يصفهم الله في القرآن على النحو التالي وفي آية واحدة:
" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (يوسف،111)
كما يوضح الله لنا بشكل صريح في هذه الآية، القرآن هو " وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ"، على الرغم من أنها لم تكن يوما كافية لإسكات مروجي الاشاعات الذين ينشرون الخرافات. فهم لا يلقون بالاً إلى الطريقة التي جاء بها القرآن ولا يجدونها تناسب المفاهيم الدينية الخاطئة الخاصة بهم. لهذا السبب، وعبر التاريخ كانوا يصرون على إن وصايا القرآن "ليست كافية" (القرآن منزه عن خرافاتهم) وتحتاج إلى تفسير. وانطلاقا من ذلك، كانوا يبثون الفكرة القائلة بأنه “لا يمكننا أن نفهم القرآن الكريم إلا من خلال الأحاديث فقط "
دعونا نوضح شيئا واحد هنا، وهو إن الأحاديث وصلت إلى زمننا هذا على إنها كلمات النبي عليه السلام. في الوقت الذي نجد أن بعض الاقتباسات والممارسات جديرة بالثقة تماما ودقيقة، نجد إن البعض الآخر قد تعرض للتشويه وتم تغيير بعض معاني الكلمات تدريجيا. هناك طريقتان لمعرفة ما إذا كان الحديث هو في الحقيقة صحيح وصدر فعلا عن نبينا (عليه السلام) وما إذا كان متفق مع القرآن أو إذا كان قد حدث بالفعل. مما لا شك فيه إن القذف ضد نبينا (عليه السلام) هو باطل وان هذه الكلمات أو الممارسات التي تتعارض مع القرآن لا تنتمي اليه لأنه التزم بالقرآن وحده.
الفكرة القائلة بأنه "يمكننا أن نفهم القرآن الكريم فقط من خلال الأحاديث" عادت بالكثير من الضرر على عالمنا الإسلامي لأن بعض المسلمين أصبحوا يفكرون في هذا الاتجاه حتى إنهم عمدوا إلى تلفيق الأحاديث باسم الإيمان، وتخلوا عن القرآن تماما، واتخذوا هذه الأحاديث وحدها كمصدر دينهم. عندما كانت الأحاديث الملفقة تتعارض مع القرآن، كانت تصل بهم الوقاحة بالقول "هذا الحديث يبطل ما جاء في القرآن". هناك مئات الأحاديث الملفقة التي نتج عنها عدة مذاهب مختلفة، اختلف أتباعها مع بعضهم البعض على قضايا الإسلام والشريعة لدرجة إن البعض منهم كان يعتقد بان البعض الأخر خرجوا من ملة الإيمان تماما.
في هذه الآية يشكو نبينا (عليه السلام) إلى الله عز وجل من هجران امته للقران على النحو التالي:
"وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القرآن مَهْجُورًا" ( الفرقان،30)
في الواقع تكمن المشكلة في جزء كبير من العالم الإسلامي اليوم في أنهم ينظرون إلى القرآن ككتاب تركه الناس.
وبما أنه تم التخلي عن القرآن، فقد حان الوقت إلى (الإجماع: الشخصيات الدينية البارزة التي تعيش في زمن معين تقوم بإصدار احكام بشأن الشريعة الإسلامية على أساس القياس ألاستنتاجي) "الإجماع". وبما أن القرآن لم يكن مرشدهم وملهمهم، فقد كانوا مخنوقين بآلاف من الأحاديث الملفقة وقد قرروا أخيرا بأنه " لا يمكن للقران ولا الأحاديث أن تفسر الوصايا بشكل صحيح" وبدأ هؤلاء "القادة الدينيين" بتأليف الاحكام باسم الإسلام. بدأت المذاهب تشتبك مع بعضها البعض، وكانت اتفاقيات بعض المجتمعات المسلمة في اختلاف مع تلك المذاهب الأخرى. واعتبر التفسير الخاص لكل "إمام ديني" كقانون، واعتبرت كل شريحة مجتمعية لنفسها مجموعة من الاحكام والممارسات، وبدأ المجتمع الإسلامي ككل بالانقسام إلى أجزاء وطوائف وأخيرا إلى مجموعات صغيرة. ظل القرآن مغلفا ومعلقا كزخرف على الحائط، ونتيجة لذلك هجر قسم كبير من العالم الإسلامي القرآن وتركوه.
عند النظر إلى بعض المعارضين للإسلام نرى أن مشكلتهم، لسخرية القدر، هي تماما نفس الخرافات التي ينشرها الباعة المتجولون: هم لا يتعلموا عن الإسلام من القرآن. تماما مثل الباعة المتجولين الذين ينشرون الخرافات، فهم يركزون على الأحاديث الملفقة والتقاليد والتفسيرات المختلفة للإسلام من قبل القيادات الدينية التي عادة ما تكون غير متوافقة مع القرآن. بالنسبة لهم، "الإسلام"، هو نمط حياة وممارسات الباعة المتجولين الذين ينشرون الخرافات. بالنسبة لهم، "الإسلام" هي قوة خيال المؤرخين، وليس الإيمان كما يظهر لنا القرآن. يطلقون على قوانين هذا الدين الملفقة "الشريعة"، وليس قوانين القرآن. أنهم لا يدركون القيم والمفاهيم والممارسات المنقولة عن القرآن، ولكن لديهم معرفة كبيرة عن قواعد الدين الباطل من الباعة المتجولون أصحاب الخرافات. في انتقادهم لقواعد هذا الدين الباطل، فهم يتصورون أنهم ينتقدون الإسلام. فهم متعلقين بدين الباعة المتجولين أصحاب الخرافات إلى درجة انه عندما يقال لهم بان: "هذا ليس الإسلام" فهم لا يصدقون، وهذا هو خطأ خطير للغاية.
ينبغي على هؤلاء الناس أن يؤمنوا بذلك إذا كانوا لا يعارضون الإسلام معارضة دينية عقائدية وإذا كانوا حقا يسعون إلى إنهاء ظلام العقليات المتعصبة. دينهم ليس الإسلام. القرآن بحد ذاته كاف للمسلم. تعتبر الأحاديث صحيحة وموثوق بها طالما أنها متوافقة مع القرآن، والأحاديث غير المتوافقة مع القرآن لا مكان لها في الإسلام. إذا لم يتمكن المسلم من العثور على الإسلام في القرآن، فهذا يعني انه يبحث عن دين آخر وشريعة هذا الإيمان ليس الإسلام.
.
الشريعة الحقيقية في القرآن
كلمة الشريعة تعني "الطريق". ويمكن للمسلم أن يقرر بسهولة "المسار" الذي سيتبعه من خلال النظر في القرآن. هناك بعض الأشياء المحرمة في القرآن الكريم، وجاء تحريمها بشكل واضح وصريح. أنها ليست مفتوحة للنقاش أو التفسير. على سبيل المثال، القتل، الزنا، والربا، أكل لحم الخنزير أو شرب الدم هي جميعها محرمات جاءت موضحة في آيات من القرآن بشكل نهائي. هذه خاصية مهمة من القرآن. إن الناس الذين يحرمون عن طريق تفسير الآيات في ضوء رغباتهم الخاصة عادة ما يتسببون في الخصومات ما بينهم. لكن الله يحرم ما يصدر من تصريحات غير شرعية، كما في هذه الآية:
" إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ." (سورة البقرة، 173)
يكشف الله لنا في القرآن أنه سيكون هناك أناس يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرمه باسم الدين:
" وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ"(سورة النحل، 116)
وفي زمن نبينا (ص)، ظهرت العديد من المجتمعات التي اختلقت ولفقت الأكاذيب على الله، وبما أن هذه المجتمعات لم تأخذ القرآن كمرشد لهم، فهم لا يستطيعوا ان يفرقوا بين ما هو حرام وما هو حلال.
ومع ذلك، هناك بعض المجتمعات التي أكد الله على خصائصها: "وهم يحرمون الطيبات التي أحلها الله" حيث يقول الله عز وجل في كتابه:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ." ( المائدة،87)
في دراسة الأنظمة الوحشية التي تطبق تحت اسم الشريعة، والتي تتنافى مع الإسلام تماما، وهنا ينبغي إن نتحدث عن المجتمعات التي حرمت على نفسها ما أحله الله لها وهذا بعيد كل البعد عن القرآن الكريم.
دعونا أولا نعرف الشريعة الحقيقية، الطريق الصحيح للقرآن وبعبارة أخرى، على النحو المبين في الآيات التالية:
شريعة القرآن تعني الحب والاحترام والمودة والحماية تجاه جميع المعتقدات والآراء. شريعة القرآن تصر على الديمقراطية، ونشر حرية الأفكار. في ظل شريعة القرآن، تكون الناس متعلمة، ومثقفة، ومنفتحة، وتحترم أفكار الآخرين، سعداء، يطمحون نحو الأفضل، متطورة، ذات جودة عالية، متفائلة، وتهتم بالفن والعلوم والحب والصداقة. لا يوجد في الشريعة الإسلامية في القرآن الكريم كراهية أو تعصب أو صراع أو قتال، استبداد، تعسف، تهديد، تعاسة غضب أو حرب. سوف نتوسع في توضيح كل هذه المفاهيم المرتبطة بالقرآن مع الأدلة وبالآيات في أقسام لاحقة من هذا الكتاب.
هل هناك بلد إسلامي في العالم اليوم تجتمع فيها هذه التعريفات لشريعة القرآن؟ بالطبع لا؛ لم تطبق هذه الشريعة منذ عهد نبينا (عليه الصلاة والسلام). الدول التي تدعي بأنها تحكم بالشريعة الإسلامية هي فعليا تطبق شريعة من الإيمان المتعصب الذي فرضته مختلف الجماعات الهمجية باسم الإسلام، فهي تبني مختلف الأحاديث الملفقة كدستور لها، ولكنها تتخلى عن القرآن. يقول عالم اللاهوت التركي البروفيسور ياشار نوري أوزتورك:
لماذا يتحدثون عن 'الشريعة' وليس عن الإسلام؟ لأنه إذا تحدثوا عن الإسلام سيترتب عليهم إثبات ادعاءاتهم من القرآن. فمن المستحيل لأولئك الذين يخادعون باسم الله العثور على أي دليل على ما يسمونه دينهم، في القرآن، ولكن من خلال استخدام كلمة الشريعة يمكنهم تفسيرها كما يحلو لهم، وعندما يوضعون في الزاوية فأنهم ينتجون دين خاص بهم، ويقولون: "هذا هو ما يؤكده العلماء، وهذا هو إجماع المجتمع المسلم، وهذا هو ما قرر أجدادنا وهذا ما كان يقوم به المسلمين لقرون ".
هذا التصور، وهو محاولة لمساواة الشريعة بالإسلام، يهدف إلى جعل بدعهم التي تتعارض على طول الوقت مع القرآن من المسلمات في الدين. هذا المفهوم بداية يساوي الشريعة بالإيمان ومن ثم يضع بعض القوانين غير العقلانية والغير نابعة من القرآن [بل] الموجودة في بعض كتب الفقه التي عفا عليها الزمن [الفقه الإسلامي] تبدو كأنها الدين. "(ياشار نوري أوزتورك، الله إيل [مخادعة الله]، يني بويتي برس)
سنرى في الفصول اللاحقة تلك الجماعات التي تدعي أنها تطبق الشريعة ولكن في الواقع تنشر الغضب والكراهية وتبني مفهوم الشريعة على هذا الأساس. ينبغي علينا أن تبحث واحدا تلو الآخر ونبين بطلان جميع الأحاديث الكاذبة التي يعتمدون عليها في حججهم. ينبغي علينا أن نثبت بالأدلة المؤيدة الكاملة مدى بعد هذه الشريعة عن القرآن، وكيف أنه لا يمكن وصفها أبدا بأنها الشريعة الإسلامية.
