: "تعيش هذه البطاريق في جنوب غرب أفريقيا، يوجد 17 نوعًا من البطاريق في العالم وتعيش العديد منها في مناخ حار. أهم سماتها هي الدوائر الحمراء حول عيونها، والتي تُشبه النظارات، وبما أنها تُحيط بعينيها الاثنين فهي تشبه النظارات لذلك، ولهذا السبب يُطلق عليهم البطاريق ذات النظارات. كما يوجد نقاط على صدرها، ومثل بصمات الأصابع في البشر، تساعدنا تلك النقاط على التفريق بينها، حيث يمتاز كل بطريق بعدد وأشكال مختلفة لتلك النقاط، لكن التفريق بين الجنسين هو الأمر الصعب، فعلى عكس باقي أنواع الطيور لا يمكننا استخدام المعاينة الظاهرية، وذلك لسمك طبقات جلود البطاريق، لذا ننتظر حتى موسم الإنجاب، فهي تصبح حيوانات مثيرة جدًا للاهتمام في موسم الإنجاب. البطاريق عائلة متكاملة جدًا، فبينما تحتضن الأم البيض، ينتظر الأب عند المدخل، ويُحضر لها ما تريده أيًا كان، وبهذا نعلم أن البطريق الذي يحتضن البيض هو الأنثى، والذي ينتظر عند الباب هو الذكر.
هي لا تستطيع الحياة في المناخ البارد، أليس كذلك؟ تم خلقها لكي تحيا في المناخ الدافئ.
نعم، لا يُمكنها الحياة في المناخ البارد، ولكن بما أنها ولدت ونشأت في حديقة الحيوان، لذا فحتى لو لم تجد درجات الحرارة العالية التي من المفترض أن تعيش فيها في الظروف الطبيعية، فيمكنها أن تحيا في درجات حرارة باردة نسبيًا، كما اعتادت أن تفعل الآن.
تكلمت عن واجبات الذكر بينما تحتضن الأنثى البيض، لقد رأينا بالفعل نفس الأمر في بطاريق المناخ البارد أيضًا، لشهور عديدة، يرفع ذكر البطريق البيض على رجليه، بينما تذهب الأم للبحث عن الطعام، وتعود بعد شهور.
نعم هي متشابهة، بالنسبة لبطاريق المناخ الدافئ، لا يحتضن الذكر البيض مثل ذلك، لكنه ينتظر عند المدخل، ويفعل كل ما تريده الأنثى. تتغذى البطاريق مرتين يوميًا، وغالبًا ما يكون على سمك الحدوق، كما يُساعد الذكر الأنثى على الأكل أيضًا، لأنها تحتضن البيض. هي كائنات غاية في الإيثار، وهذا أمر مفاجئ للغاية.
نعم، هذه الأمثلة موجودة في الطبيعة.
الراكون
نحن الآن ننظر إلى الراكون. يبدو أنها تتناول غداءها الآن، ويبدو أنها جائعة جدًا. لدى الراكون عادة فريدة، فغالبًا ما يغمرون طعامهم في الماء قبل أن يأكلوه، لذا فهم تقريبًا يغسلونه. على سبيل المثال: يلتقط الراكون الفاكهة من على الشجرة، ثم يضعها في الماء، ثم يأكلها. يبدو أنه يريد أن يأخذ الطبق أيضًا.
الطاووس
الآن، نحن أمام قفص الطاووس. ربما يكون الطاووس هو أكثر كائن مُزيّن في المملكة الحيوانية كلها، بالفعل شكله رائع للغاية. هل تعلم ماذا قال واضع نظرية التطور - تشارلز داروين - عن الطاووس؟ عندما نظر داروين للطاووس أدرك أوجه التناقض الكامن في نظريته، وقال لأحد أصدقائه في رسالة له: "لقد أصابني بالقشعريرة، وكلما نظرت للريش في ذيل الطاووس، وكلما حدقت فيه يصيبني الإعياء". وقد كان لديه الحق في أن يشعر بالإعياء، لأن مثل هذا الخلق الرائع لا يُمكن تفسيره في ضوء أفكار نظرية التطور، من المستحيل رياضيًا أن يظهر هذا الجمال تلقائيًا في فترة 100,000 أو مليون أو حتى مليار عام.
الزرافة
الزرافة هي أطول حيوان أرضي، بطول يصل حتى 5 أمتار، وأطول جزء في أجسادها هي الرقبة، تصل رقبتها لطول يبلغ مترين، وبكلمات أخرى، فالدم يُضخ من قلب الزرافة وينتقل إلى أعلى لمسافة مترين حتى يصل إلى دماغها. وبالتالي، تم خلق قلب الزرافة ليكون قويًا جدًا. يبلغ طوله 60 سنتيمتر ويزن 12 كيلوجرامًا تقريبًا. وكما ترون، يوجد العديد من الحيوانات في نفس القفص، وكلهم خلقوا لنفس المناخ. ملحوظة صغيرة أُخرى: الزرافة هي المخلوق الوحيد الذي يولد وعنده قرون، تخيل الضغط العالي للدم الذي يضخه هذا القلب، هذا الضغط بإمكانه أن يُمزق الأوعية الدموية التي توصل الدماء للمخ كلما أحنت الزرافة رأسها لتشرب الماء، لكن رغم هذا فلا يحدث مثل هذا الأمر، بسبب وجود صمامات أمان بأوعية الزرافة الدموية تحرص على وصول الدماء للدماغ بطريقة منضبطة. هذا العام، بدأ تطبيق تقنية مبنية على طريقة تنظيم الضغط في أوعية الزرافة الدموية في البذلات التي يرتديها الطيارون، دعونا الآن نُلقي نظرة على تفاصيل هذا الاكتشاف.
