مرحبا ، نعود لكم مرة أخرى بموضوع جديد في وجهة نظر.
حقيقة مؤلمة يعلمها الجميع ... العالم به من المصادر ما يكفي الجميع ، ولكن قسم كبير من سكان العام يعيشون محرومين من الضّروريات الإنسانية الأساسية كالغذاء والصحة والتعليم ... 842 مليون شخص يعاني من الجوع.
ففي كل يوم يموت مئات البشر لأنهم لا يجدون طعاما أو شرابًا، حوالي مليار إنسان محرمون من الخدمات الصحية الأساسية ، واحد من كل أربعة أشخاص على وجه الأرض لا يجيد القراءة ولا الكتابة ، ورغم هذا فإن الميزانيات المخصصة للدفاع في العديد من البلدان أكثر من الميزانيات المخصصة للتعليم والصحة .
يتم شراء الأسلحة بالمليارات ومن جانب آخر يموت كل يوم ألف شخص بسبب الأسلحة، بينما يستمر سباق التّسلح بلا هوادة، وسنتناول سباق التسلّح الذي وصل إلى مستويات مخيفة.
لنبدأ الحديث عن ملف التسلح في برنامج وجهة نظر.
وملخص برنامج اليوم كما يلي: سنبدأ في المقدمة بعرض معلومات عن نفقات الدّول على الدفاع ومبيعات الأسلحة، وفي قسم المسار الزمني سنلقي نظرة على تاريخ التسلّح الذي اِستَعر في خلال الحرب الباردة .
وسنتناول بالحديث أسلحة الدّمار الشامل والطائرات بدون طيار كنقطة تحوّل في التسليح، وسنلقي نظرة على محاولات نزع السلاح. أمّا في قسم ما وراء الستار فسوف نتساءل عن استمرار التسلّح بأقصى سرعة ومحاولات نزع السّلاح وسنبيّن لحضرتكم كيفيّة تحقيق السّلام العالمي في ظل الحديث النبوي
خلاصة البرنامج
* المقدمة :
نفقات الدفاع
* المسار الزمني:
سباق التسلح
مساعي نزع السّلاح
* ما وراء الستار.
لماذا يستمر التسلح بأقصى سرعة؟
أجل، فلنبدأ بالمقدّمة.
المقدمة
إن الأرقام التي وصلت إليها صناعة السّلاح وتسويقه أرقام مدهشةٌ، فمجموع الدّخل القومي غير الصافي للعالم سبعون تريليون دولار، يُنفق منها كلّ عام على صناعة السّلاح والنفقات العسكرية 2.8 تريليون.
نرى على الشاشة نفقات الدفاع على مستوى العالم طبقا لإحصائيات المعهد الدولي للبحوث الإستراتيجية، وعلى رأس القائمة تأتي الولايات المتحدة الأمريكية برقم 600 مليار و400 مليون دولار، ويلي الولايات المتحدة الأمريكية الصّين برقم 112 مليار و200 مليون دولار، ثم روسيا في المرتبة الثّالثة برقم 68 مليار و200 مليون دولار ، ولكن في هذه القائمة ما يثير الانتباه، ففي القائمة المذكورة نجدُ الولايات المتحدة الأمريكية، والصّين وروسيا وانجلترا وفرنسا، أيّ الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، أي أنّهم الأعضاء الدّائمين في المنظمة المختصة بتحقيق السّلام العالمي ونزع السلاح. وطبقا لهذا التّضارب فإن ستّين في المائة من نفقات السّلاح في العالم تكون من نصيب خمس دول فقط ، وعند النظر إلى قائمة أكبر الدّول تصديرًا للسّلاح فسوف نجد هذه الدّول نفسها. ويظهر أمامنا الرّسم البياني لسنتي 2009- 2013 طبقا لإحصائيات المعهد الدولي لبحوث السلام باستوكهُولم:
تحتل الولايات المتحدة الأمريكية رأس قائمة الدّول الأكثر مبيعًا للسلاح في العالم بنسبة 29% ، وأكثر الدّول التي تبيع لها أمريكا هي كوريا الجنوبية واستراليا كلّ واحدة بنسبة 10% ، تليهم الإمارات العربية المتحدة بنسبة 9%.
إن روسيا هي ثاني مُصدّر للسّلاح في العالم بنسبة 27% ، وأكثر الدّول شراء للسّلاح من روسيا هي الهند بنسبة 38% والصّين بنسبة 12 % والجزائر بنسبة 11% .
ألمانيا ثالث أكبر الدّول تصديرًا للسّلاح في العالم بنسبة 7% ، وأكثر الدّول شراء للسّلاح من ألمانيا هي الولايات المتحدة الأمريكية ، ومبيعات ألمانيا للولايات المتحدة هي بنسبة 10% و لليونان وإسرائيل بنسبة 8%.
4- الصين
تحتل الصين المركز الرابع بنسبة 6% ، وأفضل مشتري للسلاح من الصين هي باكستان بنسبة 47% وبنجلادش بنسبة 13% وميانمار بنسبة 12%.
5- فرنسا
تحتل فرنسا الدولة الأوربية المرتبة الخامسة بنسبة 5%، وأفضل مشترٍ للسّلاح من فرنسا هي الصين بنسبة 13% والمغرب بنسبة 11% وزنجبار بنسبة 10 % .
6- انجلترا
نرى أن انجلترا خرجت من الخمس دول الأولى الأكثر بيعًا للسّلاح بنسبة 4% ، وأكثر الدّول شراء للسلاح من انجلترا المملكة العربية السّعودية بنسبة 42% ، والولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 18% والهند بنسبة 11%.
والآن لننتقل إلى القسم الخاص بالمسار الزمني، ولننطلق في رحلة عبر الزّمن في تاريخ سباق التسلّح بين هذه الدول، وعقب ذلك سوف نرى سويّا المساعي التي بُذلت لوضع حدّ لهذا السباق المحموم في مجال التسلّح.
المسار الزّمني
عقب الحرب العالمية الثانية لم يكن لأيّ دولة قدرة على الدّخول في سباق التسلح غير أمريكا والاتحاد السّوفيتي، وبعدما تملكت الدّولتان أسلحة نووية سبقت كلّ منها منافسيها بكثير، ولأول مرة تفقد الدول الأوربية دورها باعتبارها صاحبة الكلمة الفصل في العلاقات الدّولية .
لقد أظهر الجيش الأحمر أنه لن يخرج بسهولة من الأماكن التي احتلها أثناء الحرب في شرق أوروبا ووسطها، وأبانت أمريكا أنّه بإمكانها تشكيل جبهة ضدّ السوفييت، والنزاع بين الدّولتين هو الذي شكّل الفكرة الرّئيسية للنّظام الدولي الجديد.
ومن خلال الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي تحقّق توازن العالم بهذين القطبين، وتجمّعت الدول الأوربية حول هذه القوى العظمى، وتشكّل الحلف الغربي من الدّول الرأسمالية غير الشّيوعية ، بينما تشكل الحلف الشّرقي من الدّول الشيوعيّة، وهكذا مرّت فترة من الاضطراب السّياسي والعسكري العالمي بين الكتلة الشّرقية والكتلة الغربية.
أطلق اسم الحرب الباردة على الفترة الممتدة من 1947 حتى 1991م ، فأحداث مثل حرب فيتنام ومشكلة برلين وصراع الشرق الأوسط فيما بين 1956 – 1959م و حادث طائرة التجسس يو -2 ، وأزمة كوبا كلها كانت نتيجة للحرب الباردة ، ومن عاش في هذه الأيام يعرف هذا الأمر جيّدًا.
فقد عاش البشر وهم ينتظرون كل يوم سقوط قنبلة نووية على رؤوسهم ، وأي اختلاف بين القوى العظمى يتحول إلى مشكلة تهدد البشرية كلها، وتكتب عنه العناوين والأخبار في العالم أجمع.
وإذا شئتم لِنلقِ نظرة على قدرات السّلاح وأعداد الجيوش بالأرقام لدى الطّرفين أثناء الحرب الباردة:
في بداية عام 1960م وصلت مخازن السّلاح في أمريكا والاتحاد السوفيتي إلى درجة كبيرة من الفتك القتل، وعقب هذا وجد ونيستون تشرشل أن تعبير "ميزان القوى" التقليدي غير كافٍ، واستخدم تعبير "الصّدمة" أو "توازُن الرعب" لتعريف أسس القوة الجديدة .
وفي سنة 1983م أعلنت أمريكا للعالم أجمع عن مشروع الدّفاع الاستراتيجي، وكان هذا المشروع يهدف إلى اعتراض الصواريخ البالستية السّوفيتية في الهواء، وبتلك الصورة انتقل سباق التسلّح إلى الفضاء بنسبة كبيرة.
وفي سنة 1987م وقع رئيس الاتحاد السوفيتي جورباتشوف ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية رونالد ريجان " اِتفاقية القوى النوويّة "، وكان الهدف من تلك الاتفاقية وضع حدّ لسباق التسلّح، وكان هذا الأمر نقطة تحول في مسار الحرب الباردة .
ولكن التسلح ظل عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه باسم الحفاظ على موازين القوى التي تأسست، وزادت القوّة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة أمام الدّول الأخرى، واليوم فإنّ فارق القوة العسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأقرب منافسيها أكبر بكثير عمّا كان عليه سنة 1990م.
ولقد تكثف سباق التسلح في فترة الحرب الباردة في عهد ريجان، فقد كانت نفقات الدّفاع الأمريكية تعادل 26% من النفقات العالمية، ولقد زادت تلك النّسبة في عهد بوش ووصلت النّسبة إلى 50 %.
وفي الفترة الأولى من رئاسة بوش خططت أمريكا لنظام درع الصّواريخ ، وفي سنة 2001م انسحبت من اتفاقية منع الصّواريخ البالستية لسنة 1972م التي كانت حجر المحكّ في ميزان القوى العظمى في الحرب الباردة .
وبالتوازي مع هذا أصرّت على إنتاج القنابل النوويّة صغيرة الحجم وتزويد الصواريخ البالستية بالرؤوس النووية، وجعلت الأسلحة النووية التي تعد أقوى أسلحة الدّمار الشامل رمزًا لسباق التسلّح، والآن لنعرضْ بعض المعلومات عن هذه الأسلحة:
- سنة 1937م أول من استخدم أسلحة الدّمار الشامل كان النازيون في هجومهم الجويّ على مدينة جورنيجا في أسبانيا.
- سنة 1945 م كما هو معروف، فقد استخدمت الولايات المتحدة السّلاح النووي للمرة الثانيّة في الحرب العالمية الثانية، وكانت نتيجة القنبلة الملقاة على هيروشيما ونجازاكي في اليابان قتل 120 ألف شخص أكثرهم من المدنيّين، وبعد هذا الحدث زادت بسرعة المناقشات بخصوص استخدام السّلاح النّووي.
- في سنة 1952 م طورت الولايات المتحدة الأمريكية القنبلة الهيدروجينية وهي سلاح أكثر تأثيرا وتدميرا من القنبلة النووية، وقوة هذه القنبلة تعادل ألف قنبلة من القنابل النووية الملقاة على هيروشيما ونجازاكي.
- ومن أسلحة الدّمار الشامل التي تتسبب في القتل على نطاق واسع هي الأسلحة الكيميائية، ولنذكر هنا نبذة عن هذه الأسلحة:
- إن استخدام المواد الكيماوية كسلاح في ساحات الحرب كان في أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد استخدم الألمان غاز الكلورين سنة 1915م.
- وعقب ذلك وتحديدًا في سنة 1915م وضع الفرنسيّون غاز الفُوسْجَن في الذّخيرة وأطلقت على مناطق تابعة للألمان، وهذا الاستخدام أضحى الأساس عند استخدام الأسلحة الكيميائيّة .
- في سنة 1936م اكتشف الكيميائي الألماني جيرهارد شرودر غاز الطابون (GA) أثناء العمل على علاج الحشرات.
- في سنة 1938م اكتشف أيضا جيرهارد شرودر غاز السارين السام (GB) بعد اكتشاف هذا الغار بسنتين.
- ( نصف الشاشة ) فيما بين سنتي 1982- 1987م في الحرب الإيرانية العراقية استخدم العراق الأسلحة الكيميائية ضد القوات الإيرانية في جنوب العراق .
- (نصف الشاشة) استخدم العراق الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الأكراد في حلبجه، وتعدّ مجزرة حلبجه واحدة من أكبر الأحداث التّراجيدية في العالم، وبأمر من صدام حسين قامت طائرات الجيش العراقي بإلقاء قنابل الغاز الكيميائية على حلبجه في 16 مارس عام 1988م، وقتل خمسة آلاف شخص أغلبهم من الأطفال والنّساء وجرح ما يزيد على سبعة آلاف شخص.
وبعد مرحلة من السباق بأسلحة الدمار الشامل تحوّل سباق التّسلح إلى التّسلح بالطائرات بدون طيار، وطبقا للإحصائيات الأخيرة فهناك 12 دولة باعت لـ 31 دولة 353 طائرة بدون طيار، وأكثر الدّول التي اشترت طائرة بدون طيار هي إسرائيل حيث اشترت 114 طائرة.
ولقد تم تطوير أول طائرة بدون طيار سنة 1916م ، وتم استخدامها في الحرب العالمية الأولى والثانية، واستخدمت أنواعها الحديثة المتطورة في حرب فيتنام ، ولكن طوال هذه الفترة لم تتجاوز هذه الطائرات كونها طائرة ذات جهاز للتحكم فيها عن بعد.
وفي الثمانينات والتسعينات تم تطوير هذا النوع من الطائرات وتقليص حجمه، وقد حازت بشكل خاص على اهتمام الدوائر العسكرية الأمريكية، وأهم أسباب هذا الاهتمام أنّها رخيصة، كما أنّها قللت نسبة الخسائر من الجنود النظاميّين في المهام الخطرة إلى الصّفر، وتم تسليح هذه الطّائرات في خلال هذه الفترة وزُوّدت بصواريخ يمكن إطلاقها من الجوّ.
ولا شك أنه خلال عمليّات سباق التسلح تم قطع بعض الخُطوات في سبيل نزع السّلاح والحد من التّسلح.
وفي 24 يناير 1946م اتخذت الهيئة العامة للأمم المتحدة قرار بالإشراف على الطاقة الذّرية وأسست هيئة الطّاقة الذرية لاستخدامها في أهداف سلمية، وبناء على توصيات اللجنة العامة أسس مجلس الأمن هيئة الأسلحة التقليدية.
بيد أن كلا الهيئتين تم تأسيسها في أصعب أيّام الحرب الباردة، وغلب على أعمالهما مناقشة نزاع الشّرق والغرب ، ولذلك اتخذت اللّجنة العامة قرارا آخر في 11 يناير 1952م بتأسيس هيئة نزع السّلاح بدلا من هيئة الطّاقة الذّرية وهيئة الأسلحة التقليدية على أن تكون مهام هذه الهيئة كما يلي :
- التحكم في نزع السّلاح بما في ذلك الأسلحة النووية وزيادة القوات المسلحة .
- التحكم في الطاقة الذرية والقضاء على الأسلحة الذّرية
- تقليل تسليح القوات المسلحة بالأسلحة المتنوعة بشكل متوازن وتحديد التّسلح .
- وضع برنامج فعلى لنزع السّلاح.
لقد استمرت تلك اللجنة في عملها حتى سنة 1955م ولكنها لم تحقق أية نتيجة، وكانت أوّل اتفاقية لنزع السّلاح بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وانجلترا سنة 1963م ، وتم منع التّجارب النوويّة إلى حد ما، وحُدّد استخدامها ولكن لم يتم تقليل عددها.
وعُقد أول اجتماع لتقليص الأسلحة النووية الاستراتيجية سنة 1969م، وتم التوقيع على الاتفاقية التي سمّيت "سلت 1" سنة 1972م، وكانت اِتفاقية خاصّة بالحدّ من انتشار الصّواريخ الدّفاعية.
بعد هذه الاتفاقيات تم التوقيع على الكثير من الاتفاقيات الخاصة بالحد من الأسلحة النووية، وأهمّها اِتفاقية " سلت 2" التي وُقّع عليها سنة 1979م ، وكانت هذه الاتّفاقية تقترح الحد من الأسلحة النوويّة بعيدة المدى، ولكنّها ظلت بدون نتيجة لأنّها تزامنت مع بدأ السوفييت في احتلال أفغانستان سنة 1979م ولم تنل موافقة الكونغرس الأمريكي عليها.
في هذه الأيام تُعقد الاتفاقيات بين الدّول للتحكّم والسّيطرة على موضوع التسلح، ورغم هذا فلم تتراجع عمليّات تصنيع السّلاح، ولم تتّخذ تدابير لمنع تجّار السّلاح في العالم، ولقد وصل تصنيع السّلاح في الوقت الحالي إلى الأبعاد التالية:
- في كل عام يتم تصنيع أكثر من رصاصتين لكلّ امرأة ورجل وطفل في هذا العالم .
- يُصنّع سلاح خفيف لكلّ واحد من عشرة أشخاص.
- في كل عام يتم تصنيع أكثر من ثمانية ملايين قطعة سلاح خفيف .
- تُصنّع هذه الأسلحة من قبل أكثر من 1000 شركة في 98 دولة عل الأقلّ.
تزيد نفقات السّلاح كل عام عن الذي يسبقه، ويجب أن نضرب لهذا مثلاً، ففي سنة 1975م بلغت نفقات الدّفاع في 51 دولة 340 مليار دولار ، وفي سنة 1980م اِرتفع هذا المبلغ إلى 598 مليار دولار.
نلاحظ أنّ الشرق الأوسط قد احتلّ المرتبة الثالثة من حيث الإنفاق على التسليح الدّفاعي في التّاريخ، ففي سنة 1975م بلغت نفقات 11 دولة في الشّرق الأوسط على المجال الدّفاعي 28 مليار دولار، أمّا في سنة 1980م فقد ارتفعت نفقات ستّ دول فقط إلى 38 مليار دولار.
إن سباق التّسلح هذا على هذا النحو الذي لا يتخيّله عقل قد أدى إلى نتائج مأساوية لا مفرّ منها، فقد تمّ تجنيد آلاف الأطفال. وفي السّنوات الأخيرة فقد أكثر من مليوني طفل حياتهم في مناطق الحُروب، وأضحى الملايين مُعاقين بسبب هذه الحروب، وهجر أكثر من 12 مليون طفل منازلهم بسبب انعدام الأمن، ويقيمُ ثلثهم في مخيّمات للاّجئين .
كلّ هذا يكشف لنا أنّ مساعي نزع السّلاح والاتفاقيات المبرمة في هذا المجال لم تضع حدّا لعمليّات التسلح.
حسنًا، ولكن لماذا يستمرّ سباق التسلح بسرعة وبلا هوادة ؟ ولماذا تنفق الدّول القسم الأكبر من ميزانيّاتها على التسلح ؟ ولماذا لم تؤدّ مساعي نزع السّلاح إلى حلّ دائم ؟ سنجيب على هذه الأسئلة في قسم ما وراء السّتار.
ما وراء الستار
تتّجه جميع الدّول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكية نحو التّسلّح بذريعة حماية نفسها من التّهديدات المحتملة، ولكنّ حقيقة الأمر ليست كذلك ، فهي في سباق تسليح تخطّى موضوع الدّفاع بمراحل بعيدة. وإذا نظرنا إلى الدّخل الذي تحقّقه هذه الدّول من بيع السّلاح نكتشف ما يلي:
إن النّسب الموجودة هنا قد أُعدّت طبقًا لما هو منشور ومعروف من الاتّفاقيات، ومن المؤكّد أنّ هذه النّسب ستزيد بسبب الاتفاقيات السّرية التي تعقد بين الدّول، وليس من الصّعب أن نفهم من هذه الأرقام الفكليّة سبب سعي هذه الدّول إلى أن تكون لها حصة أكبر في التّسليح.
حسنًا، ولكن سِباق التّسلح يستمر من جانب، ومن جانب آخر تُبذل مساعي أخرى لنزع السّلاح، فلم لا تنجحُ هذه المساعي في التّوصل إلى أيّة نتيجة؟
فمجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة يمكن أن يتّخذ قرارت لتخليص دولٍ من الأسلحة النووية لمصلحة دول أخرى، فخلف هذه القرارات يمكن أن توجد حسابات أخرى، ومن المعلوم على سبيل المثال صراع القوّة النوويّة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
إنّ امتلاك إيران لأسلحة نوويّة متطورة لن تقبله الولايات المتحدة الأمريكيّة حتى تبقى هي القوى العظمى لسنين طويلة قادمة، فإيران صاحبة السّلاح والتكنولوجيات النوويّة تعدّ عنصر تهديد ضدّ الولايات المتّحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة .
ولهذا السبب زعمت أنّ برنامج إيران ليس لأهداف سلميّة وعرضته على مجلس الأمن، فصدر قرار من مجلس الأمن بتجميد برنامج إيران النووي في 31 سبتمبر سنة 2006م، ولكنّ إيران لم تلتزم بالقرارات الصادرة، ومازالت المباحثات مستمرة في فيينا بين إيران والأعضاء الخمسة دائمي العضويّة وألمانيا في مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
إن النقطة التي تلفت الانتباه في هذه الخصوص هي أن: هناك ثماني دول معروف أنّ لديها سلاحا نوويًّا، ومن بينها خمس دول فقط لها الحقّ في امتلاك السّلاح النووي طبقا لــ"اتّفاقية منع انتشار السّلاح النووي"، وليس من الصعب التخمين ومعرفة هذه الدول.
بالطبع إنّ هذه الدّول الخمس هي الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا والصين وروسيا، ولهذا السّبب فإنّ القرار الذي أصدرته هذه الدّول لتجميد سلاح إيران النّووي ليس بهدف السلام العالمي ونزع السّلاح، بل على العكس من ذلك الهدف منه هو الوقوف أمام ظهور قوّة منافسة لهم وزيادة حصّتهم من التّسليح.
إنّ هذه هي أهدافهم الحقيقيّة، ويمكن أن نفهم هذا من خلال دخول المنظّمات المسلّحة المحلية في هذا الموضوع، فهذه المجموعات الإرهابية المحلية ليس لها القدرة على تغيير موازين قوى صناعة السّلاح، ولهذا فعند ارتكاب جريمة إنسانية من الصّعب صدور قرار من مجلس الأمن بحظر السّلاح ضدها، وحتى لو صدر قرار بهذا الشأن فمن المُمكن خرق هذا الحظر بصورة منظّمة. وعلى آية حال فإنّ الدّول المكلّفة بتطبيق هذا الحظر هي التي سوف توفّر السّلاح لهذه المنّظمات بطرق غير مشروعة، وحسب هذه الدّول فإنّ الاقتصاد المعتمد على صناعة السّلاح يجب أن يستمر بشكل ما، وسباق التّسليح بين القوى العظمى هو الذي يفسر تزايد الصّدام المسلّح يومًا بعد يوم في أفريقيا والشّرق الأوسط .
الخاتمة
إنّ الصراعات والآلام والمآسي لا تتوقّف، والدّول التي تملك في يدها مفتاح صناعة السّلاح تستمر في خلق الأزمات وإشعال الحروب، وبينما تشتري الدّول والمجموعات المتناحرة السّلاح وتزداد فقرًا يزيد غنى المُصنّعين وتُجّار السّلاح. وبالطّبع يدفع المدنيّون الأبرياء والأطفال الصّغار والأمّهات وكبار السنّ والشيوخ فاتورة هذه الحروب...
ويجدر التذكير أنّ الميزانية المخصّصة للتسلح تكفي لإنقاذ البشرية كلّها من الفقر في سنة واحدةٍ ، ولنتخيّل لو أنّ مبلغ ثلاثة تريليون دولار التي تذهب هباء في النّفقات العسكريّة وصناعة السّلاح يتمّ إنفاقها في القضاء على الجوع والفقر.
ماذا لو استخدمت مليارات الدّولارات التي تخصص لتكنولوجيا الأسلحة النّوويّة في تطوير الأجهزة في مجال الصّحة، ماذا لو استخدمت في اِكتشاف الأدوية للقضاء على الأمراض، لنتخيل عالمًا خاليًا من أصوات السّلاح، عالمًا بلا مجازر ولا آلام، عالمًا لا تُسفك فيه نقطة دم واحدة من أيّ شخصٍ، عالما يعبقُ بالسّعادة ويتزيّن بالحبّ والسّلام
ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة بأنّ الدّنيا ستكون بهذا الحال في زمن حضرة المهدي عليه السّلام:
جاء في حديث أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَتُمْلَأُ الأَرْضُ مِنَ السّلْمِ كَمَا يُملأُ الإِناَءُ مِنَ المَاء وَتَكُونُ الكَلِمةُ وَاحدة فَلاَ يُعْبدُ إلاَّ اللهُ وَتَضعُ الحَربُ أَوْزَارَهَا..." (أخرجه البخاري، رقم 2222، فتح البـــاري 483/ 4).
ستضع الحرب أوزارها ، أي سيضع أربابُ الحرب أسلحتهم. ولن تكون هناك عداوة بين الناس."..وتُرْفعُ الشَّحْناءُ والتَّباغُضُ وَتُنْزَعُ حُمَة كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ" (أخرجه البخاري، رقم 2222، فتح الباري 483/ 4)
في زمن المهدي لن يَفْزع أحدٌ من نومه، ولن يُصاب أحد بأذًى في أنفه. ( القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ، ص 44)
إلى هنا تنتهي حلقتنا لهذا اليوم من برنامجنا وجهة نظر، وإلى اللّقاء بإذن الله تعالى مع موضوع آخر.