ما هو فضل الشريعة القرآنية الصحيحة إذا ما طبقت في أي دولة؟
إذا كان هناك حقا بلد يطبق الشريعة الحقيقية للإسلام، ماذا ستكون النتيجة؟ في الحقيقة سيكون هذا البلد على درجة عالية من التطور في الفن والعلم، من شأنه أن يكون على مستوى عال من التعليم ومستوى المعيشة، وسيكون ذات جودة عالية ومسالم، وتملئه المحبة والصلاح ويتحد مع جميع شعوب العالم. وسيكون في طليعة السلام ونموذجا للحب. سيحتضن اليهود والمسيحيين والملحدين، سيعتبر الناس من جميع الأيديولوجيات كأصدقاء وسيحترم كل منهم، وسيتولى مهمة جلب الطمأنينة والهدوء إلى العالم، كما أنهم سيفكرون في غيرهم من ذوي الحاجة ويجدون الحلول لهم. سيعيشون في محبة وسعادة. هذا، بالإضافة إلى كونها دولة متطورة جدا، فإن شعبها أيضا سيكون له أسلوب حديث جدا وحياة ديمقراطية فائقة، يتم فيه التعبير عن جميع الآراء بحرية مطلقة، ولكن بعيدا عن العدوان والشتائم والتعصب أو العنف. لن تتكدس السلع وتتراكم. سيسود هناك أيضا أسلوب الحياة القرآني على أساس حماية الفقراء و "ومؤاثرة الآخرين على النفس". لن يكون هناك أية فقراء. ومن شأن هذا النظام أن يوحد جميع الناس في العالم وان تعيش جميع البلدان في ظله بسعادة تامة.
إذا ما قارنا هذا الوصف مع الدول التي تسمي نفسها “بالجمهورية الإسلامية"، سنجد إن هناك فرق شاسع وواضح على الفور. ان النظام الذي يجري تطبيقه حاليا تحت اسم الشريعة هو بالتأكيد ليس شريعة الإسلام. من أجل أن يتمكن الناس من العيش في ظل الشريعة الإسلامية، لا بد من تطهير الدين من جميع هذه الخرافات مطابقته لجميع الأوصاف التي ذكرت أعلاه والتي أشاد بها القرآن الكريم.
من أجل حدوث ذلك، من الضروري لرئيس الدولة التي تحكم في ظل الإسلام الامتثال الكامل للقرآن، وليس للخرافات. وهناك من شأن أي زعيم مسلم يلتزم بالقرآن إن تكون له ثلاث خصائص رئيسية هي: أن يتصف بالحب والديمقراطية والعدل، نظرا لهذه الخصائص، فإن مثل هذا القائد سيكون محل ثقة من الشعب. سيتمتع الناس الذين يعيشون في ظل حماية زعيم مسلم يلتزم بالقيم الأخلاقية للقرآن بالحرية المثالية، وبشكل لم يسبق له مثيل من قبل. لن يتم فرض أي التزامات إسلامية على أي فرد. سيتصرف الجميع في ضوء معتقداته الخاصة. سيتمتع الجميع بالحق في التعبير عن رأيه، ولن يتم تفضيل أي فرد على غيره. سيتم التعامل مع الجميع على قدم المساواة، وسيقام العدل على قدم المساواة أيضا. سيلتزم الناس بقوله تعالى:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ "(سورة النساء، 135) حتى لو كان ذلك ضدهم، إلا إنهم سيلتزمون به.
يسعى الزعيم المسلم دائما ويرغب في نشر المحبة. لأن السبب وراء نزول الأديان، ووجود الإنسان وخلق الجنة هو المحبة. لن يكون للقتال أي معنى في مجتمع يسوده الحب، ويتمتع أفراده بمختلف الحريات ويعاملون على قدم المساواة. ستختفي بيئة الصراع عندما يتم القضاء على الظلم والكراهية والعداوات.
لذلك، ومن أجل فهم الشريعة، نحن بحاجة إلى إن ننظر للقرآن، وليس في ممارسات الدول التي تدعي أنها تطبق الشريعة الإسلامية. جاء الإسلام بالقرآن. ولذلك، فإن الشريعة الإسلامية الوحيدة تكمن في القرآن، وهو غاية في الوضوح. ومن المستحيل بالنسبة لبلد لا يطبق أنظمة العدالة والديمقراطية والحرية في القرآن إن يكون نموذجا يحتذي به في موضوع الشريعة. وبالتالي سيكون من الخطأ لأحد أن يقترح، "ولكن هذه هي الطريقة التي يتم تطبيق الشريعة في هذا البلد، وبالتالي فإن الإسلام هو ملازم للهمجية." إن النظام المتهم هنا ليس الإسلام بل هي الايدولوجية الكاذبة التي تطبق باسم الإسلام من قبل قادة ذلك البلد. وليس من النظام القرآني. (لا سمح الله.)
الفشل في تطبيق نظام الشريعة الصحيح في القرآن، التي من شأنها أن تجلب معها المسرات المذكورة أعلاه، والوحشية التي تم تحريفها وإلصاقها بالشريعة القرآنية هو بالطبع شيء فظيع جدا: إلقاء اللوم على الإسلام ليس الجواب، إن الذين يلومون الإسلام يرتكبون ضرر جسيم من خلال محاولة القضاء عليه في الوقت الذي يعتبر الإسلام فيه هو الحل والرادع الوحيد للتطرف والعنف والوحشية. وهم في الواقع يمهدون الطريق للمتطرفين من خلال السعي لإضعاف الإسلام. لا يمكن القضاء على التطرف والمعتقدات الخاطئة التي تنشر باسم الإسلام من خلال اتهاماتهم أو الأسلحة التي يصنعوها. إن السبيل الوحيد يكمن في الرجوع إلى مفهوم الإسلام الصحيح. هناك مشكلة في الاعتقادات الخاطئة هنا، ولا يمكن حل مشكلة الاعتقادات الخاطئة إلا من خلال استبدالها بأخرى صحيحة.
الجهاد الحقيقي في القرآن
تأتي الجهاد كلمة من الكلمة العربية “جهد". وهي تحمل المعاني التالية 1) العمل، السعي، العزم والتصميم أو التضحية بالنفس و2) سيطرة المرء على النفس الدنيا له. بناء على هذه التعاريف، يعتبر الجهاد في الإسلام وسيلة للتواصل مع الجانب الآخر، لتعليم الناس القيم الأخلاقية السليمة وإبعادهم عن الشر. من خلال ذلك، ينبغي على كل مسلم تدريب نفسه الدنيا نحو الفضيلة الأخلاقية وتدريب نفسه على تجنب الغضب والكراهية. وبعبارة أخرى، ما يترتب على المجاهد المسلم عمله، هو تدريب نفسه من جهة، وان يسعى جاهدا تعليم الناس الحق والخير من الجهة الثانية. يجب أن يكون نموذجا يحتذى به من خلال القيم الأخلاقية الخاصة من أجل نشر المحبة والسلام والمودة وأبعاد الناس عن الشر.
لم يكن لكلمة "جهاد" أي معنى آخر في القرآن. أولئك الذين يرتكبون المذابح تحت اسم "الجهاد" ويقولون "دستورنا هو القرآن" إما إنهم كاذبون أو معلوماتهم خاطئة.
يعتبر في نظر القرآن، أولئك الذين يذبحون الناس اليوم باسم الجهاد، ويقومون بالانتحار أو التحريض على الحرب بأنهم يرتكبون خطيئة خطيرة، إلا أن الغالبية العظمى من هؤلاء الناس لا يدركون حتى أنهم يخالفون القرآن. والسبب وراء ذلك هو لأنه تم تضليلهم باسم الدين. فهم لديهم دينهم الخاص المبني على الكراهية بدلا من الحب والغضب بدلا من المودة، والعداء بدلا من الأخوة والرعب بدلا من الجمال والجهل بدلا من الفن والعلم والثقافة. انه لمن السهل جدا وضع مسدسا في يد شخص يؤمن بمثل هذا الإيمان، ومن السهل جدا أن نقول له "هذا المجتمع هو عدوك لذلك اذهب وهاجمه." فمن السهل جدا تحريضهم ومن المصدم تماما بناء مجتمعات من الغضب.
سوف يتم توثيق الأحاديث الكاذبة التي يستشهد بها هؤلاء الناس كمبرر مفترض للعدوان، وتوثيق والآيات من القرآن التي يسيئون تفسيرها باسم الحرب. وهناك نقطة هامة لا بد من أن نتذكر هنا. تنشر الغالبية العظمى من المتطرفين وهم يجهلون. أنهم لا يعرفون الإيمان الحقيقي. حتى أن معظمهم من المرجح انه لا يقرأ القرآن. لذلك السبب فانه لا فائدة من إدانة، لعنة، تهديد، سجن أو نفي الشخص الذي يقتل بسبب الجهل أو سوء الفهم. مشكلته هي أنه لم يتم تعليمه بالقرآن ولم يفهم شرع الله قط، علينا أن نقبل حقيقة أنه طالما استمر التعليم الكاذب، سيكون هناك أيضا متطرفين يجهلون ما يفعلون. إذا استطاع المرء ان يتفهم هذه المشكلة، يمكن للمرء أيضا فهم أن الشيء الوحيد الذي يحتاجه أولئك الذين ينشرون العنف والإرهاب تحت اسم الجهاد هو التعليم الحقيقي.
ما يساء فهمه حول الحرب في الإسلام
تقع على عاتق المسلم مسؤولية الايمان بكل ما جاء في القرآن الكريم دون استثناء
يتحمل المسلم مسؤوليته الإيمانية في كل أية من القرآن، وبدون استثناء، فان السبب وراء نشر هذا العنوان هنا هو إظهار الطبيعة الكاذبة من ادعاءات المتعصبين الذين يسعون لإضافة الخرافات إلى الإسلام، وبعض المعارضين للإسلام، والذين يتناوبون في سوء استخدام الأفكار السلبية لتلك المتعصبين حول عدم صحة بعض النصوص القرآنية (والعياذ بالله) وأشاروا إلى هذه الآية كدليل مفترض لمطالبهم:
"مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (سورة البقرة، 106)
أولئك الذين يلوون ألسنتهم ضد القرآن وعمدوا على إساءة تفسير هذه الآية كدليل للسماح لهم بفرض خرافاتهم بدلا من القرآن. فقد تصورا بكل غباء أنه من خلال إساءة تفسير هذه الآية، فانه من الممكن بطلان بعض الآيات او حتى استبدالها بالأحاديث الملفقة. بعض المعارضين للإسلام، من ناحية أخرى، ما زالوا يعتقدون أن هناك آيات حول استخدام المسكرات أو الحرب التي لم تعد صالحة ويسعون الى تقسيم المسلمين إلى قسم ملتزم بذلك، وقسم غير ملتزم.
التفسير الحقيقي لهذه الآية التي يسعى أولئك الناس إلى الاستشهاد بها لإثبات طريقتهم الفاسدة في التفكير على النحو التالي؛ الكلمة العربية "آيات" في مصطلح " مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ " هو مفرد. تعني كلمة آيات أيضا علامة أو معجزة، وكذلك الآية القرآنية، ولكن كلمة "آية" التي استخدمت للإشارة إلى آيات القرآن لم تظهر في صيغة المفرد. عندما تظهر في صيغة المفرد، فان كلمة "آية" تعني دائما دليل أو علامة، وهذه هي الطريقة التي يتم ترجمتها في جميع الآيات الأخرى.
وبالتالي فإن المعنى هنا ليس المقصود به "آيات القرآن" ولكن "العلامات والقواعد والشريعة" التي كانت قبله. ووفقا لهذه الآية، إذا تم إرسال بعض الممارسات والوصايا التي تطبقها المجتمعات السابقة التي انزل عليها الكتب السماوية، وهم اليهود والمسيحيين، والذين تم نسيانهم في فترة من الفترات، وهذه إما أن يكون قد ذكرها أو حذفها القرآن. وبالتالي النسخة المماثلة أو الأفضل منها في القرآن.
نحتاج أيضا إلى التركيز على عبارة " أَوْ نُنسِهَا " في الآية. من أجل إن تلغي وصية واحدة أخرى، ينبغي "نسيانها". وبما إن القرآن ما زال موجودا منذ 1400 فلا يمكن أن يكون هناك أي شك لاستبدال أية مكان أخرى. إن الوصايا التي يزعم المتعصبون انه تم إلغاؤها لم تنسى. أنها لا تزال في القرآن. وهذا يدل بوضوح على أن الإلغاء الذي تمت الإشارة إليه هنا ليس آية، ولكن الوصايا التي أنزلت إلى مجتمعات سابقة منذ ذلك الحين أصبحت طي النسيان. وقد تم ترميم الأوامر التي تم إرسالها إلى المجتمعات السابقة ولكنها "منسية" في القرآن، مع إصدارات أكثر سلاسة أو مماثلة أنزلت إلى تلك المجتمعات.
القرآن هو كتاب محفوظ
كما يقول الله عز وجل القرآن هو كتاب محفوظ وذلك كما جاء في هذه الآية:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. (سورة الحجر، 9)
فمن المستحيل لبعض الآيات في الكتاب "المحفوظ" والتي تنطبق على جميع المسلمين إن تكون صالحة في البعض منها والبعض الأخر غير صالح. الكمال في مجمل القرآن يكمن في المعجزات الرياضية والعلمية. يقول الله عز وجل في كتابه:
" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ42 ا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ " ( فصلت,41-42)
ويقول أيضا
" انَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 18فإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ19 امَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
جميع هذه الآيات تنص صراحة، على ان القرآن هو كتاب منقطع النظير، ولا يمكن ان يمسه الباطل لا من امامه ولا من خلفه. هذا الكتاب هو في حماية الله. ولذلك، ان هذا الافتراء الصارخ يشير إلى أن بعض الوصايا قد حلت محل تلك الموجودة في القرآن.
لا بد من أن أذكر هنا أن العلماء الذين يحيكون الافتراءات المختلفة عن الإسلام والقرآن بهذه الطريقة هم في خلاف شديد بين أنفسهم على عدد من الآيات التي من المفترض أن يتم إلغاؤها. كل واحد على طريقته الخاصة يستبدل اية محل آية، وبالتالي هذه القواعد تؤدي إلى ديانات جديدة ومختلفة. وبعض العلماء ذهبوا الى ابعد من ذلك، الافتراض بان هذه الأحاديث يمكن أن تحل محل الآيات. هؤلاء الناس يتجاهلون تماما الآية التي جاء فيها " مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ " (سورة الأنعام، 38). وهم يرفضون آيات من القرآن الكريم ويستبدلونها بالأحاديث، وبعضها مجموعة افتراءات. يمثل هذا الانهيار العقلي الذي يرتكب باسم الإسلام ،الأساس لتصرفات المتطرفين أيضا. يجب علينا أن ننظر في هذا بالتفصيل في الوقت المناسب.
الخطأ في التفريق بين " الفترة المكية " و " الفترة المدنية " للمسلمين
يشير بعض خصوم الإسلام الى "الفترة المكية للمسلمين" على انها فترة المسلمين المعتدلين. من وجهة نظرهم، يعتبرون الوقت الذي كان فيه نبينا محمد عليه السلام في مكا، كان وقت السلام وفترة خالية من الحروب، وان الحروب بدأت فجأة في الوقت الذي هاجر فيه النبي عليه السلام الى المدينة المنورة. بناء على ذلك، يدعي بعض الناس ان أنصار الحرب في الاسلام يعترفون فقط بالآيات التي نزلت في فترة المدينة، بينما المسلمين المحبين للسلام يعترفون بالآيات التي نزلت في فترة المدينة. هذه الافكار غير عقلانية وتتسم بالجهل.
كما رأينا سابقا، فإن الشرط الأساسي للمسلم لكي يكون مسلما هو الايمان بالقرآن الكريم كله، دون استثناء. إذا رفض آية واحدة، فهو يخرج من ملة الاسلام كما هو موضح في القرآن. وبالتالي ليس هناك إمكانية من وجهة نظر القرآن ان يقول شخص: "أنا مسلم" ومن ثم يميز نفسه قائلا: "لكنني اعترف بهذه الآية ولا اعترف بذاك."
صحيح أنه لم يكن هناك قتال في الفترة المكية في حياة نبينا (عليه الصلاة والسلام)، ولكن كان هناك قتال في الفترة المدنية وانزلت هذه المعارك بشكل خاص حول تلك المعارك بشكل خاص. من أجل فهم السبب وراء ذلك، علينا أن نفهم الظروف الصعبة في زمن نبينا (عليه الصلاة والسلام).
فترة الاختبار العصيب للمسلمين في الفترة المكية
استمر الوحي في النزول إلى نبينا عليه الصلاة والسلام طيلة 23 عاما كاملا. خلال 13 عاما الأولى من هذه الفترة، عاش المسلمون كأقلية في المجتمع الوثني في مكة وتعرضوا لضغوطات كبيرة جدا. وتعرض كثير من المسلمين للتعذيب الجسدي، استشهد البعض، ونهبت منازل وممتلكات الاغلبية منهم وكانوا يتعرضون باستمرار للتهديد والشتائم. ومع ذلك، واصل المسلمين حياتهم دون اللجوء الى العنف، ولكنهم كانوا يبتعدون عن الوثنيين ودعوهم دائما الى طريق السلام.
استمرت القوم الكافرون في عدوانهم ضد المسلمين، ولم يعطوا اي اهمية لنبوة محمد عليه الصلاة والسلام. استمروا في كفرهم ولم يقدم الكفار على اي خطوة احتجاجية ضد النبي عليه السلام طالما لم يهاجم اصنامهم بالفعل او الكلام، لكنهم عندما رأوا النبي عليه السلام هاجموه بالكلام البذيء. كانوا يسخرون ويقللون من شأن المسلمين بشكل غبي. بدأت قريش فترة "الاعتداء اللفظي" بهذه الطريقة.
ووصف القرآن هذه الحوادث بهذه الكلمات:
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ30وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ31وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ32وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ) المطففون،29-31)
كانت مكة مركز عبادة الأصنام حيث كانت تفيض كل يوم بالناس القادمين لزيارة الكعبة والأصنام من حولها، وبالتالي أكسبت قريش قدرا كبيرا من المال والمكانة. اعتبرت قريش انتشار الإسلام في مكة على أنه تهديد، لأنهم يعتقدون أن هذا من شأنه العمل ضد مصالحها الخاصة، وكذلك إثارة عداء القبائل الأخرى. كانوا يعرفون أيضا أن الإسلام ينظر للجميع على قدم المساواة ويمحوا أي تمييز على أساس النسب أو الثروة. لذا قرر أعضاء بارزون من قريش اتخاذ الاحتياطات اللازمة لوقف انتشار الإسلام. شملت هذه "الاحتياطات" في كثير من الأحيان تعذيب وحتى قتل المسلمين. (ابن هشام، 1/287)
في ذلك الوقت، لم يستطع الوثنيين أن يلحقوا الضرر بأعضاء الأسر القوية والبارزة، مثل حضرة أبو بكر وحضرة عثمان لكنهم اساءوا معاملة المسلمين الفقراء الضعفاء بشراسة. المسلمين الذين تعرضوا للمعاملة السيئة والقاسية كانوا من امثال أبو فقيه، خباب بن الأرت، بلال بن رباح، صهيب الرومي، عمار بن ياسر، ياسر بن عامر وسمية بنت خياط.
أبو فقيه كان عبدا لصفوان بن أمية، كان يربط كل يوم من قدميه ويجره سيده على الحصى والرمل الساخن.
تم وضع عامل الحديد خباب بن الأرت على الجمر وضغط صدره على الفحم انطفأ الجمر في صدره.
تم ربط والد عمار بن ياسر، وياسر بن عامر، بالإبل التي كانت تدفع في اتجاهات مختلفة، وتمزق جثثهم إربا. لم تتحمل ألم رؤية زوجها يستشهد بهذه الطريقة الوحشية، فتكلمت كلام ضد الكفار ما ادى بهم الى قتلها من خلال رمح أطلقه أبو جهل. (زاد آل معاد، 2/116، عصر فيليسيتي، 1/254)
كان أمية بن خلف يضع عبده بلال الحبشي عاريا على سطح الرمال كل يوم. وكان بعد ذلك يقوم بوضع صخرة ضخمة على صدره ويتركه هناك لمدة ساعة؛ كان يعذبه محاولا إجباره الوقوف ضد النبي (ص) والتخلي عن الإسلام. في أحد الأيام، قام بربط يديه ورجليه يديه ووضع حبل حول رقبته. ثم انطلق به فوق الرمال الساخنة في شوارع مكة المكرمة. (زاد آل معاد، 2/116، عصر فيليسيتي، 1/253)
كانوا في البداية غير قادرين على لمس شخص نبينا (عليه الصلاة والسلام) وذلك لكونه تحت وصاية عمه أبو طالب ونظرا لأنهم يخشوا من الهاشميين. إلا إنهم بدئوا تدريجيا بالافتراء على النبي عليه السلام، مدعين بأنه "عراف، وهو شاعر، ساحر، ". في نهاية المطاف، كانوا يستغلون كل فرصة ممكنة لإهانة وإساءة معاملة النبي (عليه الصلاة والسلام).
كان السبب وراء سوء معاملة المسلمين هو الإيمان القوي ولأنهم يبشرون الآخرين بالإسلام. وعلى الرغم من كل ذلك القمع والتعذيب والعنف ضد المسلمين إلا إن المسلمين لم يكونوا ليؤذوا الكفار، وهذه إحدى وصاياه ومتطلبات الإسلام، وحتى إنهم لم يحاولوا الدفاع عن أنفسهم وهو ابسط حقوق الإنسان. وعندما رأت قريش بان المسلمين لا يدافعوا عن أنفسهم، قامت بتصعيد العدوان والتعذيب. واستمرت قريش في ملاحقتهم وقتلهم في كل مكان يجدونهم فيه.
وبسبب تفاقم الاضطهاد، وعدم قدرة المسلمين على الرد على ذلك بأي شكل من الأشكال وحتى لم يدافعوا عن أنفسهم لأن القرآن يمنع سفك الدم، وجدوا أنفسهم غير قادرين على البقاء في مكة المكرمة لفترة أطول، مما اضطرهم إلى الهجرة إلى المدينة المنورة.
الفترة المدنية والمعارك
عندما ازدانت هجمات المشركين "وبلغت ذروتها في مكة المكرمة، هاجر المسلمون إلى يثرب (عرفت فيما بعد باسم المدينة المنورة)، حيث كان المناخ أكثر حرية ولطافة، وإنشاء حكم خاصة بهم هناك. ولكن حتى بعد أن أنشأت الهياكل السياسية الخاصة، لم تتوقف الهجمات من قبل مشركي مكة. لحقت قريش بالمسلمين واستمر في الهجمات العنيفة ضدهم. ولكن نبينا (ص) والمسلمين من حوله لم يشرعوا في أي معركة ضد المشركين.
لن يمتنع أي شخص أو مجتمع أو بلد في العالم عن الرد إذا ما تعرضوا للهجوم، كانوا ليردوا ولو حتى على شكل “الدفاع عن النفس"، وذلك على أقل تقدير، أو اتخاذ إجراءات مضادة. الناس الذين ينخرطون في الدفاع عن أنفسهم تبرأهم المحاكم، وكذلك الدول التي تفعل ذلك تبرأ بموجب القانون الدولي لأنها تعرضت لهجوم ظالم، ضد حياة الناس والأسر وذويهم، أو شعوب البلدان والأراضي والشرف وتعرضت للخطر.
وينطبق ذلك أيضا على نبينا (ص) والمسلمين في الفترة المكية. لكن على الرغم من كل الهجمات الظالمة والمميتة ضدهم، الا ان نبينا (ص) والمسلمين لم يبادروا إلى إي هجوم مضاد وذلك لان الله حرم القتل. وبدلا من ذلك، وكما أمرنا سبحانه وتعالي في الآيات، كانوا يلجئون دائما إلى الجانب الآخر وهو السلام، وعندما كانت مقترحات السلام غير فعالة تركوا ديارهم وأراضيهم والمدن وابتعدوا.
في بدايات الفترة المكية أي ما يقارب 13 سنة والسنوات الأولى من وجودهم في المدينة، كان المؤمنين لم يزالون ممنوعين من القتال وأمروا بالتحلي بالصبر مواجهة كل هذا التعذيب والظلم والاستمرار في الدعوة الى الإيمان بالله بلطف، كما جاء في الآية الكريمة التالية: " ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"(سورة النحل، 125)، وكان لا يسمح بالقتال.
ورد نبينا (عليه الصلاة والسلام) على النحو التالي لأولئك المسلمين الذين يرغبون في الوقوف في وجه الاضطهاد في:
"لا يزال القتال غير مسموح. تحلوا بالصبر، كان الله في عوننا، وسوف يجزى الصابرون ... "
ثم اذن لنبينا (ص) الدفاع عن نفسه ومجتمعه في الآيات التالية التي نزلت بعد الهجرة إلى المدينة المنورة:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ40الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ " ... (سورة الحج، 39-40)مع هذه الآيات، بدأ المجتمع المسلم الذي تعرض للظلم واجبر إلى المنفى لمجرد قوله "ربنا الله" لاتخاذ استعداداته للدفاع عن نفسه، وذلك كما جاء صراحة في الآية، " لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا " واجاز لهم الدفاع عن أنفسهم. ولكن لم يأمرهم بالهجوم. وبعد هذه الآية، بدأ المسلمون بالدفاع عن أنفسهم وكافحوا ضد القوم الاشرار الذين كانوا يهاجمونهم. ظهرت الآيات المتعلقة بالحرب والدفاع وتلك التي تحتوي على أوصاف بشأن التدابير التي تجري خلال القتال. وبعبارة أخرى، كان هناك وصفا خاصا محدد للوضع في حرب معينة. ولذلك، تم الكشف خصيصا عن كل الآيات التي تتعلق بالحرب في القرآن على أنها تشير إلى هجمات معينة تجري في ذلك الوقت لتمكيننا من رؤية ظروف وأوقات صعبة وعدالة نبينا (عليه الصلاة والسلام).
ضد من خاضوا المعارك؟
هناك نقطة هامة لا بد من تذكرها بشأن المعارك التي وصفت في القرآن ألا وهي "الجانب الآخر" في القتال. وتدعي بعض المصادر الدينية والتاريخية أن المعارك التي كانت تدور رحاها في زمن نبينا (ص) كانت ضد اليهود. بعض الناس الذين قرأوا هذه المصادر ذهبوا للبحث عن معاداة السامية في القرآن، مدعين أن الآيات التي وصفت معارك محددة في القرآن كانت موجهة ضد اليهود. ولكن هذا خطأ فادح.
كان الكفار هم الذين شاركوا في هذا الاضطهاد ضد نبينا (ص) والمسلمين. كان هناك الكثير من هذه عباد الأوثان. وكان هدفهم هو منع أي ضرر من القدوم إلى أصنامهم ومعتقداتهم الضارة. كان بعض المنافقين والمشركين قد جاءوا من الجاليات اليهودية ولكن سيكون من الخطأ الكبير الإشارة إلى هؤلاء بأنهم يمثلون اليهود. وذلك تمام كما هو الحال مع وصف المنافقين والمشركين الذين جاءوا من مجتمعات مسلمة بأنهم "مسلمون"، ولذلك يعتبر من الخطأ المساواة على اعتبار المشركين والمنافقين الذين ظهروا من بين اليهود وبدأ بنشر العنف باسم "اليهود. "من المستحيل ليهودي صالح البدء بالقتال وقتل المؤمنين.
القرآن يقف ضد معاداة السامية. لهذا السبب، إن أولئك الذين يبحثون عن تعابير العداء تجاه اليهود في القرآن سيعودون فارغي اليدين. نبينا (عليه الصلاة والسلام) لطالما تمتعنا دائما بعلاقات جيدة مع اليهود. كان يعاملهم بالاحترام والمودة، والخير وكان اليهود المتدينين يعاملون نبينا (ص) بنفس الاحترام والمودة.
سيتم فحص المعلومات المتعلقة دينا النبي (عليه الصلاة والسلام) والموقف المتعاطف تجاه اليهود والتوراة واليهودية بالتفصيل في فصل خاص عن أهل الكتاب.
صفات الحرب في القرآن
جاء القرآن واضح جدا حول متى وكيف كانت تشن الحرب:
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. (سورة البقرة، 190)
يجب أن تشن الحرب فقط ضد أولئك الذين يهاجمون المسلمين. هذا هو ما ينبغي أن تكون، حربا دفاعية. يمنع في القرآن الكريم المسلمين من مهاجمة الجانب الآخر من دون سبب.
إن الله يأمر المسلمين في القرآن ان يحافظوا دائما على العدل ويبقوه في الصدارة، حتى لو كانوا غاضبون في المجتمع بسبب الظلم والعدوان، حيث يكشف الله تعالى ذلك كله في آية واحدة:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ."( المائدة،8)
على سبيل المثال، يحرم الله عز وجل على المسلمين في إحدى الآيات بالا يقسوا على أولئك الذين منعوهم من دخول الكعبة، وينصحهم بمعاملة الجميع باللطف وتقديم النصح والمشورة لهم:
... وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ... (المائدة، 2).
كما حذر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالا يتجاوزوا حدودهم، على الرغم من أنهم قد منعوا عمدا من أداء واجباتهم الدينية من (الحج) وتمت معاملتهم بطريقة غير عادلة. يأمر الله المسلمين أن يتصرفوا بالعدل حتى في ظل هذه الظروف، وان يتصرفوا بشكل جيد وألا يغضبوا. على المسلمين واجب طاعة هذه الوصية في القرآن، ومهما كانت الظروف.
إن الآية التي تصف المبرر الوحيد للقتل -الدفاع عن النفس -تحتوي أيضا على شرط آخر في فيما يتعلق بالحرب: عدم المغالاة، وهذا يعني أنه في حالة وقوع هجوم يجب على المسلم ببساطة الدفاع عن نفسه، يجب ألا يبالغ والا يتخذ أي إجراء آخر عدى الإجراءات الدفاعية. وبعبارة أخرى، يحرم القرآن العدوان والعنف والغضب والتطرف.
تكشف الآيات الأخرى واجب الانضمام للحرب الدفاعية ضد المعتدين فقط ووفق هذه الشروط:
" (8) لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.( الممتحنة,8-9)
يوجد تمييز مهم هنا. لا يجوز للمسلمين الاعتداء على من لم يعتدي عليهم، حتى ولو كانوا يعارضون المسلمين على المستوى الفكري. يقع على عاتق المسلمين مسؤولية معاملة مثل هؤلاء الناس بالاحترام والعدل. وبناء على هذه الآية، يجوز للمسلمين إن يخوضوا حربا دفاعية مع أولئك الذين يظلمونهم بسبب عقيدتهم او يعتدوا بالضرب عليهم ضد الناس الذين يشرعون في أعمال عدائية ضدهم، وبمعنى اخر، وكما رأينا بالفعل، بطبيعة الحال يجوز للجميع الدفاع عن أنفسهم إذا تعرضوا للهجوم. هذا حق كل شخص أو أمة أو دولة، وهو من شيء من الصواب فعله.
إن حقيقة كون نبينا (صلى الله عليه وسلم) لم يشارك في أي دفاع عن النفس حتى نزول الآيات التي تسمح بالدفاع عن النفس يمثل تضحية هائلة بالنفس والإخلاص الديني. وحتى ذلك الوقت، لم يلجأ النبي عليه السلام الا لمجرد طرق حل وسط ومحاولة إقناع الجانب الآخر، وذلك كما جاء في الآية "... ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..." (سورة النحل، 125) على الرغم من ان هدف قريش الوحيد كان الكفر والذبح.
وبعد أن عرضت هذه النقطة الهامة، يجب علينا الآن النظر في جميع الآيات التي يسعى مروجي الخرافات والمعارضين للإسلام تقديمها كدليل على العنف المفترض والمنفذ باسم الإسلام، وسوف ندحض أكاذيبهم واحد تلو الاخر.
قبل النظر في هذه الآيات، ينبغي لنا أن نعرف أن كل المعارك التي وصفت في القرآن حدثت ضد مجتمع معين في تلك المنطقة، والتي تم التعبير عنها في ظل تلك الظروف الخاصة التي ذكرت في الآيات. لقد كان هذا المجتمع وثني متعدد الالهة، ابرم معه اتفاق. ولذلك، تم تحديد كل هذه المعارك من خلال سلوك وعدوان هذا المجتمع واعتمادا على خرقه لاتفاقات السلام والصداقة. ولذلك فإن الآيات أنزلت بناء على الظروف الخاصة المتعلقة بذلك الوقت وتصف مناخ معين.
من أجل هذه الحقيقة فهم أفضل، دعونا نلقي نظرة على تعريف "المشرك" في ذلك الوقت والاتفاقات المبرمة معهم:
المشركين الذين عقدت معهم الاتفاقات
على الرغم من إن كلمة وثني، وفقا لبعض التفسيرات، تعني ببساطة "اولئك الذين يساوون أنفسهم برب العالمين"، إلا ان المصطلح يشير حقا إلى الكفار الذين يعبدون الأصنام، والذين يساوون أنفسهم صراحة برب العالمين، ويؤمنون بعدد لا يحصى من الآلهة وهم ليسوا مسلمين، ولا يهود، ولا صابئة، والمسيحيين أو مجوسيين أيضا.
بالرغم من أن القرآن الكريم يشير إلى الديانات المختلفة التي كانت موجودة في جزيرة العرب خلال فترة ظهور الإسلام، إلا ان المشركين ذكروا دائما كمجموعة منفصلة. إذا ما نظرنا إلى زمن النبي عليه الصلاة والسلام، نجد انه على الرغم من اجازته الزواج بامرأة من أهل الكتاب مثل اليهود والمسيحيين وأكل طعامهم، إلا انه حرم الزواج من امرأة من أو أكل الطعام المطبوخ من قبل المجوس والصابئة، وكذلك المشركون.
كما رأينا بالفعل، اجبر نبينا عليه الصلاة والسلام إلى الهجرة إلى المدينة المنورة تحت ضغط شديد من المشركين، ومنذ الأيام الأولى للهجرة، فقد أخي بين الأنصار (المؤازرين، مسلمين المدينة المنورة) والمهاجرين (المهاجرين، المسلمين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة المنورة). كما انه وقع الاتفاقات العديدة مع المشركين والناس الذين يعيشون في المنطقة، ودعاهم الاتحاد من أجل بناء السلام، وذلك على الرغم من مواقف المشركين المتطرفة دائما.
وجاء نبينا عليه السلام إلى المدينة المنورة معززا للمحبة والأخوة التي أثبت بهما أن باستطاعة الناس إن يعيش في سلام مع أناس اخرين مختلفين عنهم في المعتقدات والأديان واللغات. واحد من أعظم البراهين بأنه كان رسولا للسلام والمحبة هو أن الكلمات الأولى التي كتبها كانت "معاهدة السلام". بعد الاستيلاء على مكة المكرمة، عفي النبي محمد عليه الصلاة والسلام عن جميع المشركين الذين كانوا من قبل قد تعرضوا للمسلمين بالتعذيب وعاملهم بتعاطف كبير. إن هذه الفضيلة الأخلاقية العظيمة التي رأيناها من قبل النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) هو أمر لم يسبق له مثيل من قبل في المجتمع العربي، وقوبل بترحيب كبير.
إن النبي عليه السلام هو قدوة لجميع المسلمين فيما يتعلق بتنفيذ العدالة في المناطق التي كان يغزوها. لقد طبق نبينا عليه الصلاة والسلام العدالة التي جاءت في القرآن الكريم على سكان البلدان التي تم الاستيلاء عليها واقام معهم المعاهدات التي من شأنها ضمان حقوق كلا الجانبين، والتي بموجبها يتم ضمان عدم الايذاء لأي جهة. لهذا السبب، فإن شعوب التي تم غزوها، وبغض النظر عن دينهم أو عرقهم، كانت دائما سعيدة بالعدالة التي جلبها الإسلام. كان نبينا (عليه الصلاة والسلام) وأصحابه يمثلون مجتمع تسوده العدالة بين الناس، وذلك كما ورد في قوله تعالى " وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ " (سورة الأعراف، 181).
وكانت المعاهدة التي اقامها نبينا (عليه الصلاة والسلام) مع مسيحيين نجران في جنوب شبه الجزيرة العربية هي واحدة من أروع الأمثلة على تفهمه وعدالته.
وفيما يلي نص لأحد بنود هذه المعاهدة:
إن حياة أهل نجران والمنطقة المحيطة بها، دينهم، أرضهم وممتلكاتهم وماشيتهم وكل من هو حاضر أو غائب فيهم، أنبيائهم وأماكن عبادتهم هي تحت حماية الله ووصاية نبيه . "(الميثاق نجران، المادة السادسة، http://www.islamicresources.com /Pact_of_Najran.htm)
في أعقاب المعاهدات التي ابرمت مع جميع مجتمعات المنطقة، قام نبينا عليه الصلاة والسلام بتأسيس دولة المدينة المنورة عن طريق وضع أول دستور في تاريخ الإسلام، وسماه دستور المدينة. كان هذا الستور بمثابة النموذج الأول والأكثر مثالية للنظام الديمقراطي والمتعدد الجنسيات. لم يأتي حتى يومنا هذا قانون ديمقراطي قادر على تحقيق مثل هذا النظام بالطريقة التي وضعها نبينا عليه الصلاة والسلام في دستور المدينة المنورة، ولم يأتي قائد قادرا على تنفيذه، كما كان في عهد نبينا (عليه الصلاة والسلام).
الدستور الديمقراطي الأول في التاريخ والشامل لكل الجنسيات: دستور المدينة المنورة
لقد أقام النبي عليه الصلاة والسلام النظام الديمقراطي والسلمي من خلال دستور المدينة المنورة الذي لم يسبق له مثيل، وهو أول دستور للدولة الإسلامية في الجزيرة العربية قاطبة يضم المجتمع الحضري على كافة الأجناس والأديان والقبائل.
وبموجب هذا الدستور، استطاعت جميع الطوائف في المدينة المنورة العيش معا في سلام، واستطاعوا ترتيب حياتهم وفقا لأمور دينهم ومعتقداتهم، واستطاعوا تشغيل وتنظيم مؤسساتهم الخاصة وقوانينهم. استطاعوا من خلال ذلك، العيش بسلام ووحدة مع جميع الطوائف في المدينة المنورة.
تمت كتابة دستور المدينة المنورة في عام 622 م، بقيادة النبي محمد عليه الصلاة والسلام قبل نحو 1400 سنة، وذلك استجابة لمطالب الطوائف على اختلاف المعتقدات، ووصل الينا كمعاهدة قانونية مكتوبة. ونتيجة لذلك، أدرجت المجتمعات التي كانت معادية لبعضها البعض لما يزيد عن 120 سنة، وانسجمت الأديان والأعراق المختلفة تحت هذا الدستور. من خلال المعاهدة، أعلن النبي عليه الصلاة والسلام وضع حد للصراع بين المجتمعات التي كانت تستغل أي فرصة أو مناسبة للاعتداء على بعضها البعض. كانت معادية لبعضها البعض ولم تتفق يوما ولكنها استطاعت العيش معا تحت هذا الدستور.
بموجب دستور المدينة المنورة، كان الجميع أحرارا في اختيار الديانة أو السياسية أو الفلسفة الخاصة به، وبعيد عن أي ضغوط من أي شخص آخر. استطاعوا إنشاء الشراكة المجتمعية مع الناس الذين يحملون نفس وجهات النظر. كان الجميع أحرارا في ممارسة نظام العدالة الخاص به. ومع ذلك، لم يتم حماية أي شخص يرتكب جريمة من قبل أي شخص اخر. وكانت الأطراف في المشاركة في المعاهدة تعمل على دعم بعضها البعض، وتحت حماية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. كان يتم عرض الخلافات بين الأطراف المختلفة على النبي عليه الصلاة والسلام. في الواقع، كان حتى المشركين يفضلون تحكيم نبينا (عليه الصلاة والسلام)، لأنه كان الشخص الأكثر عدلا في المجتمع.
تم تنفيذ هذه المعاهدة التي وضعها نبينا عليه الصلاة والسلام تدريجيا بين سنة 622 و632 ميلادي. من خلال هذا الدستور، استطاع الناس تجاوز البنية القبلية القائمة على روابط الدم والأسرة، واتحد الناس من مختلف الجذور الجغرافية والثقافية والعرقية معا ليشكلوا وحدة اجتماعية واحدة. كما أنشأ دستور المدينة المنورة حرية المعتقد والدين بشكل واسع النطاق. إحدى المواد الواردة التي تبين ذلك كانت كما يلي:
"يعتبر يهود بني عوف مجتمع يعيش جنبا إلى جنب مع المؤمنين. لليهود دينهم وللمسلمين دينهم. "(دستور المدينة المنورة، http://www.islamic-study.org/jews-prophet-page-2.htm)
يتكون دستور من المدينة المنورة من 47 مادة. هناك 1-23 من البنود التي تخص المسلمين، في حين أن البنود 24-47 تخص القبائل اليهودية التي تسكن في المدينة المنورة. إن الإشارة في هذه البنود إلى المسيحيين، الذين كانوا أقل بكثير من حيث العدد، هو أمر مهم من حيث اشراك افراد أفراد الديانات المختلفة في هذا الدستور.
في تحليل لدستور المدينة المنورة في تقرير بعنوان "إعادة تقييم ميثاق المدينة المنورة وفقا للتعددية من وجهة نظر لأستاذ ليونارد سويدلر " يقر على أن الدستور هو وثيقة هامة تعرض جهود النبي عليه السلام في توحيد المدينة وجلب الجماعات معا حول القانون الذي أعلن عنه صراحة للشعب.
ووفقا لهذا التقرير، من الناحية القانونية، يتمتع كل فرد بحقوق متساوية، يتمتع بحرية الديانة والمشاركة في الحرب جنبا إلى جنب مع المسلمين، وفي ظل جميع الظروف، كانوا ممنوعين من الدخول في أي اتفاقات منفصلة مع العدو، والتي تبين محاولة لتأسيس التضامن الصارم للمجموعات المتواجدة في المدينة المنورة. ويقول كاتب التقرير أن هذا النص السياسي والديني يهدف إلى إقامة مجتمع جديد يلتف حول قيم المساواة والحرية. كما تم التأكيد عليها في الدستور، وكان واضحا تفوق القانون على الفرد هي الخطوة الأساسية في تحقيق هدف تأمين جو من الحوار والتعايش. تدل بنود الدستور أيضا على مسؤولية متساوية لكل فرد في حماية المدينة.تشير بنود الدستور أيضا إلى مسؤولية متساوية تقع على عاتق كل فرد في الدفاع عن المدينة. ووفقا لهذا التقرير، وبالنظر إلى أن أسماء جميع المجموعات في المدينة موثقة واحد تلو الآخر، فإن الدستور، وبالتالي النبي، يعترف بكل هذه المجموعات في المدينة بوصفها كيانات قانونية وعاملوهم على هذا الأساس (كينان ستينكايا، تحليل الحوار الامريكي لقد [تفاهم للحوار في أمريكا والمدينة المنورة ميثاق)
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من البنود المتعلقة باليهود في الدستور، سيكون من المناسب أيضا أن نذكر أنفسنا بأنه يشمل أيضا مجتمعات المشركين التي كانت تعيش هناك. على الرغم من أن المشركين في مكة المكرمة أظهروا العداء علنا تجاه النبي محمد (عليه السلام) والمسلمين وطردوهم من أراضيهم، إلا ان النبي (عليه السلام) تعامل دائما مع الكفار في المدينة المنورة بطريقة المحبة والمصالحة والمزيد من الود. يظهر دستور المدينة أن المسلمين اتخذوا موقفا وقائي تجاه حقوق وقوانين المشركين، وأن هذه المشركين يرغب في العمل جنبا إلى جنب مع المسلمين في الدفاع عن المدينة المنورة. مثل هذا الموقف تجاه المشركين ليس من المستغرب على الإطلاق لأنه في القرآن، على المسلمين مسؤولية حماية المشركين الذين كانت قد وقعت اتفاقيات، حتى على حساب حياتهم. (سيتم تعيين هذا بمزيد من التفصيل في الوقت المناسب.)
في الختام، يعتبر الدستور في هذه المسألة وثيقة مهمة للغاية باعتبارها تحتوي على نواة للوحدة والاتحاد والمحبة والمودة والصداقة والسلام، وتمثل نموذج للحوار بين المسلمين وغير المسلمين عموما وبين المسلمين واليهود على وجه الخصوص. واستند مفهوم المحبة والسلام لنبينا (عليه السلام) على القرآن الكريم ولكن من الصعب في الوقت الحاضر تحديد مجتمع مسلم قادر على العيش وفق هذا التصور نفسه. هذا دليل قاطع ومهم جدا على أن الدستور الأكثر ديمقراطية في التاريخ قد كتب ونفذ من قبل نبينا (عليه السلام) وان المجتمعات قد انحرفت بعيدا في الوقت الحاضر عن ممارسات نبينا ( عليه السلام) وتعاليمه كما كشف القرآن.
لذا يتعين تقييم الأقسام التالية من هذا الكتاب في ضوء هذه المعلومات. إن ممارسات بائعي او مروجي الخرافات في يومنا هذا تختلف كليا عن الحكمة التي جاءت في القرآن الكريم، والتي تقضي بوجوب حماية المشركين وإن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) يتمتعوا بوضع خاص عند المسلمين، وعن ممارسات النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، التي تهدف دائما الى نشر السلام والديمقراطية. إن مروجي الخرافات دائما يبحثون عن أدلة لمواصلة الصراع في القرآن، ولكن القرآن نفسه يدعوا الى نشر السلام دائما. ولذلك ينبغي اخذ هذه الحقيقة الهامة بعين الاعتبار أثناء تفسير الآيات التي تتعلق بالحرب.
الآيات المتعلقة بالحرب وتفسيرها
بعد الاطلاع على تعريف الحرب في القرآن الكريم، دعونا الآن ندراسة الآيات المتعلقة بالحرب والتي يساء استخدامها من قبل بعض المتطرفين وتستخدم لانتقاد الإسلام من قبل بعض المعارضين له:
تفسير الآية 191 من سورة البقرة:
1. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ. (سورة البقرة، 191)
هذه الآية هي واحدة من الآيات التي انزلت على المسلمين بعد تعرضهم للضغط والعنف الشديد وأجبروا على الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. إن الشروط التي تمت مناقشتها بالتفصيل أعلاه تخاطب المسلمون الذين أمروا بالدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات المباشرة. لقد جاءت ردا على أسلوب ذلك المجتمع الذي عاشوا فيه وبنفس الطريقة، والذي لم يكف عن قمعهم، حيث رفضوا الاستجابة بالكلام الطيب ولم يسمعوا أي من دعوات للسلام أو التفاوض وكانوا كلهم اذان صماء لكل دعوات الحوار والحلول الودية.
ومع ذلك، نحتوي الآية أيضا على تذكير بقواعد الحرب: " وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ. "كما رأينا، فإن الشرط الوحيد للقتال هو ان يبدأ الطرف الاخر بالهجوم. إذا لم يشن الطرف الاخر الحرب، إذا لم يشن لهجوم، فمن غير القانوني على الاطلاق للمسلمين يبادروا بالحرب.
بالطبع انه لأمر مريب جدا كيف يتجاهل المتطرفين والمعارضين للإسلام الذين يشوهون هذه الآية هذا الحكم الهام جدا. ان الآية تمنح المسلمين صراحة حق الدفاع عن أنفسهم فقط: وبالتالي إن الآية ليست لغرض الحرب والعدوان.
وكشف عنصرا هاما آخر في الآيات على النحو التالي: " وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ " تحريض المجتمعات، تشجيع ونشر الكراهية، والفوضى والإرهاب من خلال الانخراط في التشهير والأكاذيب الصريحة وبالتالي خلق الجماهير الغفيرة والمعادية من الناس هو فتنة، وتخبرنا الآية أن الفتنة هي أسوأ من القتل. وبالتالي، فإن المجتمعات التي تهاجم المسلمين هي التي تشارك في الفتنة الفعلية والنفسية والسرية والضرر الذي يسببونه كبير جدا. فمن الطبيعي ان يدافع المسلمين عن أنفسهم عندما يعتدى العدوان في عقر دارهم.
ان الطريقة التي تستخدم من قبل بعض المتعصبين في بث الإشاعات أو الخرافات وتصريحات بعض الأفراد والمجتمعات أو الديانات من اجل نشر الفتنة ومن ثم السعي لجمع الأدلة لخرافاتهم المفترضة من آيات القرآن الكريم هي بالطبع يرثى لها وبالية جدا. يتمخض عن الفتنة احداث تؤدي إلى الفساد، مثل نشر الفرقة بين المسلمين، مما يؤدي بهم إلى الخطيئة والخسران من خلال الحاق جميع أنواع المشاكل بهم، ثم إنشاء البنية التحتية لحركات التمرد الجماعي والانخراط في الاعتداءات الجسدية واللفظية على المسلمين. ولذلك، من أجل أن تتهم شخص ما بالفتنة، لا بد لهم من ارتكاب أحد هذه الاعمال. إن أولئك الذين يسعون لاتهام اليهود أو إسرائيل بوصفهم متورطون في هذه الفتنة يتبخرون امام هذه الآية.
وفقا للقرآن الكريم، من الخطيئة اتهام كل اليهود او اسرائيل بالانخراط في الفتنة. الناس الذين ينشرون الفتنة قد يظهرون من أي دين أو بلد. فكما انه من المستحيل ان نوصم كل العرب والأتراك أو المسلمين بمروجي للفتنة، وذلك ببساطة لأن هناك فقط البعض منهم ممن ينخرطون في الفتنة، فلا يمكننا ان نوصف جميع اليهود أو الإسرائيليين على انهم مروجين للفتنة. وفقا للقرآن الكريم، يمكن للمسلم تناول العشاء في منزل يهودي، يمكن أن يكون ضيفه وصديقه، ويمكن أن يتزوج حتى امرأة يهودية (سيتم توضيح ذلك بالتفصيل في فصل آخر). وما دام الأمر كذلك، فإنه من المستحيل للمسلم أن يوصف دون قيد أو شرط يهودي بانه مروج للفتنة. إن الاشخاص الذين يبثون مثل هذه الادعاءات الواسعة لا يعرفون شيئا عن القرآن، وكما قلنا في البداية، فهم يتصرفون عن جهل الناتجة نتج عن الأحاديث الملفقة التي لا تعد ولا تحصى تتحدث عن الفتنة واليهود. سيتم دراسة الأحاديث في هذه المسألة والموقف من أهل الكتاب وفقا للقرآن الكريم في الوقت المناسب في فصول لاحقة.
دراسة الآيات 89،90،91، من سورة النساء:
وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا."(النساء،89)
إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً(النساء،90)
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُواْ فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينً. (النساء, 91)
تشير هذه الآيات إلى المنافقين. هؤلاء الناس الذين يدعون بأنهم مسلمون، الذين يعيشون بين المسلمين ويتظاهرون بأنهم جزء منهم، ولكنهم في الحقيقة يكنون عداء شديد تجاه الله والإسلام، ويسعون لطعن المسلمين في الظهر. يبين الله أن أولئك الذين يموتون منافقين يلقون في الدرك الأسفل من النار. كما ترون، يعتبر المنافق نموذج بشري خطير وحقير جدا وذلك بسبب طبيعة الخائنة ذات الوجهين والتي تتميز بالنفاق على عكس الكفار أو المشركين.
لقد حرم الله في الآية 89 من سورة النساء: اعتماد المنافقين كأصدقاء، وذلك لأنهم يتخلوا عن المسلمين ويسعون جاهدين لجعلهم يكفرون كما كفروا. ما يبرر القتال ضدهم هو ان المنافقين ينخرطون في الاعتداءات الجسدية على المسلمين. يمكننا أن نرى ذلك من خلال الآية التي تليها، الآية 90، وكما هو واضح في العبارة " فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ،" لا يوجد ما يدعوا الى القتال ضد أي مجتمع لا يعتدي على أحد. يسمح بالقتال ضد المجتمع الذي يبدأ يبادر بالحرب على المسلمين اولا. اعطي المسلمين الحق بكل وضوح في الدفاع عن أنفسهم ضد تلك الهجمات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الآية 90 من سورة النساء تعتبر مثال اخر على لغة الحب والتسامح التي جاءت في القرآن الكريم الذي يدعوا دائما الى السلام. ينبغي العفو عن بعض المنافقين، الذين اعتادوا خيانته المسلمين وطعنهم في الظهر حتى ذلك الحين ولكنهم اعتمدوا في وقت لاحق النهج السلمي تجاه المسلمين، كما يمكننا أن نرى من خلال هذه الكلمات؛ "إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ". وفي نفس الآية يقول الله تعالى: " فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً "، مؤكدا مرة أخرى حصانتهم. هذا هو تعريف العدالة الحقيقية.
تحتوي الآية 91 على نفس الحالة التي وصفت على أساس نفس الظروف. المنافقين الذين تابوا والذين قالوا انهم لا يريدون القتال، عادوا إلى الفتنة في وقت لاحق وبدئوا في مهاجمة المسلمين مرة أخرى. فيما يتعلق بهذا الحدث، أشار النص القرآني الى انه لا يجب المس بهؤلاء الناس طالما انهم لا يهاجمون المسلمون، لكن إذا فعلوا ذلك يصبح الدفاع عن النفس شيء مشروع.
علينا أن نتذكر أن الاحداث التي وصفت في الآية كانت محددة، حيث نزلت الآية اثناء غزوة أحد وحول المخاوف من هؤلاء المنافقين الذين شاركوا في الغدر في ساحة المعركة.
دراسة الآية 5 من سورة التوبة:
فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. (التوبة، 5)
من أجل فهم الظروف التي جاءت في الآية المذكورة أعلاه يجب علينا قراءة سورة التوبة ابتداء من الآية الأولى، عندها يمكننا ان نفهم بان ليس جميع المشركين يستحقوا لعذاب والقتل ولكن البعض منهم ممن هاجم وشارك في الاعتداءات الوحشية ضد المسلمين ومن ثم يأتون في الأشهر الحرم يبرمون الاتفاقيات من اجل وقف القتال. يقصد بالمشركين هنا الذين يحاولون تصيد المسلمين بمكر، ويستمروا في مهاجمته المسلمين في الأشهر الحرم وقتلهم، وعلى الرغم من أنهم ابرموا اتفاقات عادلة بينهم وبين المسلمين وكانوا يعلمون جيدا أن المسلمين لا يقاتلون في الأشهر الحرم.
في ظل هذه الظروف، اعطي المسلمين في هذه الآية الحق في الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الوحشية. كما هو مبين في الآية، على الرغم من المشركين كانوا ينفذوا هجماتهم الوحشية في الأشهر الحرم، إلا ان المسلمون لم يردوا عليهم في الأشهر الحرم، كما أمرهم الله. لقد تحلوا بالصبر خلال تلك الأشهر، وكانوا يدافعون عن أنفسهم م فقط عند انتهاء الأشهر الحرم. ويمكننا ان نرى أيضا أن الآية تبين لنا الطريقة التي يجب اعتمادها في الدفاع: الأسر، والحصار والتربص على جميع الطرق. الشروط الأساسية في الحروب اعتمادا على القانون الدولي هي الأسر والحصار. يستولى على الممرات اللازمة للحصار وبالتالي منع الجانب الآخر من التحرك. لذا فان طريقة الحرب التي وصفتها واعتمدتها الآية هي معتمدة دوليا. الفرق الوحيد هو أن من يبدأ بالهجوم ليس المسلمون، وهم يحاولون فقط وضع حد للهجمات ضدهم.
وليس هناك أيضا من شك في هذه الآية حول وجوب العفو عن أولئك الذين يتوقفون عن الهجوم ويتوبون الى الله، ويجب إطلاق سراحهم. هذا واضح
عندما نتمعن في الآية التي تليها مباشرة، نجد بان هناك بيان مهم جدا يصف روح المحبة والاهتمام في القرآن. هذه الآية تدحض كل الادعاءات التي جاءت ضد المسلمين من قبل أعداء للإسلام. فيما يلي الآية:
أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ. (التوبة، 6)
من خلال هذه الآية، يأمر المسلمين بمساعدة المشركين الذي استجاروا بهم وطلبوا مساعدتهم، حتى ولو كان ذلك يهدد حياتهم. تشير الآية الى انه ينبغي على المسلم أن يستخدم نفسه كدرع لحماية هؤلاء المشركين. وبعبارة أخرى، يقع على عاتقه مسؤولية المخاطرة بحياته لحماية شخص ينكر وجود الله وايصاله إلى بر الأمان.
هذا ما أمر به القرآن، ووفقا لهذه الوصية، لا ينبغي قتل أي شخص لعدم ايمانه بالله. على العكس من ذلك، يجب ان تكون حياته محمية حتى ولو على حساب حياة المسلمين. ولذلك، فإن مبرر الحرب ليس له علاقة بموضوع من يؤمن بالله او من لا يؤمن أو من ينتمي للإسلام او عقيدة اخرى. المبرر الحقيقي للحرب هو ان الطرف الاخر يرغب في الاعتداء والتعذيب وقتل الناس.
حقيقة أخرى وردت في الآية هو أن جميع الناس يجب أن يكونوا تحت حماية المسلمين طالما أنهم لا يهاجمون أو ينخرطوا في سلوك متطرف، بغض النظر عن الدين أو اللغة أو العرق أو المعتقدات. يقع على عاتق المسلم حماية أهل الكتاب، الملحدين أو الشيوعيين، وبنفس الطريقة التي يحمي بها غيرهم من المسلمين. هذا أحد متطلبات ان تكون مسلما، هذه هي صفات المسلم في القرآن. إذا قال شخص ما، "أنا مسلم"، كما يجب أن تكون حاميا للأخرين.
دراسة الآية 13 من سورة التوبة:
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( التوبة،13)
هذه الآية هي آخر الوصايا التي تتعلق بالقتال في القرآن الكريم. عندما ابرم الكفار الهدنة مع المسلمين، وبعبارة أخرى، الذين عاشوا في سلام معهم بموجب تلك المعاهدات، فقد نكثوا الهدنة وبدأوا بالهجوم، عندما حاولوا إجبار نبينا (عليه الصلاة والسلام) على مغادرة بلده والذهاب الى المنفى، وعندما، كما تنص الآية صراحة، فقد بدأوا بالأعمال العدائية، كان للمسلمين الحق في الدفاع عن أنفسهم وقتالهم.
دراسة الآية 33 من سورة المائدة:
إنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. (سورة المائدة، 33)
يمكننا ملاحظة الموضوع المتعلق بالحرب الذي ركزنا عليه في الآيات السابقة في هذه الآية ايضا. لقد بينت هذه الآية صفات المجتمع الذي يجب محاربته بشكل مفصل: يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا. هؤلاء الناس يهاجمون المسلمون ويعتدون عليهم، وينشرون الفساد في الأرض. تتحدث الآية عن أولئك الذين يشكلون مشكلة بالنسبة للعالم كله، ويعتبرهم الناس مجتمع منحرف وفاسد ومتعطش للحرب.
كما هو الحال في كل الحروب، القتل مسموح في حالة الدفاع عن النفس ضد كل من يعلن الحرب على المسلمين، طالما أنه هو الملاذ الأخير، ويفرض لإجبار هؤلاء الناس على الخروج من اراضيهم. وبعبارة أخرى، ووفقا لآيات القرآن الكريم، يجوز للمسلم أن يفعل أشياء هي محرمة بالأصل فقط في حالة الحرب-مثل قتل الناس واخراجهم من ارضهم.
دراسة الآية 57 من سورة الأنفال:
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (الأنفال، 57)
نحن بحاجة أيضا إلى تقييم هذه الآية في ضوء المنظور والأدلة التي نبحث عنها بالتفصيل. يجب ألا يغيب عن البال أن الحقبة المدنية(فترة المدينة) عندما أنزلت بعض الآيات كانت فترة من القتال والعنف. كان ذلك هو السبب الرئيسي للظلم مارسه المشركين ضد المسلمين كما جاء في احدى الآيات " الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ "( الحج، 40). وعلاوة على ذلك، تتابع الآية، " فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً( النساء،90). يقع على عاتق المسلمين وقف القتال إذا ما اوقفه الجانب الاخر ووضع حد واوقف هجومه على المسلمين.
وإذا ما نظرنا الى بعض الآيات الواردة قبل الآية 57 من سورة الأنفال، نجد انها تشير الى المجتمعات التي عقد معها المسلمين المعاهدات. فكما في كل اية تأذن للمسلمين القتال في حالة الدفاع عن النفس، فكانت هذه المجتمعات من ضمن الذين نكثوا بالمعاهدة مع المسلمين وبالتالي هاجموهم على الفور.
من المهم تشكيل قوة ردع لمواجهة هذا المجتمع الذي يباشر في الاعتداءات المتعددة، ويرفض أن يستمع إلى العقل وينشر الفساد من خلال خرق معاهدات السلام باستمرار ، وذلك لأنه هذه المجتمعات التي تعودت على نشر الفساد لا تستطيع ان تعيش في جو السلام ولا تستطيع المشاركة في تحقيقه لأنه يعني انتهائها وانتهاء بيئتها التي تتكاثر فيها وهي البيئة الفاسدة المليئة بالأحقاد والضغائن، كما وانها لن تعطي مجال للسلام لأنها تعرف بان المجموعات المشركة الأخرى التي تقودها وتجهزها لنشر الفساد في الأرض لن يبقى لديها القوة او الشجاعة لنشر الفساد اذا ما تحقق السلام. هذا هو تدبير احترازي ضروري ومهم ضد أي مجتمع يخرق معاهدة السلام، ويؤدي الى تلافي صراع يمكن ان يحدث لاحقا. ويولي أهمية كبيرة لهذه العقوبات كونها عقوبات "رادعة" في دساتير دول العالم كله وفي القانون الدولي. والهدف من ذلك هو منع ارتكاب الجريمة سواء من قبل نفس الشخص او شخص آخر. تعتبر هذه الاحتياطات في القانون الدولي مناسبة للغاية، وهي ظالمة في نفس الوقت، فضلا عن انتهاكها للإحساس السليم والإنصاف، وبالنسبة للأشخاص الذين يعتبرونهم ضروريين لتطبيق القانون ومعارضة نفس التدابير عندما يتعلق الأمر بالإسلام.
دراسة الآية 4 من سورة محمد:
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ( محمد،4)
كما هو الحال في غيرها من الآيات، تؤكد هده الآية على وجود مناخ الحرب. لقد نكث العهد، وبادر المشركون في الهجوم ولم يعد هناك أي بديل سوى الرد على هذا العدوان. ما تصفه هذه الآية في الواقع هو القواعد الدولية للحرب. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تصف أيضا شيء لا يتم تطبيقه في الواقع وفقا للقواعد الدولية للحرب: الإفراج عن السجناء في حال انتهاء الحرب. في الواقع، السجناء في يومنا هدا ا ما زالوا محتجزين كأسرى حرب في خليج جوانتانامو في كوبا على الرغم من أن الحرب في أفغانستان قد انتهت، ومنظمات مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الاطلسي اعتبرت بان ذلك الامر شرعي. لكن من منظور القرآن ذلك لا يعتبر شرعي: تنص الآيات على انه يجب الإفراج عن جميع السجناء بمجرد انتهاء القتال.
ان الآيات المتعلقة بالحرب في القرآن، تصف بوضوح حرب الدفاع عن النفس وفي ظل ظروف ذلك الوقت، والتي كانت تدور رحاها فقط ضد المشركين والمنافقين الذين بدئوا الأعمال العدائية ونشر الفتنة والفساد. السبب الرئيسي وراء إساءة تفسير هذه الآيات واستخدامها في سياسات الغضب والكراهية من قبل المتطرفين، هو المئات من الأحاديث الكاذبة التي تمت إضافتها إلى الإسلام ووجهات النظر الخاطئة من بعض المحللين. ومع ذلك، فإن القرآن يحتاج إلى قراءة بعقل صافي ومستنير، وتطهير جميع الأحاديث الكاذبة والخرافات الأخرى. عند النظر إلى مضمون هذه الآيات في ضوء جو الحرب التي كانت سائدة في ذلك الوقت، يصبح معنى هذه الآيات واضح وضوح الشمس.
لا مبرر للحرب في الإسلام
ينبغي على أولئك الذين يزعمون أن الإسلام هو دين الحرب ان يدركوا بأن هذا المنظور هو في الواقع على نقيض تام لتعاليم الإسلام. لا يوجد أي مبرر لمهاجمة الطرف الآخر في القرآن الكريم. وينص القرآن الكريم ويؤكد على الديمقراطية والحريات. في ظل مناخ من الديمقراطية والحرية لا مجال لإنكار الجانب الآخر كالعدو أو السعي لإسكات ذلك. يحظى الجميع باحترام في ظل هذا المناخ، وبإمكان أي شخص أن يتحدث بحرية وهذه هي فقط البيئة التي تتحدث عنها الشريعة الإسلامية. لذلك، ليس هناك أي مبرر لحرب هجومية في القرآن. دعونا نبحث هذه الحقيقة من خلال آيات من القرآن:
الحرب لفرض الإسلام على غير المسلمين
إن استخدام الحرب او القوة أو الاكراه لفرض الإسلام على شخص او جماعة ما من غير المسلمين هو مناف تماما لأخلاق وتعاليم القرآن الكريم، ومن أبرز ما جاء في القرآن بهذا الخصوص قوله تعالى:
"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"(البقرة,256)
جاءت هذه الآية كوصية صريحة في القرآن تدعوا الى عدم الاكراه أو الاجبار في الدين، فلا يحق لأي مسلم معصية الله سبحانه وتعالى واجبار أي شخص اخر على الدخول في الدين، فقد حظر سبحانه وتعالى ذلك صراحة في القرآن الكريم.
ان النبي عليه الصلاة والسلام هو مرشد وناصح فقط، تقع على عاتقه تبليغ رسالة الله عز وجل في الأرض، ودعوة الناس الى الدخول في الإسلام، اخر الديانات السماوية. ففي ذلك الوقت امن البعض ممن سمع عن الإسلام من النبي عليه السلام مباشرة والبعض الاخر لم يؤمن. وكما دعا القرآن الكريم صراحة، لا يجوز للنبي عليه السلام ولا لاحد من المسلمين استخدام الاكراه. حيث قال الله عز وجل: " (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ(2)لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر ( الغاشية، 21-22)لذلك فإن الاكراه ممنوع اطلاقا.