طيارو الطائرات النفاثة قادرون على التحليق بسهولة على ارتفاعات شاهقة بمساعدة التقنيات الحديثة. ومع ذلك، يجب عليهم أن يضعوا حدودًا لأنفسهم للعديد من الأسباب المختلفة، منها الجاذبية على سبيل المثال. وبما أن الطيارين يقومون بانطلاقات ومناورات عالية السرعة عندما يُحلّقون، يزيد هذا من تأثير الجاذبية. وفي الارتفاعات العالية، تنسحب الدماء من العقل والجسد ويُسبب هذا فقدان الوعي للطيارين. بإمكان الطيارين القيام بمناورات بهلوانية غاية في التعقيد باستخدام الطائرات الحديثة، لكن أنظمة الدفاع في أجسادهم تتخذ إجراءات احترازية تمنع مثل هذه المناورات، ولذا طور العلماء بذلات طيران تحاكي نظام الأوعية الدموية عند الزرافة، وتحمي الطيارين من هذه المخاطر.
لكن ما نوع الأوعية الدموية التي تمتلكها الزرافة؟ بالرغم من أنه يبدو من الصعب بالنسبة لزرافة ارتفاعها من أربعة إلى ستة أمتار أن تأكل أو تشرب، لكن بفضل قدراتها البدنية الرائعة، لا تظهر أية مشكلة، ضغط الدم الذي يصل إلى دماغ الزرافة خلال رقبتها يساوي ضعفي ضغط الدم في دماغ الإنسان تقريبًا، لأن القلب يحتاج لهذا الضغط العالي إذا كان سيضخ الدماء إلى ارتفاع مترين أو ثلاثة أمتار.
عندما تُنزل الزرافة رأسها لتشرب، يُصبح رأسها في مستوى أسفل من قلبها. من الممكن أن يُسبب ضغط دم عالٍ مثل هذا مخاطر عديدة على حياة أي حيوان، لكن الأوعية الدموية للزرافة لا تتأثر بذلك التغير المفاجئ في الضغط، والفضل في هذا يعود للخلق البديع المتقَن في أوعيتها الدموية. أظهرت التجارب أن خلال الحركة المفاجئة تنقبض الأوعية الدموية في رقبة الزرافة بالإضافة لغلق صمامات الأمان الصغيرة بداخل الأوردة الدموية، وبهذا تصل الدماء إلى الدماغ بطريقة مُنضبطة.
طبق العلماء هذا الخلق الرائع المتقَن في هيكل أوعية الزرافة على الملابس التي يرتديها الطيارون خلال تعرضهم لضغوط عالية أثناء الطيران. ترتفع الجاذبية تدريجيًا مع زيادة تحليق الطائرات، وتحت قوة تساوي ضعف الجاذبية يجد الطيارون صعوبة في التنفس.
مع بلوغ ثلاثة أضعاف الجاذبية يبدأ ضعف البصر، ولا يستطيعون التمييز بين الألوان، ويحدث فقدان الوعي والإغماء مع أربعة أو خمسة أضعاف الجاذبية. وللحماية ضد هذه الأخطار، طبق العلماء صمامات الأمان الموجودة في أوردة الزرافة في البذلات التي يرتديها الطيارون. ينضغط هذا الزي بطريقة منتظمة، ويدلك جسم الطيار من أسفل إلى أعلى. الطيارون الذين كانوا يفقدون وعيهم مع أربعة أو خمسة أضعاف الجاذبية استطاعوا التحمل حتى تسعة أضعاف، وكلما تمعنا في الخلق البديع في الحيوانات، كلما زادت مساهمتها في التقدم العلمي.
المقدم: لو لم توجد هذه الحيوانات، التي نجدها لطيفة أو جميلة أو في غاية الذكاء في بعض الأحيان، كنا سنُحرم من الكثير من المرح والجمال وهذا التوازن البديع في الطبيعة لم يكن ليوجد. كم هو سخيف أن نستيقظ في عالم لا يوجد به غناء الطيور، ولا الفراشات ولا الكلاب في الشوارع. لحسن الحظ، خلق الله مجموعة متنوعة من الحيوانات في العالم، ومنحنا الفرصة لنحبهم ونستمتع بهم. للأسف، لقد وصلنا لنهاية برنامجنا لهذا الأسبوع، لكن لا تنسوا أن بإمكانكم متابعتنا على فيس بوك وتويتر. اذهبوا وشاهدوا إصداراتنا السابقة وقتما تحبون. نراكم الأسبوع القادم، إلى اللقاء.