انتصار الانفجار الكبير على المادية

966

أظهرت نظرية الانفجار الكبير بوضوحٍ للعالَم العلمي أنَّ الله قد خلق الكون من العدم. ومع ذلك، لم يمنع هذا بعض الماديين من رفض الانفجار الكبير رفضًا أعمى.

فسَّر آرثر إدينجتون، الفيزيائي المادي الرائد، سبب هذه المقاومة كما يلي:

 من الناحية الفلسفية، يبدو لي تصور بداية مباغتة لنظام الطبيعة الحالي تصورًا بغيضًا. (S. Jaki, Cosmos and Creator, Regnery Gateway, Chicago, 1980, p. 54)

يرجع تصريح إدينجتون هذا بالطبع إلى الامتثال الأعمى إلى أحكامه الأيديولوجية المسبقة، ولكن ما ينبغي على العالِم فعله هو تقييم البيانات التي كشف عنها العِلم بطريقة موضوعية وقبول النتيجة مهما كانت.

كان عالِم الفلك البريطاني الشهير السير فريد هويل أيضًا منزعجًا كثيرًا من نظرية الانفجار الكبير. في منتصف القرن، اخترع هويل فكرته المضادة، نظرية «الحالة الثابتة».

لم تكُن هذه النظرية مختلفة كثيرًا عن نظرية «الكون الساكن» التي تمتَّعت برواجٍ عريض في القرن التاسع عشر. قالت نظرية الحالة الثابتة - تمامًا مثل النظرية المادية في القرن التاسع عشر - بالادعاء الكاذب بأنَّ الكون موجود منذ الأزل وذو حجم لا متناه.

كان الغرض الفعلي للنظرية هو دعم الفلسفة المادية، وكانت النقيض تمامًا لنظرية الانفجار الكبير، التي تفسِّر علميًّا خلق الكون. قاوم المدافعون عن نظرية الحالة الثابتة موجة الانفجار الكبير بعض الوقت، ولكن العلم كان يتقدَّم ويتطوَّر ضدهم.

في عام 1948، اكتشف أستاذ الفيزياء الأمريكي، جورج جامو، اكتشافًا مهمًا عن الانفجار الكبير. وفقًا لحسابات جامو، ينبغي أن يوجد في الكون كمًّا معينًّا من الإشعاع، من بقايا الانفجار الهائل. ينبغي أن يكون هذا الإشعاع منتشرًا على نحوٍ متساوٍ في أنحاء الكون بأكمله. لم يتأخَّر ظهور الدليل اللازم لتأكيد حساباته: ففي عام 1965، اكتشف الباحثان آرنو بينزياس وروبرت ويلسون سويًّا هذا الإشعاع.

كان هذا الإشعاع، الذي أطلقوا عليه «إشعاع الخلفية الكونية»، منتشرًا على نحوٍ متساوٍ في كلٍ مكانٍ بحثوا فيه في الكون. سرعان ما عُرِف أنَّ هذا الإشعاع هو أثر الانفجار الكبير، الذي ما زال يتردَّد صداه منذ اللحظات الأولى لذلك الانفجار العظيم.

حصل كلٌ من بينزياس وويلسون على جائزة نوبل مناصفةً عن هذا الاكتشاف الإبداعي.

كان هذا ما قاله آرنو بينزياس عن هذا الحدث الاستثنائي:

يقودنا علم الفلك إلى حدثٍ فريد، عالَم خُلِق من لا شيء… (Hugh Ross, The Creator and the Cosmos, How Greatest Scientific Discoveries of the Century Reveal God, Revised Edition, p. 122)

في عام 1989، أطلقت ناسا قمرًا صناعيًّا إلى الفضاء لدراسة ظاهرة إشعاع الخلفية الكونية. أكَّدت المجسّات الحساسة في القمر الصناعي، الذي يُسمَّى «مستكشف الخلفية الكونية» (COBE)، حسابات بينزياس وويلسون في 8 دقائق فقط. التقط مستكشف الخلفية الكونية بقايا استدلالية للانفجار الكبير الذي انبثق منه الكون.

شكَّل هذا الكشف، الذي عُدَّ اكتشاف القرن، دليلًا مباشرًا على الانفجار الكبير.

أذاع الإعلام العالمي هذا الدليل على الانفجار الكبير صاخبًا:

سنحاول الليلة أولًا شرح ما أطلق عليه اليوم أحد العلماء «اكتشاف القرن، إن لم يكن اكتشاف الأزمنة كلها» بمصطلحات يمكننا جميعًا فهمها. كانت هذه كلمات الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينج، مؤلِّف كتاب..

أُثبِتَت نظرية الانفجار الكبير من خلال دراسة سحب النجوم.

في برنامج (كلوز أب) هذا الصباح، سأنظر إلى خط يد الله. هذا ما يطلقه العلماء على أحدث بيانات تصلهم من الفضاء الخارجي، فعلماء الفيزياء الفلكية يشعرون بالقمر الصناعي القائم.

جاء المزيد من تأكيد البيانات التي حصل عليها مستكشف الخلفية الكونية من دراسات لاحقة. كانت إحدى هذه الدراسات البيانات التي جاءت عام 2000 من منطاد رصد يُعرَف باسم (بوميرانج) الذي انطلق عام 1998: أتاح المنطاد المجهَّز بمناظير ذات أحدث التقنيات، والذي سافر فوق القطب الجنوبي بـ 120 ألف متر، الحصول على بيانات مفصَّلة وواضحة عن إشعاع الخلفية الكونية.

قال مايكل تيرنر من جامعة شيكاغو، وأحد العلماء الذين حلَّلوا البيانات، إنَّ: البيانات التي حصلنا عليها عن طريق بوميرانج قد أكَّدت الانفجار الكبير كالتالي:

لقد نجح إطار الانفجار الكبير ونسبية أينشتاين العامة في اختبار جديد كبير.

أرسل القمر الصناعي الخاص بمسبار ويلكنسون لتباين الأشعة الكونية (WMAP)، الذي انطلق إلى الفضاء عام 2001، بيانات في عام 2003 تكشف عن تفاصيل مهمة مطابقة للبيانات التي حصلنا عليها من منطاد بوميرانج.

إلى جانب الأدلة مثل تمدد الكون وإشعاع الخلفية الكونية، كانت كمية غاز الهيدروجين والهيليوم الموجودة في الفضاء علامة مهمة أخرى. أوضحت الملاحظات العلمية أنَّ نسبة الهيدروجين للهيليوم في الكون هي بالتحديد ما تنبَّأت الحسابات ببقائه منذ الانفجار الكبير.

شكَّلت مستويات الهيدروجين العالية في النجوم التي ما زالت تحترق في الكون دليلًا أكبر على الانفجار الكبير، لأنَّ الكون إن لم تكُن له بداية وكان موجودًا منذ الأزل كما زعم الماديون، كان الهيدروجين ليكون قد تحوَّل الآن إلى هيليوم.

أدَّت كل هذه الأدلة الواضحة إلى الاعتراف بنظرية الانفجار الكبير في جنبات المجتمع العلمي. وبهذه الطريقة، اكتشف العلم حقيقة أنَّ الكون قد خُلِق.

حكى دينيس شاما، الذي دافع عن نظرية الحالة الثابتة مع فريد هويل لسنوات عديدة، كيف كان شعوره تجاه الدليل على الانفجار الكبير في السطور التالية:

كنت داعمًا لنظرية الحالة المستقرة، ليس بمعنى أنَّني كنت مؤمنًا بأنَّها لا بد وأن تكون حقيقية، ولكن بمعنى أنَّني وجدتها جذابة لدرجة أنَّني أردتها أن تكون حقيقية، ولكن مع تراكم الأدلة المعادية المستندة إلى الملاحظة، أصبح من الواضح أكثر وأكثر أنَّ اللعبة انتهت وأنَّ على المرء التخلِّي عن نظرية الحالة المستقرة. (Stephen Hawking's A Brief History of Time A Reader's Companion, pp. 62-63)

مع الانتصار العلمي للانفجار الكبير، أُلقِي بمفهوم «المادة التي وُجِدت منذ الأزل» الدوغمائي في صندوق قمامة التاريخ. اكتشف العلم أنَّ للمادة بداية وأنَّ الله قد خلقها من العدم، يثبت هذا وجود خالقٍ، وهي حقيقة أنكرها الماديون.

اضطر الفيلسوف الشهير آنتوني فلو بعد مواجهة هذه الحقيقة الجلية إلى الاعتراف بالتالي:

كما هو معروف، فالاعتراف مفيد للروح. ولذا سأبدأ بالاعتراف بأنَّ على الملحد أن يخجل من الإجماع الكوني المعاصر، إذ يبدو أن علماء الكونيات يقدِّمون دليلًا علميًّا على أنَّ للكون بداية. (Henry Margenau, Roy Abraham Vargesse, Cosmos, Bios, Theos, p. 241)

لم تثبت نظرية الانفجار الكبير أنَّ للمادة بداية فقط، ولكن أنَّ للزمن بداية أيضًا. خُلِق الزمن كذلك بفعل الانفجار الكبير، لأنَّ الزمن مفهوم يعتمد على المادة، ولا يمكن للمرء أن يتحدَّث عن الزمن دون وجود المادة.

أوضحت هذه الحقيقة أيضًا للعلماء أنَّ المادة والزمن قد خلقهما الله، الذي لا تحدّه هذه التصورات والقواعد التي تحكم كل الأشياء.

كتب عالِم الفيزياء الفلكية الأمريكي هيو روس، مؤلِّف كتاب «الخالق والكون - The Creator and the Cosmos»:

إذا كانت بداية الزمن متزامنة مع بداية الكون، فإنَّ سبب الكون لا بد وأن يكون كيانًا يعمل في بُعدٍ زمني مستقل تمامًا عن البُعد الزمني الخاص بالكون وسابق عليه. يخبرنا هذا أنَّ الخالق مفارق، يعمل مجاوزًا للحدود البُعدية للكون. (Hugh Ross, The Creator and the Cosmos, How Greatest Scientific Discoveries of the Century Reveal God, Revised Edition, p. 76)

تقبَّل العديد من العلماء الذين درسوا الأدلة العلمية دون أحكام مسبقة وجود إله قدير.

إذًا، كيف اكتشف العلماء «التوازن الدقيق» في الكون؟ كيف تشكَّل التوازن الخارق في الكون في الحقيقة؟

 


يشارك
logo
logo
logo
logo
logo
التحميلات