وفقا لما جاء في للقرآن، فانه من الواجب على جميع المسلمين اخبار الناس بالقيم الأخلاقية للإسلام، ولا يجوز لاحد فرض الاكراه في الدين مثل ان يقول: " ينبغي عليك ان تصبح مسلم" أو "ينبغي عليك أداء الشعائر الدينية". والغرض من القرآن هو جلب المحبة والسلام للعالم. لذلك فان مثل هذا الضغط يتعارض مع القرآن.
هناك آيات أخرى تحظر الاكراه في الدين:
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ "... (الكهف، 29)
وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ(يونس،99)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ(ق،45)
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ(2)لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(3) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (4) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (5) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (6)لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.(الكافرون،1-6)
إذا كان الاكراه والاجبار واستخدام القوة محظور في القرآن، فلا يمكن ان يكون هناك مبرر للحرب والعدوان والعنف أو الغضب أيضا. ما هي الأشياء التي يمكن للمسلمين ان يجبروا المشركين عليها باستثناء الدخول في الإسلام؟ فمن الواضح تماما انه لا يجوز لأي شخص ان يجبر أي شخص اخر على الدخول في الإسلام. لذلك، ووفقا لما جاء في القرآن الكريم، فإن فرض الإسلام على غير المسلمين لا يمكن ان يكون ذريعة للحرب.
الحرب من أجل التفوق الفكري أو العرقي؟
يحترم الإسلام جميع الأيديولوجيات، جميع الشعوب، وجميع المجموعات العرقية، وجميع الأفكار وجميع الأديان. الإسلام هو الدين الذي تحترم فيه كل الأفكار ويتيح الحرية القصوى للأفكار. من المستحيل ان يكون هناك حرب بسبب اختلاف الأفكار او العرقيات في ظل الديمقراطية والحرية التي توفرها العقيدة الإسلامية.
الحرب من اجل نشر أحكام الإسلام وتقديمها من خلال القادة الدينيين؟
كما رأينا بالفعل في التفاصيل، وفقا للقرآن، ينبغي على الزعيم المسلم ان يحتضن أيضا المسيحيين واليهود والملحدين والشيوعيين، المشركون والبوذيون والناس الذين ينتمون إلى المعتقدات والنظم الأيديولوجية الأخرى في المجتمع الذي يقوده. وقال انه يجب تنفيذ حرية كاملة للأفكار. ينبغي عليه السماح بالحرية الفكرية المطلقة. يظهر الصراع والقذف ونفاق الناس عندما تغيب الحريات. عليه منع ذلك وتنفيذ ما يطلبه القرآن، حيث يقول الله عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ. “(النساء: 135) يقع على عاتقه مسؤولية الحفاظ على العدالة بغض النظر عن الأفراد أو المعتقدات أو الأصول، حتى لو كان ذلك ضد مصلحته الشخصية.
الحرب من أجل القضاء على الأعداء؟
كيف يمكن أن يكون هناك أعداء في الإسلام؟ الإسلام هو الدين الذي يدعوا جميع الناس لتكون على قدم المساواة والأخوة. وفقا للإسلام، فإن كل شخص وبغض النظر عن اللون أو اللغة أو الدين أو العرق أو الجنسية أو المكانة الاجتماعية، هو كيان يستحق الاحترام فقط لكونه انسان. كما تدعوا كل الأديان السماوية، البشر جميعا هم اخوة ونحن جميعا أبناء النبي آدم (عليه الصلاة والسلام). ان مبدأ الأخوة هذا، شرط الاعتقاد الديني.
يتعارض الإسلام مع كل الأيديولوجيات والأفكار الفاشية والمادية والأفكار الداروينية التي تستند على التفوق العنصري وتقسم الناس إلى فئات كاذبة مثل "متقدمة" و "بدائية". ولذلك فهو في صراع فكري وعقلي ضد هذه الصراعات التي تجلبها تلك الأيديولوجيات معها، وليس لها مكان في ذاتها.
يستحق نظام الحكم المتعلق بالبشر في الاسلام الاحترام حيث يمثل كل العلاقات بين الناس. من وجهة نظر الإسلام، حتى الشخص المخطئ دائما لديه القدرة على التحول باتجاه الاصلاح. ولذا من المستحيل ان يكون للمسلم الحقيق أي أعداء. وتقع على عاتق كل مسلم مسؤولية التعامل مع الآخرين بالمودة ودعوتهم إلى الفضائل الأخلاقية، وليس تكوين العداوة مع الآخرين والتآمر لإسقاطهم.
كما لم يميز القرآن بين الناس على أساس التفوق العرقي او الجنسي او ما شابه، بل خاطبهم جميعا "بأبناء ادم" موضحا ان كل البشر خلقوا متساوون. حيث قال عز وجل في محكم كتابه:
لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (الإسراء، 70)
ان الطريقة التي يتحول فيها دين ما الى دين مبشر بالحروب رغم انه لا يحتوي على اية نص يدعوا الى ذلك، تكون من خلال الخرافات البلهاء التي ينشرها أولئك الباعة المتجولون عن ذلك الدين ويشوهونه بها. بعض الناس عموما لديهم فهم خاطئ عن الإسلام لأنهم ببساطة يجهلون هذه التوضيحات بشأن الدين ويتابعون فقط ممارسات المتطرفين. ان أصحاب العقليات المتطرفة يجهلون بأنهم يطبقون اوامر لا شان للقران الكريم بها ويتبنون عقيدة أخرى مختلفة تماما إلى الإسلام الصحيح. وهذا هو فقط ما نسعى إلى معالجته في هذا الكتاب.
من الذي يريد الحرب؟
عند الإشارة إلى مختلف العلماء الذين يفترض بأنهم يوجهون مساحات واسعة من المجتمع باسم الإسلام، علينا أن نتذكر نقطة واحدة مهمة جدا: بالنسبة لبعض الجماعات، قطاع التسلح هو أحد القطاعات الذي يجب ان يبقى دائما فعال. وهو القطاع الوحيد الذي لم يتأثر بالأزمات الاقتصادية. وهو قطاع حيوي زاخر دائما بالعرض والطب ودائما يقدم للسوق ما هو جديد. لماذا هو حيوي؟ لان الحروب لم تتوقف ابدا ومستمرة دائما في حياتنا. أحد الطرق للحفاظ على بقاء الحروب هي: استفزاز جهة جاهلة من الناس تعتبر عقيدتها بمثابة دعوة للحرب وهم على استعداد للقتل او الموت في سبيل هذه العقيدة. وبطبيعة الحال ليس من الصعب ايجاد مجموعة تنطيق عليها تلك المواصفات: الجماعات المتطرفة التي تظهر باسم الإسلام.
بعض المعارضين للإسلام في الغرب محقين بشأن انتشار العنف من خلال الجذور المتطرفة. ومع ذلك، هؤلاء الناس مخطئون عندما يتعلق الأمر ببعض القادة، مثل أسامة بن لادن. ان أولئك الذين يسمون بالقادة هم عادة أناس لا يأبهون بشأن الاسلام والمسلمين، ولكنهم يبقوا على هيبة الاستعداد بإشراف أجهزة الاستخبارات المختلفة. وهم يشاركون مباشرة كلما استعدتهم الحاجة في مناخ من الاضطراب أو الحرب. انهم يقضون وقتهم في الحانات والمقاهي في الدول الغربية، ولكن عندما يحين الأمر، تراهم يطلقون لحاهم، ويغيرون ملابسهم ولغتهم، ويوحي مظهرهم بأنهم من الشرق الأوسط عادة ويباشروا بتنفيذ الخرافات التي تعلموها على مر السنين لتشويه هذا الدين.
وقد أصبحت هذه الظاهرة واقع في كثير من الأوقات؛ وكان أسامة بن لادن واحد من هذه الظواهر. ان مجيء حضرة المهدي (عليه الصلاة والسلام)، وهو أعظم حدث في نهاية الأزمنة أنبأنا به نبينا محمد (عليه الصلاة والسلام)، واستغلت توقعات المسلمين الصادقة حول هذا الموضوع لإعطاء الانطباع من قبل بعض الدوائر أن بن لادن نفسه كان المهدي وبذلت الكثير من الجهود لإقناع الكثير من الناس بهذا الموضوع. الرحلة التي بدأت مع بن لادن لم تضرب فقط أفغانستان ولكنها ضربت العالم الإسلامي بأسره؛ وكان السيناريو ان يتم انهاء ظاهرة بن لادن جثة هامدة. ربما كان هذا الجزء الأكثر تأثيرا في كل المخطط. وبموجب هذه الخطة، اعتقد العالم الإسلامي بأن المهدي مات وفقدوا كل الآمال والتوقعات. كان هذا السيناريو الممنهج يهدف إلى إضعاف وتحقيق المزيد من الاستغلال للعالم الإسلامي.
لا شك ان ذو العقليات المتطرفة مذنبين في هذه القضية، ولكن يجب ألا نتجاهل بعض القوى التي تغذي فكرهم. تخدم الحرب دائما مصالح بعض الناس في وقت يكون فيه قطاع التسلح قوي جدا ومربح. وهي عادة يشار إلى الجماعات المتطرفة بأنها تحرض على القتال، ولكن في الحقيقة أولئك هم من يحتاجون للحرب لتلبية أغراضهم الشريرة الخاصة وتغذية مطامعهم. هذه المجموعات مستعدة للحرب بسبب لأن جهلها يعتبر "غطاء" مثالي لهذه القوى التي تختبئ وراء الكواليس. هم مجرد بيادق يمكن أرسالها بسهولة إلى الحرب.
ينبغي على الأميركيين أو الأوروبيين الذين يعانون الويلات بسبب المتطرفين ان لا ينسوا هؤلاء الرؤوس المدبرة التي تشغل تلك الجماعات. بالطبع هذا لا يقلل من بشاعة جرائم أولئك الذين وقعوا في براثن هذه الجماعات المتطرفة وخرافات الباعة المتجولين، يقسمون الناس الى طوائف ويعلنونهم بأنهم أعداء بعضهم البعض، ولكن في نفس الوقت ينبغي الا نتجاهل هذا الواقع المهم. وبالفعل، فإن المنظمات المختلفة التي تعبأ وتنظم الاحتجاجات والانتفاضات، وخاصة في الدول الإسلامية، لا تتردد في التعبير عن اهدافهم بصراحة.
الخلاصة:
لقد قمنا في هذا الفصل بتوضيح التفسيرات المتعلقة بالآيات التي تتحدث عن الحروب والتي تستخدم كحجة ضد الإسلام، وكيف ينظر الإسلام الحقيقي إلى مفاهيم الحرب والجهاد. سيتم القاء الضوء على مصدر دين المتعصبين في الفصول اللاحقة. سنوضح كيف تتعارض مفاهيم الإيمان الجديدة التي تقوم على أساس الأحاديث الملفقة مع القرآن. سوف نوضح أيضا كيف أن دين المتعصبين الذي يدعوا الى الحرب والكراهية والغضب بعيد كل البعد عن الإسلام الحقيقي.
يقول الله عز وجل: " وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا. "( الإسراء، 81)