دعا النبي إبراهيم من حوله للإيمان بالله بالحكمة وبالكلمات الرقيقة، ولكنه قوبل برد مختلف تمامًا من المجتمع الذي عاش فيه. فقد فشل أغلب الناس في القبيلة في اتباع أوامر الدين الحق وأخلاقياته، وأصروا على وثنيتهم. فشن النبي إبراهيم كفاحًا فكريًّا كبيرًا ضد معتقداتهم الخرافية، واستخدم في سبيل ذلك سبلاً ووسائل عدة، منها إبعاد الكفار والمشركين عنه لتخفيف ضغطهم عنه، لذا فقد قال لهم إنه مريض. كما ذُكر في الآيات التالية في القرآن:
"إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ" سورةالصافات – آية 85 - 90
وبعد إبعاد الكفار عنه ذهب إلى الأصنام وحطمها، وترك واحدًا منهم فقط لم يُحطمه.
وعندما رأى قومه ماذا حدث وأن كبير الأصنام فقط تُرك سليمًا، ذهبوا على الفور يبحثون عن الشخص الذي فعل هذا. وقد بيّن القرآن هذه الأحداث:
"قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ* قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ" سورة الأنبياء – آية 59 - 62
كشف السؤال عن السبب الذي ترك لأجله النبي إبراهيم الصنم الأكبر سليمًا. وإجابته كما في القرآن:
"قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ" سورة الأنبياء – آية 63
وبعد سماع هذا الرد بدأ الكافرون في التفكير بجدية وفهموا أن آلهتهم لم تمتلك قط القدرة على الكلام. وهكذا نجحت خطته، فبسببها بدأوا في التفكير في منظومة اعتقاداتهم الوثنية، وذكر القرآن:
"فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ" سورة الأنبياء – آية 64
ولكن ندمهم هذا لم يستمر طويلًا. فبالرغم من فهمهم للحقيقة، إلا أنهم عارضوا مرة أخرى النبي إبراهيم للحفاظ على نظام عقائدهم الوثنية والذي كان يتماشى مع مصالحهم الدنيوية العابرة.
وهذه المرة قرر المشركون أن يردوا عليه بالعنف. ووضعوا أقسى خطة من الممكن تصورها. فكانت نيتهم أن يُلقوا بالنبي إبراهيم إلى النار ويحرقوه، وبهذا يضعون حدًا للصراع الفكري الدائر بينهم وبينه.
وبالرغم من هذا فقد أيّده الله كما يُؤيد كل رسله؛ فأمر النار أن تكون بردًا وسلامًا عليه. وهذه بالطبع إحدى معجزات الله.
وتُوصف قسوة الكفار وخزي خطتهم في القرآن كما يلي: