بعد أن شهدنا طريقة المتعصبين "المرعبة في التفكير، ولا سيما في حربهم ضد النساء، فلا غرابة ان رأينا انهم يحملون نفس المواقف تجاه أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين. فمرة أخرى نجد ان المصدر نفسه من الأحاديث الملفقة التي سممت عقول المجتمعات الإسلامية لسنوات وكونت العداوات الشديدة تجاه المسيحيين واليهود؛ حيث تروى هذه الأحاديث الكاذبة على انها من قول رسول ﷺ، وبالتالي تجاهل المجتمع المسلم الصالحين من اليهود والمسيحيين الذين مدحهم الله عز وجل في القرآن الكريم ودعى الإسلام الى حمياتهم في المجتمعات الاسلامية. كما تجاهل المسلمين آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن اليهود والمسيحيين لصالح هذه الأحاديث الملفقة، ولا ننسى أيضا انه يخرج من ملة الايمان كل من يتجاهل آيات القرآن.
ويناقش هذا القسم المعنى الحقيقي لبعض آيات القرآن الكريم التي يحاول بعض المتعصبين وبعض خصوم الإسلام استخدامها كأدلة لعداء الإسلام تجاه أهل الكتاب، وكذلك الأحاديث الملفقة التي هي السبب الحقيقي لهذا العداء تجاه اليهود والمسيحيين الذي تكوّن على مر السنين. علينا أيضا أن نتذكر حقيقة مهمة للغاية :وهي إن المسيحية واليهودية من الديانات السماوية الحقيقية التي انزلت قبل الإسلام، وينبغي على جميع المسلمين مسؤولية الاعتراف بهذه الأديان ورسلها التي أرسلت لأن الايمان بالرسل هو جزء من العقيدة الإسلامية حيث قال تعالى:
"قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ."(البقرة،136)
ليس هناك شك في أن هذه الأديان الحقيقية اسيئ تفسيرها من قبل العقليات المتعصبة، وامتد هذا التشويه إلى نصوص الكتب المقدسة نفسها. ومع ذلك، عندما ننظر إلى القرآن الكريم، الذي لن يمسه سوء وسيبقى بعيدا عن التحريف حتى يوم الحساب علينا ان نتدبر آياته التي تدعونا إلى الايمان بالديانات المسيحية واليهودية الحقيقية غير المحرفة والالتزام بما جاء فيهما أيضا.
وتعتبر بعض المجتمعات الإسلامية التي لا تزال تؤوي سياسات العداء المخيفة تجاه المسيحيين واليهود على الرغم من هذه الآية والآيات الأخرى في القرآن التي تثني على اهل اكتاب، مجتمعات متعصبة تمثل هذه الأحاديث الملفقة ولا تمثل الإسلام الذي جاء ي القرآن.
يقع بعض الناس في هذا الخطأ عن غير قصد، والبعض الاخر يفعله عن عصبية جاهلية في داخله. ان الغرض من هذا الكتاب هو تحذير أولئك الذين يقعون في هذا الخطأ والتوضيح لبعض خصوم الإسلام أن الدين الذي يحاربونه ويقفون ضده ليس الدين الإسلامي.
وعلى النقيض من كل ادعاءات المتعصبين فإن القرآن يلعن العداء تجاه أهل الكتاب ويحثنا الى حبهم واحتضانهم. دونا ننظر الى الدلائل التالية:
ردود القرآن الكريم على أولئك الذين يستخدمون آياته كتبرير لاعتدائهم ضد اليهود
كان أهل الكتاب واليهود على وجه الخصوص دائما في حيرة من امرهم بسبب العداء الكبير من المسلمين تجاههم، وكانوا يعتقدون بوجود بعض الآيات في القرآن التي تدعو المسلمين على هذا العداء؛ ولذلك كان البعض منهم يلوم الإسلام. فهم لا يعلمون في الحقيقة ان القرآن يلعن اولئك الذين يعادون اليهود او أي من اهل الكتاب.
هناك نوعان من المزاعم الرئيسية التي يعتقد اليهود بان المسلمين يتخذوها ضدهم، وهما ان اليهود ملعونين، وانهم شبهوا بالقردة والخنازير (والعياذ بالله)، حيث يلقي المتعصبين بهذه الافتراءات على القرآن الكريم. دعونا نرى ماذا يقول القرآن حقا:
للمقارنة إلى القردة والخنازير (بالتأكيد إخواننا وأخواتنا من اليهود هم وراء ذلك). المتعصبين، في عقولهم، وقاعدة هذه المطالبات على القرآن. دعونا الآن ننظر ونرى ما يقوله القرآن الكريم حقا:
ومقارنة مع "القردة والخنازير" وماذا القرآن يقول حقا عن أهل الكتاب
الحقيقة القرآنية حول أهل الكتاب ومقارنة اليهود "بالقردة والخنازير"
يحتل أهل الكتاب مكانة خاصة في القرآن الكريم، ويشيد الله عز وجل يشيد باليهود والمسيحيين المخلصين ويبين بانه سوف يجزيهم الخير في الآخرة، كما ويدعوا المسلمين الى حمايتهم والحفاظ على حقوقهم وان يكونوا رحماء بهم، ومبادلتهم مشاعر المحبة والالفة، ولا يعني ذلك ان اهل الكتاب هم ضعاف وفقراء.
وعلى الصعيد الاخر نجد ان بعض المتعصبين يسعون جاهدين للعثور على ادلة في آيات القرآن الكريم لتبرير عدائهم تجاه اليهود، ويعتبر هذا ورقة هامة ورابحة في ايدي خصوم الإسلام الغربيين. يثير هؤلاء الحمقى المتعصبين عداوة المسلمين تجاه اليهود بالافتراء على بعض الآيات في القرآن الكريم ويدعون انها تلعن اليهود وتشبههم بالخنازير، ولكن في الحقيقة ان الذين لعنوا وشبهوا بالخنازير هم الفئة التي اشركت بالله وكفرت وانخرطت في النفاق والعداء تجاه اليهود وخرجت من ملتهم.
دعونا نبحث في آيات القرآن المتعلقة بهذا الموضوع:
يشير الله عز وجل في الآية 60 من سورة المائدة، إلى قوم خسفهم إلى "قردة و خنازير". وإذا تأملنا هذه الآية نجد ان هناك فئة من أهل الكتاب من بين المسيحيين واليهود وليس أهل الكتاب جميعهم، ولننظر الى الآيات:
دراسة الآية 60 م سورة المائدة:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"(المائدة،57)
" وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ."(المائدة،58)
" قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ."(المائدة،60)
تخاطب هذه الآيات القوم الذي خرجوا عن ملة أهل الكتاب وسخروا منهم وأشركوا بالله؛ أي انهم قوم انشقوا عنهم وذهبوا لعبادة الاصنام وأصروا على ارتكاب المحرّمات. لقد استخدم مصطلح "أهل الكتاب" في القرآن لتمييزهم عن أولئك المنافقين الذين خرجوا عنهم وليس للتعبير عن أهل الكتاب ككل واعتبارهم مذنبين ( والعياذ بالله).
إذا نظرنا الى الآيات التي سبقت الاية60 من سورة المائدة، يمكننا أن نرى وصف كامل ومفصلا، حيث تقول الآية 57 من سورة المائدة: "لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء "(المائدة،57) فمصطلح "من قبلكم" يعني قبل المسلمين، و عبارة " أُوتُواْ الْكِتَابَ " يعني المسيحيين واليهود، والآية تشير إلى فئة من الناس الكفار الذين سخروا من دين المسيحيين واليهود. دعونا نكرر هنا بأن هذه ليست إشارة عامة إلى اليهود والمسيحيين، ولكن إلى المجتمع الإلحادي، العدواني والذين استهزأوا بأهل الكتاب وانشقوا عنهم، حيث اعتبر القرآن مثل هذا المجتمع بمثابة آفة وتهديد خطير ليس للمسلمين فقط، ولكن لليهود والمسيحيين أيضا.
من أجل تفسير معنى كلمة "كافر" التي تظهر في الآيات المذكورة هنا وحتى لا يساء فهمها، نحتاج إلى توضيح امر مهم: قد يؤمن شخص بالله او لا يؤمن فهذا امر منوط به، فهو حر في الاختيار، وهذه مسألة سيقررها ضميره. كما ان الانسان لا يفرض ايمانه على الناس الاخرين من غير المؤمنين ولا يكرههم على الايمان، فهذا النهج محرم في القرآن. وكما رأينا في الأجزاء السابقة أيضا، يقع على عاتق المسلم حماية غير المؤمن وان يفديه بنفسه.
ومع ذلك، إذا سخر هذا الكافر من المؤمنين واستهزأ بهم وبإيمانهم، وإذا تخلى عن حبه لهم وأكن لهم البغضاء والعداوة وجهر بها، فهو في الحقيقة يعادي الله. ففي هذه الآية تجاوز الكفار حدودهم في الاعتداء على المؤمنين والاضرار بهم، ولذلك كان عقابهم من الله في المرصاد وشبههم بالقردة والخنازير لأنهم كانوا منافقين وسببوا المتاعب للمؤمنين.
اليهود الذين أشاد بهم القرآن
كما رأينا، فإن الآيات التي جاءت قبل الآية 60 من سورة المائدة تظهر سمات هذا المجتمع وإذا تأملنا الآية التالية نجدها تظهر السمات الحقيقية النظر لليهود والمسيحيين:
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ."(المائدة،69)
تشيد هذه الآية باليهود والمسيحيين الذين يؤمنون بالله ويعملون الصالحات؛ يبشرهم الله عز وجل بالا يخافوا ولا يحزنوا. فهذه بشرى بالجنة بالنسبة لهم لان الله يعدهم بأنهم لن يروا الحزن؛ يضعهم في مكانة كبير ويعبر لهم عن حبه لهم.
دراسة الآية 166 من سورة الأعراف
" وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ." (الأعراف،163)
" وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ."(الأعراف،164)
" فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ."(الأعراف،165)
" فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ."(الأعراف،165)
عندما ننظر إلى الآيات التي سبقت الآية 166 من سورة الأعراف، نجد انها موجه لبني إسرائيل مباشرة؛ تلك الفئة الضالة التي لم تلتزم بالسبت، حيث نسوا ما ذكّروا به وتجاهلوا ما أمرهم الله وأصروا على فعل ما حرّمه الله عليهم. لذلك فهؤلاء هم فئة من بني إسرائيل (اليهود) الذين كفروا بدينهم ورفضوا الانصياع لأوامر الله عز وجل.
إذا أمعنا النظر في هذه الآيات، نجد ان هناك طائفتين من اليهود، الطائفة التي امنت بربها ودينها والتزمت بأوامر الله والطائفة الأخرى التي كفرت بربها ولم تلتزم أوامره. على سبيل المثال، في الآية 164 تجد الفئة الصالحة من اليهود يحذرون الفئة الضالة باستمرار ويدعوهم إلى العودة الله، وذلك لأنهم يريدون لهم الخير والصلاح " وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ". تكشف لنا الآية 165 ان الله عز وجل نجّى الطائفة الصالحة واهلك الطائفة الكافرة التي عصت أوامر الله وأعتدوا على الطائفة الصالحة من اليهود.
كما أشاد الله باليهود الصالحين من قوم موسى في الآية 159 من سورة الأعراف أيضا.
" وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ."(الأعراف،159)
فهي تصفهم بأصحاب عدل ويتبعون الحق، وجعل الله عز وجل حكمة كبيرة من راء هذه الآية؛ فهي توصف كيف يجب ان يعامل المسلمين اليهود الصالحين ويتصرفون تجاههم.
دراسة الآية 65 من سورة البقرة
" وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ."(البقرة،63)
" ثمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ."(البقرة،64)
" وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ."(البقرة،65)
حرّم الصيد يوم السبت على اليهود، لذلك يمكننا القول حسب ما جاء في الآية ان الفئة التي اعتدت وعصت أوامر الله هي من اليهود، وتشير الآيات السابقة إلى الفئة التي اعتدت على نبي الله موسى عليه السلام وجعلت حياته صعبة في الصحراء، وجاء الوصف في هذه الآية مشابها لما جاء في التوراة. وبعد أن وصفت الآية سلوك هذه الطائفة الكافرة تجاه نبي الله موسى وسببت الكثير من المشاكل له، ذكّروا " بالوصايا التي جاء في التوراة وان يأخذوا بها"، وعلى الرغم من ذلك استمروا في فسقهم وكفرهم وأداروا ظهورهم لهذه الوصايا. لذلك لعن الله أولئك الذي أخلّوا بأوامر الله في السبت؛ أي الذين تحدوا التوراة.
كما نرى، ان الذين عصوا التوراة على الرغم من العهد الذي بينهم وبين الله هم الكفار من بني إسرائيل وليس اليهود، حيث يثبت طيشهم ومغامرتهم في يوم السبت ذلك. فبالإضافة إلى انهم كفار، كانوا أيضا يثيروا المتاعب والمشاكل لنبي الله موسى عليه السلام واتباعه المؤمنين، ولذلك لعنهم الله.
وثمة حقيقة أخرى بارزة هنا وهي أن الآية التي جاءت قبل هؤلاء الآيات مباشرة تشير إلى أجر اليهود الصالحين وتشيد بهم وتبشرهم في الأخرة:
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ."(البقرة،62)
كما رأينا، فقد أشادت الآية القرآنية باليهود المخلصين وبشرتهم بأجر في الاخرة، وبالتالي يجب على المسلمين ان يحبوا من يحبهم الله؛ وهذا ليس امر إلزاميا فحسب بل هو واجب أخلاقي تمليه علينا مشاعرنا وضمائرنا تجاه المؤمنين في كل مكان. لذلك وكما ذكر في العديد من الآيات، يجب على المسلمين حماية أهل الكتاب (اليهود والمسيحية) والاعتناء بهم ومعاملتهم بكل مودة. فكما رأينا بوضوح لم يميّز الله المؤمنين المخلصين من اليهود أو المسيحية أو المسلمين وجاءت الآيات لتزيل أي عدوانية تجاههم.
الخطأ حول كون اليهود ملعونين
أولا وقبل كل شيء، ان الاعتقاد بان "اليهود جميعهم ملعونين" هو أمر يتعارض تماما مع عدالة الله والعقيدة التي شرعها لعباده. أولا، اليهودية هي عقيدة حقيقية أنزلت على النبي موسى (عليه السلام)، الذي كان أيضا نبي للمسلمين. كما يتحدث الله عن اليهود واليهودية في القرآن الكريم ويشيد بالمؤمنين منهم، ووضع على عاتق المسلمين مسؤولية الاعتناء بأهل الكتاب وحمايتهم، وهناك بعض الآيات التي تخاطب بني إسرائيل وأهل الكتاب مباشرة، مما يعني بأن هناك يهود ومسيحية يقرأون القرآن ويخافون الله ويطيعون أوامره. وبالرغم من ذلك، فالمتعصبين لا يقبلون ان يحمل اليهود القرآن أو يلمسوه بأيديهم.
ثانيا، كلنا نأتي إلى هذه الدنيا من أجل الاختبار، والله وحده من يعلم حسابنا حسب نتيجة أفعالنا (الاختبار) يوم الحساب، ويشير الله عز وجل الى الدنيا على انها دار اختبار كما يلي:
" الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ."(الملك،2)
لذلك، يتعرض المسلم إلى نفس الاختبار الذي يتعرض له اليهودي. فمن غير المنطقي ولا المعقول القول بأن الطفل الذي يولد لعائلة يهودية ولا يدرك شيئا عن الحياة بانه ملعون؛ ان تتخيل الطفل ذلك الصفحة البيضاء الذي لم يتعرض لأدنى اختبار على انه حتميا ملعون وان تتوقع هذا الظلم من الله (والعياذ بالله)، يعني ان أولئك الناس فشلوا في فهم عدالة الله ورحمة ومحبته. أولئك الذين يدعون أن "اليهود ملعونين" هم من يحملون مثل هذا الفكر المؤذي ضد كل اليهود، ولا يفرقون بين صغير أو كبير. لكن كيف يستدل المتعصبين على ان اليهود ملعونين في القرآن؟
دراسة الآية 88 من سورة البقرة:
وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ."(البقرة،88)
كذلك الأمر في هذه الآية حيث تخاطب الآيات فئة من اليهود من قوم النبي موسى عليه السلام وليس كل اليهود، والسبب في لعن الله عز وجل لهذه الفئة واضح تماما: "كفرهم"... فهذه الفئة هنا ضالة كافرة خرجت عن العقيدة اليهودية، وحتى انها فقدت صوابها الى درجة محاولة قتل النبي موسى عليه السلام كما تظهر الآيات. ولا يختلف الأمر هنا عن لعن المشركين الذين كفروا بدين نبينا محمد ﷺ تماما كما خرجت هذه الفئة عن دين نبي الله موسى عليه السلام. وبالتالي فإن الفئة المشركة هي التي لعنت في هذه الآيات وليس كل المسلمين أو كل اليهود.
دراسة الآية 155 من سورة النساء
" وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا."(النساء,154)
" فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً."(النساء،155)
وصفت الآيات السابقة الفئات الكافرة من أهل الكتاب، ويستثنى منهم أهل الميعاد الذين غفر الله لهم كل خطاياهم، وذلك كما تبين لنا الآية ذ54 من سورة النساء. ثم تكشف الآية 155 كيف انهم تراجعوا بكلامهم وأخلفو ميثاق الله وعادو مرة أخرى الى كفرهم وقتلهم للأنبياء ولهذا السبب لعنهم الله.
كانوا غفر الله رغم كل تجاوزاتهم، في الآية 154 من سورة النساء. الآية 155 ثم يكشف ذهبوا مرة أخرى على كلمتهم، وعاد الى إنكار وقتلوا الأنبياء. هذه هي الأسباب فهي ملعونة.
تشير الآيات التالية إلى المجتمعات اليهودية وتميّز بين المؤمنين المخلصين وبين الكفار المشركين:
"لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا."( النساء،162)
ينطبق على اولئك اليهود الكفار المشركين الذي أفرطوا في كفرهم احكام مختلفة عن اليهود المؤمنين تماما كما ينطبق على المسلمين الذين أشركوا وأفرطوا في كفرهم، وبالتالي يستثني الله عز وجل صراحة اليهود المؤمنين ويعدهم "بأجر عظيم في الأخرة." فكيف يمكن لهذا المجتمع اليهودي الذي يشيد الله به في القرآن ويعده بأجر عظيم أن يكون ملعونا؟ كيف يستطيع شخص ان يقف بكل حماقة ويقول" كل اليهود ملعونين ويجب قتلهم"؟ في الوقت الذي يشيد الله بهم؟ المشكلة في المتعصبين هي أنهم لا يقدّرون الله حق تقديره، لا يفهمون القرآن، وقد وقعوا في فخ الأحاديث الملفقة المتعلقة بهذا الموضوع الذي سنتناوله في الجزء اللاحق.
دعونا نذكّر أنفسنا بنقطة مهمة جدا هنا، قد يكون شخص ما مشرك أو كافر في هذا العالم، ولكن طالما أنه ليس منافقا، ولا يسبب المشاكل للمؤمنين ويعيش حياة شريفة ومحترمة، فهو لا يزال تحت حماية المسلمين: وقد فرضت هذه المسؤولية على المسلمين من خلال القرآن الكريم. فالذين لعنو هم أولئك المنافقين الذين خانوا المؤمنين وقتلوا الأنبياء، حيث اعتبر الله عز وجل قتلهم الأنبياء أساسا في لعنتهم. كما ويصفهم الله عز وجل بأنهم فئة غدرت بالمؤمنين وطعنتهم في ظهورهم "نقضهم العهد"، ويعتبر اولئك الناس خطرا على النبي موسى (عليه السلام) وعلى المؤمنين المخلصين. وبعبارة أخرى، فقد لُعنت هذه الفئة من المشركين ليس لأنها ظهرت من بين اليهود أو بسبب كفرهم بالله ولكن قتلهم الأنبياء أمام الله كان السبب الرئيس في لعنتهم. وبالتالي من المهم جدا فهم هذا الفرق بشكل صحيح.
عدم مصادقة اليهود أو المسيحية
واحدة من آيات القرآن التي يتخذها المتعصبين وبعض خصوم الإسلام كدليل مفترض على عداوة الإسلام تجاه اليهود والمسيحية في سورة المائدة هي كما يلي:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ."(المائدة،51)
تظهر كملة " أَوْلِيَاء " أي أصدقاء مرتين. المعنى الأصلي العربي لكلمة " أَوْلِيَاء" التي جاءت في الفقرة " لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء" هو " أوصياء وهم اولئك المكلّفون بالوصية من خلال قانون، القديسين، الأمراء أو الحكام" الكلمة الأصلية في العربية هي "أصدقاء" والكلمة التي تترجم بمعنى أصدقاء في فقرة " وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ " هي " يَتَوَلَّهُم " والمعنى الحقيقي لهذه الكلمة هو "الأوصياء" من يتعهد برعاية ناس او قوم معينين، واذا الى كلمة " أَوْلِيَاء" الاصلية نجدها تشير إلى "الأصدقاء" ولكنها استخدمت في الآية بمعنى " الحكام" أي يمنع على المسلمين ان يتخذوا اليهود أو المسيحيين حكام لهم أو ان يعيشوا تحت حكمهم او إدارتهم.( البروفسور. دكتور. بيركتار بايراخا، نصوص القرآن)
ليس من الصعب فهم الحكمة الموجودة هنا: على الرغم من ان كل الديانات السماوية المقدسة تؤمن بنفس الاله وبنيت على نفس الأسس، إلا ان لكل منها احكامها الخاصة وطريقة عبادة خاصة بها. لذلك هناك احتمالية كبيرة ان يواجه المسلمين صعوبات في طقوسهم وعبادتهم تحت إدارة اليهود أو المسيحيين ولهذا السبب جاء هذا الحكم في هذه الآية.
مفهوم اخر يساء فهمه: التقية (الاحتجاب)
التقية تعني "الاحتجاب، الاحتياطات، والحراسة." ويظهر هذا المصطلح في القرآن كما يلي:
"مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ."(النحل،106)
تصف هذه الآية وضع خاص جدا؛ حيث تجيز لشخص ما ان يخفي ايمانه كأن يقول ان ملحد مثلا بشكل مؤقت على الرغم من انه مؤمن ولكن لظروف اجبارية قاهرة كالهروب من الظلم. الاحتجاب لا يوجد له معان أخرى في القرآن.
إلا أن بعض الأشخاص الذين يحملون فهم مشوه جدا عن الإسلام يطبق التقية بطريقة مختلفة جدا، كما ان مفهومها خاطئ عند بعض خصوم الإسلام. يستخدم بعض الناس الذين يحملون الأفكار الخرافية عن الإسلام التقية كتكتيك يبني عليها كل حياته ويقوم بممارسة الأفعال غير الإسلامية بسهولة حتى وان لم تكن حياته معرضة للخطر، ويتظاهر بانه صديق لأعدائه وذلك بسبب تلك الأحاديث الملفقة في هذا السياق.
يدعي بعض خصوم الإسلام أو الذين يشككون في الإسلام بسبب التطرف ويؤكدون بانه لا ينبغي تصديق ما يقوله المسلمين عن السلام والمحبة، وان المسلمين في الحقيقة يعدّون لحرب رئيسية كبرى. كما يؤكدون ان المسلمين يطبقون مسألة التقية التي جاءت في القرآن بهذا الخصوص، وهم مجرد يتظاهرون بأنهم مناصرين للسلام والمحبة، ولكن في الحقيقة يستعدون بفارغ الصبر للحرب. لذلك، فان كل مسلم يتحدث عن السلام والمحبة هو كاذب في نظر هؤلاء الناس. والمشكلة الرئيسية في كلا الجانبين هي ان كلاهما في الواقع يجهل القرآن.
هناك شرط واحد مهم جدا تعلق بالتقية التي جاءت في القرآن الكريم: "... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ..." حيث يشترط في الشخص الذي يمارس التقية ان يكون في خطر، وفي ظل ظروف صعبة، فيخفي إيمانه هربا من الاضطهاد. وليس من اجل اخفاء الحقد والعداء. يكشف الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يكشف كيف كان هناك فرد من قوم فرعون قلبه عامر بالإيمان ولكنه اخفى ذلك خوفا من بطش فرعون.
" وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ "(غافر،28)
فهذا الرجل الذي أخفى ايمانه كان يعيش في خطر واضح؛ فهو يعيش مع فرعون أقصى طاغية في عصره جنبا الى جنب، فأخفى ايمانه أو مارس التقية لأنه كان يواجه خطر الموت. فهذا العمل متفق مع ما جاء في القرآن الكريم، لأنه كان فعلا انسانا مؤمنا ويواجه خطر الموت المحتم وكانت هذه هي الحالة الوحيدة التي يسمح القرآن ممارسة التقية بها.
الممارسات التي يمارسها مروجي الاشاعات تحت اسم التقية، وبعض خصوم الإسلام الذين يتخيلون أن هذه الممارسات تعبر عن الإسلام، قطع الطريق على السلام والحب لأن افكارهم بعيدة كل البعد عن القرآن. فالتقية التي يطبقونها في ظروف مختلفة تماما عما دعا اليها القرآن تدعم مناخ الحرب الحالي وتشجع على العدوان في العالم؛ من خلال هذه الممارسات يقدموا انطباعا بان السلام لن يتحقق يوما وسوف يستمر الذبح والوحشية.
هذه الطريقة في التفكير هي انتهاك للمنطق بقدر ما هي انتهاك للقرآن الكريم. تخيل مسلم يكرس حياته كلها للسلام والتآخي وتكوين الصداقات مع الناس في سبيل الله، ويتعرض للمخاطر بسبب دعاة الحرب والمتطرفين ويضع كل حياته في خطر، ومن ثم يكسب اليهود والمسيحيين ليكون له أصدقاء على الرغم من الآثار الضارة لنزعة الكراهية للإسلام، ويتنازل عن المال من أجل الصداقة. ثم تخيل انه يقرر فجأة ذبح الناس التي بنى معها وبينها أواصر الصداقة والمحبة بالرغم من كل التحديات، هذا هو منظور متطرف تماما. إذا كان شخص ما لديه مثل هذه الأفكار الشيطانية وعازم على ذبح الناس، بإمكانه فعل ذلك بسهولة، بإمكانه تطبيق هذه الفكرة الشيطانية في أي مكان وزمان. وإذا كان ينوي فعل ذلك باسم الدين، بإمكانه ان يجد أولئك الناس الذين يسيئون استخدام الدين لقتل الناس بكل سهولة وليس ببعيد عنه.
لا يمكن لأي مسلم ان يعيش حياته في الكذب، فالإسلام يحرّم ذلك. المسلم الحقيقي هو المسلم الذي يعيش دائما في رحاب القرآن؛ في ضوء آيات القرآن الكريم، ويقع على عاتق المسلمين واجب تقديم الحب للعالم (سورة مريم، 96)، لإحلال السلام في العالم (سورة البقرة، 208)، وإلى تحقيق الوحدة والاتحاد (سورة الأنفال، 73). يؤمرون بحماية حتى الكفار، وإذا لزم الأمر على حساب حياتهم الخاصة (سورة التوبة في، 6). تقع على عاتقهم مسؤولية أن يكونوا أصدقاء وإخوة مع أهل الكتاب، الذين يحتلون مكانة خاصة في القرآن الكريم، وان يحتضنوهم لأنهم يحبونهم ولان الله عز وجل امر بذلك أيضا ولأنهم "يوحدون الله" لا يأمرهم الله ان يذبحوا اهل الكتاب او ان يكرهوهم على عقيدتهم. أولئك الذين يسيئون زورا استعمال مفهوم التقية لتصوير الإسلام كدين حرب سيفشلون في خطتهم الخبيثة، لأن المؤامرات الشريرة محكوم عليها بالفشل. على الرغم من كل سيناريوهات الحرب، الا ان سفراء الديانات الثلاث سوف ينجحون في إحلال السلام في العالم. يهب الله دائما الانتصار للحق والسلام والمحبة والهزيمة للباطل. وقد خلق البشرية والكون كله على أساس من الحب.
لقد رأينا المعنى الحقيقي للآيات التي يحاول المتعصبين وخصوم الإسلام استخدامها كأدلة للعداوة تجاه اليهود. الآن دعونا نلقي نظرة على الأحاديث الواهية التي تستخدم لإثارة الكراهية تجاه اليهود؛ الأحاديث التي يؤمنون بها دون قيد أو شرط:
الأحاديث الملفقة عن المسيحيين واليهود وتوضيحات حولها استنادا إلى القرآن الكريم.
قتل من بلغ سن الرشد من اليهود
عن ام عطية القرظي ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم ، وكنت غلاما ، فوجدوني لم أنبت ، فخلوا سبيلي . ((سنن أبي داود، كتاب 38، الحديث 4390)
بناء على هذا الحديث الملفق، يأمر الرسول ﷺ بقتل كل اليهود الذين بلغوا سن الرشد. الإسلام هو دين يعتبر القتل الجائر جريمة كبرى، دين وعد اليهود المخلصين بأجر عظيم ويدعوا الى المحبة والمودة. لا يمكن ولا باي حال من الأحوال ان يدوا الإسلام الى قتل" انسان بريء كان من كان" عند بلوغه سن الرشد فقط لأنه يهودي، ناهيك عن انه دين سلام يدعوا حتى الى المسامحة في القتل. بالطبع ليس هناك أي حكم من هذا القبيل في القرآن؛ مثل هذه الفكرة هي افتراء ضد القرآن والإيمان برب العالمين. وحسب احكام القرآن الكريم، يعامل هذا الشخص الذي يؤمن بهذا الحديث ويطبقه، كقاتل خارج عن ملة الإسلام. في الحقيقة، ان سلوك المتعصبين هذا الذي يدعوا الى قتل اليهود دون شرط او قيد وفي الوقت الذي يشيد الله فيه باليهود المؤمنين، إنما يوضح لنا ميزان الجهل لهؤلاء المتعصبين.
تحميل ذنوب المسلمين لليهود والنصارى يوم الحساب
تحشر هذه الأمة على ثلاثة أصنافٍ ، صنف يدخلون الجنة بغير حسابٍ ، وصنف يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة ، وصنف يجيئون على ظهورهم أمثال الجبال الراسيات ذنوباً ، فيسأل الله عنهم وهو أعلم بهم ، فيقول : ما هؤلاء ؟ فيقولون : هؤلاء عبيد من عبادك ، فيقول : حطوها عنهم واجعلوها على اليهود والنصارى ، وأدخلوهم برحمتي الجنة"(110 حديث قدسي الفصل 1، الحديث 8؛ المذكورة في المستدرك الحكيم)
دعونا نرد على هذا الحديث الكاذب بآيات من القرآن: يحاسب جميع المسلمين الذين يأتوا بذنوب كالجبال على ذنوبهم الخاصة، ويحاسب اليهود على ذنوبهم الخاصة أيضا؛ لن يتحمل أحد وزر أخر، وسيسأل كل عن ذنوبه الخاصة فقط، حيث كشف الله عز وجل ذلك في الآية التالية:
"مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ ..." (سورة الإسراء، 15)
ويوضح الله عز وجل في آية أخرى بشأن من يحاول تحميل ذنبه للأخرين ويقول سبحانه:
" وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا"(النساء،112)
كما يكشف الله عز وجل في هذه الآية أيضا، ان الجميع مسؤول عن ذنوبه الخاص يوم القيامة" وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ "(سورة البقرة، 281) ولن يُظلم على أي شخص برئ في الآخرة؛ لن يجرأ أحد ان يقول يوم الحساب "ان فلان يحمل كل ذنوبي، ولذلك انا بلا ذنوب."، أو يكرر الكرة مرة أخرى ويرمي بذنوبه على شخص برئ كما فعل في الدنيا لانه يعلم ان هذا المنظور كاذب ووقح وخصوصا انه اماما الله عز وجل.
اليهود هم سبب فساد اللحم والطعام
لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام، ولم يخنز اللحم (صحيح مسلم، كتاب 8، الحديث 3472)
يعتبر هذا الحديث دليل مهم لفهم العقلية التي تلفق مثل هذه الأحاديث وكشف كذبهم. ان الأحاديث الملفقة التي ناقشناها مسبقا في هذا الكتاب هي نتاج هذه العقلية؛ بالطبع ليس من المستغرب على هذه العقلية التي تدعي أن اليهود هم سبب فساد الطعام واللحوم، ان تحمل هذه الأفكار المرعبة حول النساء، والحيوانات، والفن، وجميع أشكال الحياة الاجتماعية، ويعتبر هذا الحديث أيضا دليل على تلفيق جميع الأحاديث التي تزدري اليهود وتكن العداوة لهم. ان العقيدة الإسلامية بريئة من هذا التفكير الذي يؤمن بأن اليهود احفاد النبي موسى ومن وعدهم الله بالأجر العظيم في الاخرة هم سبب في فساد الطعام واللحوم في العالم. ولا ننسى ان الله أحل للمسلمين طعام اليهود والنصارى في الآية 5 من سورة المائدة. لذلك فإن هذه العقلية المتعصبة التي نقوم بدراستها هي بعيدة تماما عما جاء في احكام القرآن الكريم، ويبدو واضحا الانهيار المنطقي العميق هنا ويوضح المنطق المشوه للعقلية المتعصبة بشكل عام.
عقيدتان في الحجاز لا يتعايشان
اخر ما نطق به النبي ﷺ: "اللهم أهلك اليهود والنصارى... ولا تدع ديانتين في بلاد الحجاز." (مالك 511: 1588)
يعتبر هذا الحديث الملفق مرة أخرى تشويه رهيب لنبينا ﷺ ، فالله سبحانه وتعالى يتحدث عن وجود المسيحية واليهودية في القرآن ويبين لنا أنه أنزل القرآن للتأكيد على حقيقة هاتين الديانتين. القرآن لا ينفي هاتين الديانتين، ولكن يؤكد عليهم، ويعرض هذه المعلومات الهامة في العديد من الآيات:
" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ." (سورة آل عمران، 3)
يخبرنا الله عز وجل في هذه الآية عن وجود اليهود والنصارى في هذا العالم والبعض منهم مؤمنين وملتزمين بشرع الله عز وجل. كما أحل الله للمسلمين الزواج من نشاء اليهود والنصارى، وتناول طعامهم (سيتم توضيح ذلك بالتفصيل في الاسطر القريبة) بالإضافة إلى ذلك، يصرّح الله عز وجل ان أقرب الناس للمسلمين محبة هم "النصارى". كما يتحمل هؤلاء الناس المتعصبين الحمقى مسؤولية هذا الافتراء الرهيب والكلام الملفق الذي ينشرونه على لسان نبينا ﷺ "اللهم أهلك اليهود والنصارى" ، وفي الوقت الذي يتوعد الله فيه أهل الكتاب بالأجر العظيم. كما فندت الآيات التي تشيد بأهل الكتاب، وسلوك النبي ﷺ كل هذه الأحاديث الملفقة. سنوضح في الاسطر اللاحقة هذه الآيات ونلقي نظرة على سلوك النبي ﷺ تجاه أهل الكتاب:
نعت أحدهم باليهودي اهانة ولعن اليهود فيه أجر
عن عبد الله بن عباس: ان الرسول ﷺ قال: اذا نعت احدكم الاخر باليهودي استحق عليها 20 جلدة."( الترمذي، الحديث 1024)
من لم يجد شيء يتصدق به على الفقراء، فليعن يهودي وينال الأجر نفسه. ( الضيلمي ، ابن عدي)
تهدف هذه الأحاديث الملفقة إلى تصوير مصطلح "يهودي" على انه إهانة، حيث وصف شتم اليهودي كمصدر للثواب، والفكرة من وراء ذلك هي نشر الكراهية ضد اليهود. مرة أخرى يظهر هذا الحديث العمى والجهل الذي يملئ قلوب هؤلاء المتعصبين ويوضح مدى بعدهم الشديد عن القرآن الكريم الذي احتضن اليهود المؤمنين وأشاد بهم ووعدهم بالأجر في الأخرة.
ويعتبر الإفلاس الفكري المبني على الأحاديث الملفقة والخرافات مصدر الكراهية لليهود والمسيحيين. وينبغي لخصوم الإسلام الذين يطعنون فيه بسبب أفكار المتعصبين التركيز على هذه النقطة الهامة جدا. كما ان خصوم الإسلام يخسرون فرصة ذهبية للقضاء وسلاحهم الوحيد لطمس العقلية المتعصبة والقضاء على المتعصبين والمتعصبين من خلال معاداتهم للإسلام الصحيح والمسلمين المخلصين، وبالتالي الاستعداد لكارثة سوف تلحق بهم.
التضييق على اليهود في الطريق
عن ابي هريرة عن النبي ﷺ انه قال" لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه"
يمثل هذا الحديث الملفق ضد ما جاء في القرآن من احكام المحبة واللطف باليهود وحمايتهم اعتداء صارخ على دين الله وتشويه لصورة النبي ﷺ وافتراء عليه؛ حيث تتعارض هذه الطريقة من التفكير مع أفعال النبي ﷺ الذي عامل اليهود والنصارى بمزيد من الحب والعطف، وتفتري الكذب على لسانه.
الغرقد، شجرة اليهود
عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ انه قال "...حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فهو من شجرهم."( (صحيح مسلم، كتاب 41، الحديث 6985)
لعل هذا الحديث حول شجرة الغرقد من أكثر الأحاديث الملفقة انتشارا فيما يتعلق بالعداء تجاه اليهود. ووفقا لهذا الحديث الذي يفتقر إلى المنطق، يجب قتل أي شخص يهودي بغض النظر عما إذا كان برئ او طفل او رجل سلام او رجل مؤمن؛ عندما يختبئ اليهودي خلف شجرة أو صخرة فسوف يخبران المسلم بمكانه كي يقتله في كافة الأحوال ودون أي استثناء.
يعتبر هذا قتل من وجهة نظر القرآن، وإذا كان شخص يعتبر نفسه مسلم يؤمن بهذه الأحاديث الملفقة وقام بقتل يهودي يختبئ وراء شجرة على أساس هذا الحديث، فسوف يذهب اليهودي إلى الجنة، ويعاقب المسلم على ذنبه في الآخرة إلا إذا تاب عن عمله. ان هذا النظام عقيم ومرعب؛ يقوم بتأليف الأقاويل الكاذبة مثل" فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله " على لسان النبي ﷺ ويدعوا اتباعه على ارتكاب جرائم قتل بناء على هذه التلفيقات الكاذبة ، وعندما يسألهم الله عن ذنوبهم فربما يجيبون امرتنا الصخر، وهي بريئة وكل مخلوقات الله التي تسبح بريئة من هذه العقليات المتعصبة والمريضة والبعيدة كل البعد عن شريعة الله وسنة نبيه ﷺ . ولا يوجد نظام أو شيعة على وجه الأرض تدعو الانسان إلى قتل أخيه الانسان أو اهانته او تضييق الطريق عليه، بل ان القرآن يحتقر هذه العقلية :
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟
أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ؟
فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ؟( الصافات،154)
دعونا نرى كيف يفند القرآن وسلوك النبي ﷺ هذه الأحاديث الملفقة فيما يتعلق باليهود والنصارى:
قيمة أهل الكتاب في القرآن الكريم
يحق للمسلمين الزواج من نساء أهل الكتاب، وتناول طعام بعضهم البعض
" الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ."( المائدة،5)
تصف هذه الآية قيمة أهل الكتاب عند المسلمين من خلال تفاصيل مختلفة، حيث يجوز للمسلم أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب، وهذا تشريع هام جدا لأنه وكما تذكرون في الآية 26 من سورة النساء يقلو الله عز وجل" الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ"، لأنه كما أمر في الآية، " يقع على المسلمون مسؤولية الزواج من امرأة مؤمنة، وطيبة، وهذا دليل على أن اليهود والنصارى هم أيضا مؤمنون طيبون.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أمرا هاما جدا في هذه الآية، فالمسلم الذي ينوي الزواج من امرأة يهودية أو نصرانية ويتخذها زوجة له، يدعوها "حبيبتي، عمري" يؤسسوا عائلة معا، يقضوا حياتهم معا، ويستمروا معا إلى الأبد؛ فهي الانسانة التي سترافقه طيلة حياته، وستشاركه افراحه واحزانه، ويعتنوا ببعضهما البعض عندما يمرضون ويثقون ببعضهما البعض.
ولكن وفقا للعقلية المتعصبة، ينبغي على هذا الشخص ان يعتبر هذه المرأة التي يدعوها "حبيبتي"، والتي يأتمنها على حياته، وهي ام اطفاله، ان يعتبرها ملعونة لأنها يهودية أو مسيحية. كيف يمكنه ان يقول بعد قضاء كل حياته معها " أخبرني هذا الحجر بانها يهودية تختبئ خلفه" ويجب ان اقتلها؟ من المؤكد ان من سيفعل ذلك هو في حالة متقدمة جدا من المرض النفسي. فهذه الآية تصف المحبة التي يجب ان يوليها المسلم الملتزم بالقرآن تجاه اليهودي والنصراني.
.
كما تشرّع الآية للمسلمين أيضا وتجيز لهم: لتناول طعام أهل الكتاب، وهذا أمر مهم جدا. كما نعلم، إن على المسلمين أن نولي اهتماما كبيرا لبعض المحظورات عند إعداد الطعام. وهذا أمر مهم جدا. كما نعلم، ينبغي على المسلم ان يولي عناية هامة جدا لطعامه؛ ان يكون حلال وليس مما حرّمه الله مثل الخنزير او ما ذبح دون ان يذكر عليه اسم الله. وبالتالي فإن حقيقة السماح للمسلم بتناول طعام اليهودي والنصراني تعني انه طعامهم حلال أيضا، وينطبق نفس الحكم على النصارى واليهود أيضا، فقد حلل الله لهم طعام المسلمين.
.
ومن المفيد الإشارة إلى تعبير آخر مهم هنا عن الصداقة أيضا؛ حيث يجوز لأهل الكتاب والمسلمين تناول الأكل معا تحت سقف واحد، وان يحلّوا ضيوفا على بعضهم وان يجلسوا على طاولة واحدة. هذا وصف لصداقة حقيقة بين صديقين حميمين، وما تصفه الآية لا يأتي في بيئة مبنية على العداوة والقتل ولكن بيئة مليئة بالمحبة، الصداقة والاخوّة.
لا يعترف المتعصبين بهذه المراجع في هذه الآية ولا يمكن ان يأخذ بها؛ فهذه التصريحات التي صدرت عن القرآن الكريم ليس لها معنى في عالمهم وهي مشهد مرعب بالنسبة لهم. وإذا سالت أحد من المتعصبين عما إذا شرعية الزواج من أهل الكتاب او تناول طعامهم، لاستشاط غضبا ورفض وأشار بالرفض؛ فهم لا يتصرفون بناء على ما جاء في القرآن الكريم.
وليست هذه هي الآية الوحيدة التي تظهر موقف الإسلام من أهل الكتاب، بل ان الله يشيد بأهل الكتاب في الكثير من آيات القرآن حيث تشمل هذه الآيات ما يلي:
" وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ."( الأعراف،159)
" لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(13)يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ(14)وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ."(ال عمران،113-115)
" وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ."(ال عمرا،199)
" الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ(52)وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ."القصص،52-53)
" لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا."(النساء،162)
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ."(البقرة،62)
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ."(المائدة،69)
" ... وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ(82)وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83)وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ(84)فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ."(المائدة،82-85)
" وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ."(المائدة،12)
تظهر هذه الآيات بوضوح، ان الله عز وجل يشيد باليهود والنصارى المؤمنين والمخلصين ووعدهم أجر عظيم في الأخرة؛ وسيدخلهم الجنة تعبيرا عن حبه لهم. فكيف يمكن لمسلم ان يكون عدو لشخص يحبه الله، ووعده بالجنة؟ هذا لا يجوز وفقا للقرآن الكريم، بل انه ذنب عظيم. لذلك، فإن المتعصبين الذين يتخذوا الأحاديث الملفقة أساسا لدينهم ويتجاهلون آيات القرآن الكريم، وينشرون العداوة تجاه أهل الكتاب، يرتكبون جريمة كبيرة في نظر الإسلام.
دعوة المسلمين لأهل الكتاب
" وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ."(العنكبوت،29)
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"(سورة آل عمران، 64)
تظهر هذه الآيات أن من واجب المسلمين هو عدم الحط من قدر أهل الكتاب، أو حشرهم في الزاوية، او الشعور بكراهية نحوهم او حتى قتلهم؛ بل يجب التمسك بهم على وحدانية الله بأفضل طريقة ممكنة. التوحيد هو مذهب أساسي مشترك في جميع الديانات الثلاث، ويمكن للمسلمين الالتقاء والتحدث إلى أهل الكتاب، وتقديم الوعظ لهم ودعوتهم إلى الإيمان بوحدانية الله وجميع الكتب المقدسة التي أنزلت، والتواصل، والوعظ والصداقة فيما بينهم. ووفقا للقرآن، تقع على عاتق المسلم مسؤولية معاملة اليهودي أو المسيحي بلطف، ودعوته إلى الاعتقاد بوحدانية الله بالأسلوب اللطيف، بعيدا عن العنف او حشره في الزاوية.
السلوك العادل للمسلمين تجاه أهل الكتاب
" لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ."(الممتحنة،8)
كما رأينا للتو، يحتقر القرآن كل أولئك الذين ينغصون حياة المؤمنين أو يسعوا ضدهم في القتل أو في طردهم من أرضهم، وبغض النظر عن المجتمع الذي أتى منه سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو مسلم. كما تقع على عاتق المسلمين معاملة المؤمنين غير الأشرار من أهل الكتاب بالعدل؛ قد تتطلب العدالة في بعض الأحيان من الشخص العمل ضد مصالحه الخاصة، ولكن العدالة شيء عظيم، حتى لو كانت ضد مصالح الشخص، ويتمسك المسلمين بالعدالة كونها امر من الله يجب الحفاظ عليها كما جاء في الآية:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا."(النساء،135)
هذا الشرط يعني أن المسلمين تقع على عاتقهم مسؤولية الانضباط وتحقيق العدل، بل وفي بعض الأحيان حماية حقوق اليهود والنصارى وحتى الكافرين قبل حقوقهم والدفاع عنها. ولذلك فإن نظام العدالة في القرآن على طرفي نقيض مع فكرة التعصب المؤذية التي تفتري بأن "من يلعن يهودي له أجر."
لقد وضّح الله عز وجل أهمية أهل الكتاب في القرآن بشكل لا يدعوا للشك. وكل الأحاديث المفترضة والكاذبة التي ذكرت في هذا القسم هي على طرفي النقيض المباشر مع القرآن؛ يمكننا أن نرى ذلك بوضوح من خلال سلوك نبينا ﷺ وجميع هؤلاء المسلمين الذين يسيرون على خطاه ويتبنون نهجه:
علاقة النبي ﷺ مع أهل الكتاب
· روي عن النبي ﷺ بانه كان يحضر حفلات الزفاف الخاصة بأهل الكتاب، ويزور مرضاهم ويقدم لهم الهدايا
· عندما زار نصارى نجران النبي ﷺ، فرش النبي ﷺ ثوبه على الأرض ليجلسوا ورحب بهم بكل احترام وتقدير.
· كانت احدى زوجات النبي ﷺ واحدة اسمها ماريا بنت شمعون، وتعرف أيضا باسم مريم القبطية، قبطية مسيحة من أقباط مصر.
· اُمّنا صفية بنت حيي، احدى زوجات النبي ﷺ كانت ابنة رئيس قبيلة بني النضير اليهودية من المدينة المنورة، حيي بن أخطب.
· سمح النبي ﷺ لليهود أن يصبحوا طرفا في دستور المدينة حيث وقعت عشائر الأوس والخزرج على اتفاق الدستور، وبالتالي ضمان بقاء اليهود كمجموعة دينية منفصلة بين المسلمين.
· بموجب مادة الدستور فإن "يهود بني عوف هم مجتمع يعيشون جنبا إلى جنب مع المؤمنين. لليهود دينهم، وللمسلم دينهم،" في دستور المدينة الذي بني على أساس احترام المسلمون لليهود "ووضعت هذه التقاليد والمعتقدات في زمن نبينا ﷺ بموجب المادتين 26-33 نفس الدستور تصرّح أن أهل الكتاب يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المسلمون، في حين أن المادة 16 تنص على منع أي ظلم يمكن ان يلحق بهما.
· في عام 630 م، أصدر النبي ﷺ الأمر التالي لمبعوثي ملك حمير الذين جاءوا إلى المدينة المنورة ليعلنوا اسلامهم: "إذا اراد يهوديا أو مسيحيا ان يدخل الاسلام، يصبح مساويا للمؤمنين (تتمتع بنفس الحقوق القانونية الخاصة بالمسلمين) ، ومن يريد أن يبقى يهوديا أو مسيحيا له ذلك( ابن هشام، السيرة،2،586)
· ارسل نصارى نجران وفدا من 60 عضوا إلى المدينة المنورة، عندما وصل الوفد الى المدينة المنورة دخلوا على حضرة نبينا ﷺ)، وعندما جاء وقت الصلاة رغبوا في زيارة المسجد فاعترض الناس على ذلك، ولكن النبي ﷺ سمح لهم بذلك، وحولوا اتجاههم الى الشرق وصلّوا صلاتهم(ابن هشام، كما هو وسيرة، بيروت، I، 573-574؛ حميد الله، ونبي الإسلام، I، 619-620)
· وضعت حقوق أهل الكتاب تحت الحماية في عهد النبي ﷺ بموجب المعاهدات الموقعة من اليهود والنصارى؛ وكلما نشأ خلاف في أوقات لاحقة، كان أهل الكتاب يرجعون إلى هذه المعاهدات. على سبيل المثال، عندما كان مسيحيو دمشق في مشكلة، أظهروا المعاهدة التي بحوزتهم لسيدنا عمر الخليفة أنداك رضي الله عنه، وطلبوا حل، هذه حقيقة معروفة في كتب التاريخ.
· يحتوي نص العهدة النوبية مع المسيحي بن الحارث بن كعب وشعبه على مقاطع مثل؛ "السيد بن الحارث بن كعب وأهل ملته وكل أتباع الدين المسيحي، سواء في الشرق أو الغرب، في المناطق القريبة أو البعيدة، سواء كانوا عرب أو أجانب، معروفين او غير معروفين. ... أتعهد بدعمهم، وحمايتهم، وحماية كنائسهم الصغيرة والكبيرة وأديرتهم، وأديرة رهبانهم، ومساكنهم، أينما وجدوا، سواء كانوا في الجبال أو الوديان أو الكهوف او المناطق السكنية، في السهول أو في الصحراء. أتعهد بحماية دينهم وكنائسهم أينما وجدوا، سواء كانوا على الأرض أو في البحر، في الغرب أو في الشرق، بأقصى درجات الحماية والحذر مع أهل بيتي، والمسلمين ككل. ... لن يجبر أي مسيحي على الدخول في الاسلام بالقوة: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (29:46). وان تشملهم رحمة المسلمين، وصد أي أذى يمكن ان يلحق بهم أينما وجدو وفي أي بلد سكنوا.
· تظهر المواثيق التي وقعها النبي ﷺ مع أهل الكتاب مثل خيبر، نجران والعقبة بأن أرواح وممتلكات أهل الكتاب كانت تحت حماية المسلمين أيضا واعترفت بحريتهم في العقيدة والعبادة.
· عندما نزل الوحي على النبي ﷺ لأول مرة، ذهب الى عدد من المسيحيين في مكة المكرمة. في الواقع، أول من تحدث مع النبي ﷺ وزوجته خديجة في الأيام الأولى من نزول الوحي كان ورقة ابن نوفل، وهو مسيحي يملك نسخ مكتوبة بخط اليد من الإنجيل. (صحيح البخاري)
· تم ترميم الكنائس التي دمرت في زمن الخلفاء المسلمون، وسمح ببناء المزيد من المعابد اليهودية والكنائس الجديدة. على سبيل المثال، تم بناء دير القديس سرجيوس التي تعرضت للحرق من قبل البطريرك مار امي في زمن سيدنا عثمان رضي الله عنه.
· استخدام المسلمين كنيسة القديس يوحنا لأداء صلاة الجمعة في دمشق بعد غزو سوريا، وكان المسيحيين يقومون بأداء شعائرهم الدينية الخاصة يوم الأحد في نفس الكنيسة؛ استخدم كلاهما نفس المكان للعبادة بسلام.
· اعتاد الصحابة الاستراحة في الأديرة التي تصادف طريقهم في اثناء سفرهم، وهناك بنود عن هذا الموضوع في المعاهدات مع أهل الكتاب.
الإنجيل والتوراة في القرآن
ويجب على المسلمين الأيمان بكل الرسل وجميع الكتب السماوية المقدّسة. وأمر المسلمين في القرآن الكريم بعدم التمييز بين نبي وأخر، و كل من يعصي أوامر الله عز وجل في هذه الآية، يعتبر خارج عن العقيدة؛ فكما أن النبي محمد ﷺ هو نبينا كمسلمين، فإن النبي عيسى (عليه السلام) والنبي موسى (عليه السلام) هي أيضا أنبيائنا، كما اننا في بنفس الطريقة التي نحن جميعا أتباع محمد ﷺ، فنحن أيضا أتباع عيسى وموسى عليهم السلام لانهم كلهم أنبياء الله عز وجل، وهذا ركن أساسي من أركان الإسلام وشرط كي تكون مسلم.
وكما تحدّث القرآن عن اليهود والنصارى، تحدث أيضا عن التوراة والإنجيل، حيث يشيد الله بهذه الكتب السماوية المقدسة في القرآن الكريم. فكما رأينا بالفعل، أنزل القرآن ليثبت حقيقة الديانات السماوية السا، وليس ليدحض هذه الديانات. وعلى الرغم من احتواء هذه الكتب على بعض المقاطع التي يساء تفسيرها على مرور الوقت، إلا ان القرآن الكريم أكد على هذه المقاطع صراحة في العديد من الآيات، حيث يقول الله عز وجل:
" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ."(ال عمران،3)
لذلك، تقع على عاتقنا نحن المسلمين مسؤولية الاسترشاد بالقرآن الكريم والايمان بأن هذه الكتب كلها من عند الله عز وجل؛ فكل وصية أو ممارسة أو كلمة أكدها القرآن هي دليل هداية للمسلمين.
وفيما يتعلق بتحريف الكتب الحقيقية التي أشاد بها القرآن الكريم فهذه رواية كاذب مبنية على أساس الأحاديث الملفقة التي تنتجها العقليات المتعصبة وهو غير مقبول في الإسلام. ان دليل المسلمين الحقيقي هو القرآن، وهذا ما جاء في القرآن عن التوراة والإنجيل:
" قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ."(البقرة،136)
" إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ."(المائدة،44)
" وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ."(المائدة،46)
" وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ."(الاحقاف،12)
" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ(3)مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ."(ال عمران،3-4)
" وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ."(المائدة،47)
" وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ."(الانعام،6)
" وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ."(الانعام،91)
" وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ."(المائدى،48)
" وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ."(المائدة،66)
" وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ."(القصص،43)
" قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ."(الاحقاف،30)
" وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ."(ال عمران،199)
" وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ."(ال عمران،50)
" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ."(يوسف،111)
يصف الله عز وجل التوراة في القرآن الكريم بانها " بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ " و " نُورًا وَهُدًى ". كما ويصف الإنجيل بأنه " هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ "، وأشاد بالتوراة الحقيقية والانجيل ووصفهم " وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ."؛ هذا ما جاء في القرآن وذكره صراحة حول أهل الكتاب. وكل من يفتري على القرآن الكريم، ويروّج الاشاعات حول تحريف الكتب السماوية وعدم مشروعيتها يعتبر فاسق ومخالف للشريعة الإسلامية:
ويمكننا أن نرى قيمة أهل الكتاب في ممارسات نبينا محمد ﷺ أيضا من خلال الأحاديث التالية:
معاملة النبي ﷺ للتوراة والإنجيل
عن عائشة عن أبي هريرة رضي الله عنهما: كان اليهود يقرأون التوراة بالعبري ومن ثم يشرحوها بالعربي للمسلمين.(صحيح البخاري،الكتاب 92،الحديث 460)
عن الحافظ الذهبي اخبرنا ان عبد الله بن سلام حول من اليهودية للاسلام، اتى الى النبي ﷺ وقال: قرأت القرآن والتوراة ليلة البارحة" فأجابه النبي ﷺ " أقرأ احدهما في ليلة والكتاب الاخر في الليلة الأخرى." (الثعلبي، الايمان الثعلبي تذاكر الحفظة، المجلد 1، ص.27)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: طلبنا من النبي (ص): "يا رسول الله! قد تواصلنا حسابات من بني إسرائيل؟ "وقال:" نعم، قد تتصل حسابات من بني إسرائيل. لا توجد مشكلة. تعرف أنه إذا كنت تتصل حسابات منها، هناك معلومات أكثر إثارة للاهتمام كذلك. "(مسند ابن حنبل، 111/12، الحديث 11034)
كان عبد الله بن عمر، احد الصحابا المقربين من النبي ﷺ يقرأ التوراة باستمرار. حلم في إحدى الليالي بانه يحمل زيتا في يد وعسل في اليد الأخرى، وانه يأكل مرة من ومرة من اليد الأخرى، ووصف هذا الحلم للنبي ﷺ ، فقال النبي" ففسر النبي ﷺ على انه كتابان، وهو يقرأ من كتاب مرة ومن الكتاب الأخر مرة..( صحيح البخاري، المجلد 6، الحديث 987،ص.439)
عن ابي سعيد الخضري: سالنا النبي : قال فقلنا يا رسول الله أنتحدث عن بني اسرائيل قال نعم تحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج فإنكم لا تحدثون عنهم بشيء إلا وقد كان فيهم أعجب منه.( مسند ابن حنبل، 111\12، الحديث 11034)
من حق اليهود العيش في الأراضي المقدسة بموجب القرآن الكريم
تسعى بعض المجتمعات الإسلامية التي لا تدرك آيات القرآن الكريم تجهل الإسلام تماما، لإخراج اليهود من الأراضي المقدسة أو حذف دولة إسرائيل من الخريطة، وهم لا يدركون إن في فعلهم هذا يعصون القرآن الكريم، حيث أقر القرآن الكريم بحق اليهود بالعيش في الأراضي المقدسة من خلال الآية التالية:
" وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ(20)يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ."(المائدة،20-21)
" وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا."(الاسراء،104)
كما هو مبين بوضوح في آيات القرآن الكريم، فإن كل من التوراة القرآن تقرّ بوجوب وجود اليهود في الأراضي المقدسة؛ بل هو شيء جيد أن يتواجد اليهود في الأراضي المقدسة ومصدر فرح للمسلمين المؤمنين، وأنه لشيء جميل جدا أن نرى الوعد الذي قطعه الله قبل 3000 سنة مضت يتحقق وان نشهد نبؤه سيدنا إبراهيم والنبي موسى (عليهما السلام). فقد أوحى الله قبل الاف السنين أن "اليهود سوف سيتواجدون في تلك الأرض"، ويمكننا أن نرى المعجزة تتجلى الآن. وهكذا هي العلاقة التي يجب ان تربط المسلمين باليهود، علاقة يملأها الفرح والسرور بالوعد الصادق الذي أوحى به الله عز وجل قبل الاف السنين.
إنه من الأهمية بمكان القول إن الله يفرض شرط أساسي يختبر به المؤمنين الصادقين، في القرآن والتوراة على حد سواء الا وهو -” السلام". سوف يتواجد المسلمين واليهود والنصارى في الأرض المقدسة جنبا الى جنب، وينبغي عليهم جميعا التأكيد على العيش معا في محبة وسلام في كل أرجاء المنطقة؛ سيكونون اخوة في أرض كريمة تتسع لهم جميعا ولن يطرد أحد من بيته او يجبر على ترك ارضه، لن يحدث هذا، والله يريد السلام لنا جميعا.
من أجل أن يتحقق السلام، يجب أن يتوقف العدوان والطمع في الأرض ولقضاء على العقليات المتعصبة، فالديانات الحقيقية والقيم الأخلاقية الدينية والمؤمنين والقرآن كلها أمور ضرورية لتحقيق هذه الغاية. كما ان الحروب المبنية على أساس الطمع في الأرض أو الصراعات الفكرية غالبا ما تأخذ منحى خطير، ويمكننا أن نتخلص من كل هذه الصراعات من خلال التعليم الصحيح والفهم الحقيقي للإيمان باستخدام القرآن كنقطة مرجعية، حيث يمكن لهذا التعليم القضاء على كل هذه الأخطاء واحتواء كل العداوات. وعندما تتغير عقلية الناس، لن يكون هناك أساس للصراع او الحروب ولا يمكن تغيير عقلية الناس الا من خلال التعليم.